لماذا تكرهون الشماليين؟


كتب/ د. عيدروس نصر
هذا السؤال طالما واجهته من الكثير من الأشخاص، بعضهم وهم قليلون ليس بيني وينهم سابق معرفة وأغلبهم زملاء تشاركنا معاً الفعاليات البرلمانية خلال الفترة 2003-2010م وكثيرون كنا معاً في الفعاليات الاحتجاجية ما قبل ثورة الشباب السلمية وحتى ما قبل ثورة الحراك السلمي الجنوبي، وأثناء الاعتصامات أمام مجلس الوزراء وأمام بوابة مجلس النواب بصنعاء.
قد يبدو السؤال ساذجاً وسطحياً، لكنه في الحقيقة مصنوع بإتقان من قبل مطابخَ متخصصةٍ في تشويه الحقائق وتسطيح الوقائع وإفراغ القضايا الجادَّة من مضامينها الواقعية والعادلة في الغالب الأعم.
يحاول مصممو هذا السؤال أن يشوهوا الصراع على الساحة الجنوبية على إنه صراع بين المواطنين الجنوبيين والمواطنين الشماليين، لا بل على إنه كراهية من قبل أبناء الجنوب للمواطنين الشماليين، مع إنه حتى المبتدئين في فهم أبجديات السياسة يدركون أن الأمر بخلاف ذلك كليةً وأن خلفياته وأبعاده لا علاقة لها بالحب والكراهية بين الشعبين.
في إطار مناقشاتي مع هؤلاء الزملاء (وغير الزملاء) راح الكثير منهم يوردون لي أمثلة متفرقة من هناك من تلك الاقاويل والمنشورات والتغريدات المملوءة بالأخطاء الأملائية واللغوية والتي يكتبها أصحاب أسماء مستعارة يقولون إنهم جنوبيون، ويشتمون فيها ويتهكمون على الشمال والشماليين.
وعموماً وفي ظل حُمَّى التسطيح والتشويه والتجريف المعرفي والثقافي لمضمون المشكلة في اليمن والقضية الجنوبية على وجه الخصوص ينبغي التأكيد على الحقائق التالية:

  1. لقد عرف الشعبان في جنوب اليمن (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية) وشماله (الجمهورية العربية اليمنية) علاقات حميمة وأخوية كانت تتجسد حتى في لحظات ذروة الصراعات السياسية بين النظامين، وهو ما يؤكد أن الشعب الجنوبي لا يضمر حقداً ولا ضغينةً تجاه الشعب الشمالي الشقيق، وأعتقد أن غالبية الشعب الشمالي لها نفس الموقف ونفس السلوك ما عدا ضحايا التظليل السياسي وخداع وسائل الإعلام الرسمية والأيديولوجية من أنصاف الجهلة والأميين ومعهم أصحاب المصالح غير المشروعة وهم أقلية لكنهم ظلوا على الدوام وما يزالون يهيمنون على صناعة القرار السياسي في السلطات الحاكمة في صنعاء.
  2. إن الموقف الساخط للغالبية الجنوبية تجاه النظام السياسي لما بعد حرب ١٩٩٤م، ومن ثم الموقف من وحدة الحرب والضم والإلحاق، ليس موقفاً من الشعب الشمالي ولا تجاه المواطنين الشماليين لمجرد أنهم شماليون، لكنه موقفٌ من النظام السياسي الذي أنتجته تلك الحرب البغيضة، ومن السياسات العنصرية المقيتة التي اتبعها ذلك النظام تجاه كل ما هو جنوبي، بدءًا بالأرض والمؤسسات والنظام والقانون وانتهاء بالإنسان والتاريخ والهوية والثقافة وكلما يعبر عن حضور وحاضر ومستقبل الجنوب، حتى ولو في إطار الدولة اليمنية (المفترضة)، ومن يعتبر الكراهية لهذا النظام كراهيةً له فإنما يقدم نفسه على إنه جزءٌ من هذا النظام ومعبرٌ عنه وبالتالي فهو يتحمل كل ما يعتقد أن الجنوبيين يبدون تجاهه من كراهية.
  3. إن المواقف والتعبيرات المتنطعة والمتهورة الصادرة من بعض الأفراد سواءٌ جاءت تحت أسماء مستعارة أو حتى أسماء حقيقية، إنما تعبر عن أصحابها، ولا يمكن اعتبارها تصدر عن طرف سياسي بعينه، ناهيك عن أن تصدر عن شعب بكامله.
  4. وتبعاً لذلك فإن الأطراف السياسية الجنوبية وعلى رأسها المجلس الانتقالي الجنوبي ليست مسؤولة عن كل ما يصدر عن الأفراد والجماعات من مواقف وتصريحات، حتى وإن بدت مؤيدة لهذا الطرف السياسي الجنوبي أو ذاك، وإن لكل من هذه الأطراف منابر رسمية ومتحدثين رسميين هم من يعبر عن مواقفها وسياساتها وما عدا ذلك لا مسؤولية لهذه الأطراف عما يصدر على مواقع التواصل الاجتماعي المنتشرة كانتشار الجراد.
  5. ويعتقد الكثير من الخبراء السياسيين والإعلاميين أن الكثير من المواقف المشبوهة والمتنطعة الصادرة بأسماء جنوبية مستعارة في الغالب، والتي تلاقي إعجاباً كبيراً من قبل بعض المواقع والإعلاميين المدافعين عن نتائج حرب 1994م، إنما يتم طبخها وصناعتها في معامل المراكز والأجهزة المخابراتية التي تحاول خلط الأوراق وتشويه الحقائق والتشهير بمضمون وعدالة القضية الجنوبية، وهي ظاهرة لازمت الثورة الجنوبية السلمية منذ انطلاقتها الأولى.
  6. في ضوء ذلك يمكننا العودة إلى المنابر الإعلامية والقادة السياسيين للأحزاب والقوى السياسية، منذ تصريح الفتوى الشهيرة باستباحة دماء وأعراض وأرواح واملاك الجنوبيين إبان حرب اجتياح الجنوب، وما تلاها وما ترتب عليها من سياسات وممارسات وتشريعات وتصريحات استعلائية وتمييزية تجاه الجنوب والجنوبيين، على مدى ربع قرن من الحرب الإعلامية على الجنوب، لنكتشف من الذي يصنع ثقافة الكراهية ويكرس الحقد والضغينة بين الشعبين الشقيقين.
    وخلاصة القول إن الشعب الجنوبي وقواه السياسية والثقافية والفكرية والاكاديمية لا يكرهون أحداً، لكنهم يرفضون السياسات القائمة على فتوى الاستباحة وثقافة الاحتلال والسلب والنهب والاستحواذ والقمع والتنكيل التي مورست بحق الشعب الجنوبي على مدى ثلاثة عقود، ويراد لها أن تتواصل تحت غطاء التسوية بين المتصارعين الشماليين (الشرعيين والحوثيين).
    وعند ما يتمسك الجنوبيين بحقهم في استعادة دولتهم، فإنهم لا يعتدون على حق أحد ولا يعبرون عن كراهية لأحد وبالطبع ليس لإخوتهم الأشقاء في الجمهورية العربية اليمنية، وإنما يعبرون عن فشل تجربة الوحدة بالسلم أو بالحرب، وحتمية استعادة الدولتين، دولة الشمال التي استحوذت عليها الطفيليات القبلية والعسكرية والمذهبية ودولة الجنوب التي دمرتها حرب الغزو والعدوان، وكل هذا لا علاقة له بالحب والكراهية، وإنما يصب في خانة القضايا الوطنية المصيرية للشعبين في الشمال والجنوب وحقهما في العيش بسلام ووئام وعزة وكرامة واستقرار، وحقهما في التنمية والنهوض واللحاق بعوالم القرن الواحدة والعشرين، والخروج من دائرة الحروب والعداوات والهيمنة الأحادية التمييزية والقتل العشوائي والمنظم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى