المؤسسات المجتمعية التربوية والتعليمية علاقاتها التكاملية ودورها في تنمية وتطوير القيم والاخلاقيات الفاضلة

كتب / هيثم بن سبعه اليافعي :

إن التغيرات الإجتماعية والإقتصادية أفرزت مجموعة من الأخلاقيات الجديدة تحيزت في معظمها إلى جانب القيم المادية والاستهلاكية، بعيداً عن القيم الروحية والإنسانية. حيث أصبحت التحولات الإجتماعية والايديولوجية تُقاس بالتغيرات المادية الكمية، أو بالتغيرات التكنولوجية، وهذا يتطلب أن تمارس التربية دورها في ضبط هذا التغير، وربطه بالقيم الأساسية للمجتمع. إن موضوع القيم يكتسب أهميةً اساسيةً ليس في التربية المدرسية فحسب وإنما في كل وسائل التثقيف والتنشئة الاسريةِ والإجتماعية فهي كل منطلق يُرام إحداثة في أعماق النفس، واغوار الفكر ودوافع السلوك إذ القيم شأنها أن توجه الإنسان في دروب الحياة وتصنع له اختياراته كلها، وترسي عقيدته وأخلاقه بحيث تظل جميع إنجازاته محكومةً بما تنطوي عليه من سواء وصواب ومن حيويةٍ وثبات أو عوجٍ أو قصور.
وأصبحت المؤسسات التربوية محل تسأؤل وموضع شك في الدور الذي تقوم به، فقد نالت هذه المؤسسات المزيد من النقد من داخلها ومن خارجها، حول دورها التربوي والإرشادي، وأخذت الصيحات تتعالى مطالبة إياها بذل المزيد من الجهود للقيام بدورها على أفضل وجه، لتعود كما كانت الحصن التربوي الحامي لثقافة الأجيال. ومن التغيرات التي مست هذه المؤسسة وافرادها من الشباب، سواءً من الدارسين في المدارس أو الجامعات؛ إنهم لم يعودوا يعتبرونها المصدر الوحيد للمعرفة والمعلومات والثقافة، حيث اتجهوا إلى مصادر متباينة ومتنوعة أكثرُ جاذبيةً وتشويقاً، فوجدوا ضالتهم في الإعلام وشبكة المعلومات والبرمجيات الحاسوبية المختلفة. ومع هذا الوضع الجديد المتمثل في قيام نظام تربوي ضوئي إلكتروني سمعي وبصري؛ لم يعد المنهاج المصدر الوحيد للمعرفة، ولم يُعد المدرس السلطة الضابطة لهم، حيث أن سلطة الصورة بما تحملهُ من رموزٍ ودلالات ذات المضامين الثقافية القيمية، أصبحت بمثابة النموذج المثالي الذي يُقتدي به في عيون هؤلأ الشبان من الجنسين. هذا في البلدان العربية حيث شبكات النت متوفرة بقوة، اما عندنا في بلدنا الحبيب فإن الرسالة تأتي بعد اسبوع.
وتشير الكثير من الدراسات إلى تراجع أداء المؤسسات التربوية والتعليمية العربية، ومنها الجامعات في إعداد وتأهيل الجيل الشاب وتحصينه ثقافياً وتعليمياً، حتى إن هناك من يضع المؤسسة التربوية ضمن دائرة الإتهام كمصدرٍ من مصادر الصراع القيمي لدى الشباب.
إن الحديث عن القيم في الحقيقة يعني الحديث عن بيئةٍ متكاملة، عن عناصرٍ ونواحٍ وابعادٍ تتكامل ويدعم بعضها بعضاً، وليس عن امورٍ تُسقَطُ على الناسِ إسقاطاً، فلا يمكن سلخ القيم عن الحياة والممارسة، لذا ونحن نتحدثُ عن القيم ومسؤولية في ترسيخها، لايمكن أن نغفل تأثير الأسرة والمسجد والنادي، ووسائل الإعلام وغيرها من المؤثرات الخارجية التي تتكامل في بناء القيم. وينبغي توضيح أن هناك بعض الاعتبارات التي تؤثر على أداء المؤسسات التربوية لوظيفتها القيمية بكفاءة، أو تعمل على تفعيل دور التربية في تنمية القيم. ومن هذه الاعتبارات :
١. ان القيم هي جوهر الأهداف التربية التي نتطلع إليها : فموضوع الأهداف في التربية هو موضوع قيم، ذلك لأن التربية تتضمن تفضيلاً لاتحاهٍ معين يسير نحوه نمو الأفراد، وهذا التفضيل يتصل بلا شك اتصالاً وثيقاً بالقيم. وعلى علاقة الهدف التربوي بدور التربية في تنمية القيم من خلال توضيح الأهمية القصوى للقيم. وهنا يبرز السؤال التالي : بماذا تتميز التربية عن التعليم؟! تتميز التربية عن التعليم بأنها لا تكون لدى الإنسان القدرة على القيام بهذا العمل أو ذاك بل تنمي لديه الخصال الباطنية مثل : القناعات والقيم والمبادئ الأخلاقية والنزاعات والبواعث وسمات الطبع. وعلى الرغم من اختلاف أشكال ومبادئ وأهداف التربية والتعليم إلأ إنهما على صعيد صعيد الحياة العامة وثيقاء الإرتباط فالتعليمُ يُربي والتربيةُ تُعلم. إن رفع فاعلية التربية والتعليم يظل مرهون بطابع النظام الإجتماعي القائم في أي بلد وكذلك بطابع وقدر الإمكانيات التي يقدمها المجتمع لتكوين الشخصية المكتملة المتسلحة بالعلم والمعارف العلمية.
٢. إن هناك مداخل مختلفة تسهم بدرجة كبيرة في تحقيق الوظيفة القيمية للتربية وهي:
التنمية المعرفية، وتوضيح القيم، وتحليل القيم. فالأول : يعني بتنمية الإطار المعرفي بما يمكن الفرد من إصدار أحكام قيمية سليمة في مواجهة المواقف الحياتية المختلفة، والثاني : يعني بتوضيح القيم السائدة بين الأفراد والتي في نطاقها يكون سلوكهم في مواجهة المواقف المختلفة، وكذلك توضيح الوزن النسبي لتلك القيم بين موجهات السلوك في علاقتها بنسق القيم. والثالث : يعني بتحليل القيم والمبادئ الأخلاقية التي تحددها، وأساليب السلوك المعبرة عنها والتي تحقق الغاية التي تتضمنها.
٣. ان البعد القيمي في بناء الإنسان هو قضية مؤسسات التربية والتعليم والمجتمع في آنٍ واحد لذا كانت ضرورة حدوث التفاعل بين الوسائط التربوية المختلفة لتحقيق الوظيفة القيمية للتربية، حيث أن تعليم القيم لا يتم داخل المؤسسات التعليمية فقط، بمعزلٍ عن مؤسسات المجتمع الأخرى مثل : المنزل، والمسجد، ومؤسسات المجتمع الثقافية والإعلامية، وإنما يكون بينها تكامل وتناسق في الجهود المبذولة لتحقيق هذا الهدف، مع ضرورة وجود التنسيق والتعاون بين جميع مؤسسات المجتمع بما يعمل على السير في اتجاهٍ قيميٍّ واحد. وتعمل عدة مؤسسات تربوية ترتبط بها حياة الشباب من اللحظات الأولى من حياته وتختلف درجة اثر كل منها باختلاف مرحلة النمو التي يعيشها الفرد واشترك في رسم معالم قيم الإنسان وتكوينة الخُلقي. أما عن تفصيل دور كل تلك المؤسسات التربوية المؤثرة في تنمية القيم فهي كما يلي:
الأسرة، المدرسة، المسجد، النوادي الثقافية والرياضية،
مجالس الآباء والأمهات، الإدارات المدرسية، والمناهج الدراسية، وغيرها من قنوات المجتمع التربوية والتعليمية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى