تجارب اتحادية “ماليزيا الإمارات الجنوب العربي” النجاح والفشل
كتب / د. عمر علوي بن فريد
قد يبدو للوهلة الأولى أن العنوان يشمل دراسة مطولة توفي الموضوع حقه ولكننا اختصرناها في عدة نقاط سريعة قد لا تغطي محتوى العنوان !! وهنا رأينا انه من المفيد إجراء مقارنة ولو بصورة مبسطة بين التجارب الثلاث مع اختلاف العوامل التاريخية والجغرافية والبيئية ، وإذا تناولنا أسباب النجاح والفشل لما كفانا عشرات الصفحات !! ماليزيا دولة اتحادية ملكية دستورية تتكون من 13 ولاية وثلاثة أقاليم اتحادية والرئيس غالبا يشار إليه بملك ماليزيا ولكل ولاية حاكما منتخبا (رئيس وزراء محلي لكل ولاية كما يوجد 9 سلاطين من الأسر المالكة للولايات المتحدة ويتكون الاتحاد الماليزي من 3 عرقيات كبرى هي :الملايا – الصينيون – والهنود ولكل منها أحزابها السياسية ومدارسها وصحفها الخاصة ونسبة تمثيلها السكاني كالآتي : السكان الأصليين 50% الصينيون 30% الهنود 10% أما العرب لا يتجاوز عددهم 10,231 نسمه من إجمالي عدد السكان العام البالغ 25 مليون نسمه.. يقول: محاضير محمد رئيس وزراء ماليزيا : أن تجربة النهضة في ماليزيا كانت صعبة نظراً لتعدد الأعراق داخل المجتمع الماليزي، ولكن رغم ذلك قرر الجميع أن يضع خلافاته جانباً ويهتم بنهضة ماليزيا.
وأضاف أنه: رغم وجود العديد من الديانات المختلفة بها إلا أن الجميع شارك في التنمية وسياستها وابتعدوا عن الخلافات السياسية، مشيراً إلى أن العمل على تكوين التحالف بين القوى السياسية في ماليزيا من العوامل الأساسية التي أدت إلى نهضتها وكذلك توفير فرص العمل.
وتعد مشكلة التعدد العرقي واحدة من اخطر التحديات التي واجهت الدولة الماليزية في تحقيقها للتنمية والاستقرار السياسي حيث كان يعاني الملايو وهم السكان الأصليون الذين يمثلوا ثلاث أرباع المجتمع من تدني في الحالة الاقتصادية وانخفاض في مستوي المعيشة في حين أن الصينيين الذين يمثلون ربع البلاد يمتلكون معظم الثروات إلا أن ماليزيا شهدت عدد من الممارسات الديمقراطية تمثلت في انتظام العملية الانتخابية حيث شهدت خمس انتخابات تشريعية ,واستجابة لبعض المطالب الخاصة بالتنمية إلا أنها لم تشهد تحولا ديمقراطيا بالمعني الغربي بقدر ما شهدت نوعا من الإجراءات الليبرالية المتواضعة تمثلت في التخفيف من حدة بعض القيود وتوسيع نطاق الحقوق الفردية والجماعية إلي إصلاحات سياسية تعكس قدر أكثر اتساعا من محاسبة النخب الحاكمة إضافة إلي صياغة صنع القرار في إطار مؤسسي ديمقراطي :الإمارات كانت تعرف بإمارات ساحل عمان أو الإمارات المتصالحة وكانت مستعمرات بريطانية وتحكم من قبل شيوخها المحليين وباتفاقيات مشابهة للاتفاقيات المبرمة مع سلاطين الجنوب العربي . وكانت الإمارات قليلة السكان و فقيرة الموارد نظرا لطبيعتها الصحراوية والزراعة فيها شبه نادرة إلا في بعض الواحات التي تزرع النخيل كما أن شحة المياه وصعوبة استخراجها كانت مشكلة أخرى .. ويمكن أن نلخص وضعها الاقتصادي كالتالي :
– لم تكن الإمارات تمتلك أية قاعدة اقتصادية .
– لم تتوفر فيها سوى مستويات بدائية للرعاية الصحية والتعليم .
– تم اكتشاف النفط فيها في بدايات النصف الثاني من القرن الماضي .
– لا توجد فيها بنية تحتية بالمفهوم العصري آنذاك .
– لا يوجد فيها إلا طرق صغيرة وضيقة بين المدن وأغلب طرقها رملية شاقة .
قبل أغسطس عام 1966م لم يكن أحد يتحدث عن الإمارات المتصالحة إلى أن تولى الشيخ زايد بن سلطان حكم إمارة أبو ظبي في نفس العام ، وقد بدأ عهده باجتماع وتفاهم أولا مع حاكم دبي الشيخ راشد آل مكتوم واتفقا على دعوة حكام الإمارات المتصالحة للاجتماع في دبي وهي : أبو ظبي –دبي – الشارقة – عجمان – أم القيوين – والفجيرة – وتم الاتفاق على قيام دولة الإمارات العربية المتحدة في ديسمبر عام 1971م ثم انضمت إليه رأس الخيمة عام 1972م .ونهضت كالمارد من وسط الصحراء ولعل أهم الأسباب لنجاح التجربة الإماراتية يرجع إلى الآتي :
1-توافق حكام الإمارات على شخصية الشيخ زايد الرجل العصامي والحكيم .على رئاسة الاتحاد.
2- تحمل الشيخ زايد أعباء الميزانية الضخمة للإمارات بنسبة تصل إلى 85% من إيرادات إمارة أبو ظبي .
3- لكل إمارة الحق في إدارة شؤونها المحلية دون تدخل في شؤونها الداخلية حتى في أرقام السيارات ،كما أن قلة عدد السكان وعدم وجود جار أذي وتفجر الثروة النفطية الهائلة والطبيعة الصحراوية وأخذ الدروس والعبر مما جرى في الجنوب العربي وسقوط المشروع القومي العربي ساعد على التسامح والتعايش والاستقرار في الدولة الوليدة . إمارات الجنوب العربي كما أسلفنا في الحلقة الأولى فقد تأسس اتحاد الجنوب العربي في عام 1959م وانضمت إليه باقي الإمارات الجنوبية الأخرى أما سلطنات حضرموت والمهرة بقيت خارج الاتحاد حتى العام 1967م !! ومن المشاكل التي عانى منها الكيان الوليد انه تأسس في ذروة المد القومي العربي الذي كانت مصر تتزعمه ، رافق تأسيسه بعيد العدوان الثلاثي على مصر بقليل مما أجج الشعور القومي العربي ضد بريطانيا , كذلك الثورات العربية في الجزائر والانقلابات العسكرية وخاصة اليمنية في صنعاء وسقوط الإمامة عام 1962م والتدخل المصري والدعاية الناصرية الهائلة وتخلي بريطانيا عن مستعمراتها شرق السويس ، والخزان البشري الهائل في اليمن الذي انفجر وخرج من القمقم الذي ظل فيه محبوسا فيه عدة قرون وانطلق كالسيل الجارف تجاه الجنوب وقد أصيب بالصدمة للفارق الحضاري بين اليمن والجنوب!! ونظرا لاتصال الحدود والتضاريس الجبلية الوعرة بالإضافة إلى عوامل أخرى ساعدت في مجموعها على قيام حركات قبلية مسلحة سعت مصر على تصديرها إلى الجنوب رافق ذلك حملات تشويه متواصلة من الدعاية الناصرية ضد الاتحاد الوليد.. ساعد ذلك كله الاختلافات والتباينات في طريقة إدارة الدولة الاتحادية ورئاستها في عدن والفرق الحضاري بين المجتمع المدني المتحضر في عدن بين عدن والإمارات مما ولد خلافات بين السلاطين وعدم اتفاقهم على الكثير من الأمور ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر : مساندة الشيخ محمد فريد العولقي على سعيه الدءوب في التفاهم بالحد الأدنى مع الرابطة وكذلك مع الأصنج الموالي للمصريين في جبهة التحرير وكذلك رفضهم لمقترح الشيخ فريد للشخصية الجديرة برئاسة الاتحاد الممثلة في الشريف حسين بن أحمد الهبيلي ..ولعل أكثرهم معارضة له السلطان صالح بن حسين العوذلي بالإضافة إلى حساسية بعض سلاطين الاتحاد من العوالق والعواذل الذين كانوا يمثلون أعلى نسبة من قوى الجيش والأمن بالإضافة إلى ذلك كله التعامل الخاطئ مع قبائل ردفان عند عودتهم إلى ديارهم بأسلحة شخصية جلبوها من اليمن .. طالبتهم سلطات الضالع بتسليمها قسرا مما فجر العنف في ردفان كل ذلك جعل سلاطين الجنوب يترددون في حزم أمرهم لتجنيب الجنوب الأخطار المحدقة به !!ّ وكان لفشل مؤتمر لندن ولجؤ السلطان احمد بن عبد الله الفضلي إلى مصر وانضمام الأمير جعبل بن حسين إليه وعبد القوي مكاوي الذي سبقهم من قبل وانضمام العشرات من الوجاهات القبلية والحزبية إليهم كل ذلك أدى إلى تصدعات في الصف الجنوبي مما ساعد المصريين وحلفاؤهم من القيادات العسكرية في صنعاء باستغلال الجنوبيين لإشعال المزيد من الحرائق في الجنوب حتى وصلنا إلى ما نحن فيه اليوم !!