اليمن بين جحيم الحرب وشبح المجاعة

 عدن24 | حنان يحيى

الناس في الوطن كحب تطحنه الرحى فالحرب ضاعفت من بؤس وشقاء الشعب، وأوصلتهم لحالة تدمي القلب والضمير الانساني، فالمتتبع للوضع المأساوي في اليمن يرى ذلك رأي العين وكيف استبدت بهم قسوة الحياة الناتجة عن الحرب العبثية التي شنها الإماميون الجدد (الحوثيون الإنقلابيون على الدولة)، ثم كيف تزداد هذه الأرقام الخيالية المذهلة التي تشير إلى ازدياد حالة الفقر المدقع المتصاعد وبوتائر متسارعة تفاقماً وحدة.

اليمن الأكثر فقراً

كشفت الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والإقليمية والمحلية عن أرقام مخيفة حول الفقر والمجاعة والأوضاع المعيشية في اليمن تصدرت قوائم الفقر والمجاعة عالمياً.

وبحسب تقرير مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في اليمن الذي صدر في الثالث من فبراير الحالي فإن 10 ملايين يمني من أصل نحو 28 مليون يعانون من الجوع الشديد.

ورصد التقرير الوضع الإنساني في البلاد منذ 16 حتى 23 يناير/ كانون الثاني الماضي مشيراً إلى أن “7.4 ملايين يمني بحاجة إلى علاج أو منع سوء التغذية، من بينهم 3.2 ملايين شخص يحتاجون إلى علاج لسوء التغذية الحاد”.

ولفت التقرير إلى أن اليمنيين باتوا في الوقت الحالي عرضة للمجاعة بشكل أكبر منذ تصاعد النزاع في مارس/ آذار 2015.

وبين أن هناك 230 مديرية في اليمن، من أصل 333 معرضة لخطر المجاعة.

المحرك الرئيسي لارتفاع معدلات الفقر

تعيش اليمن في حالة من الجوع والفقر منذ العام 2015 إثر الانقلاب الحوثي واجتياح المليشيات صنعاء وشن الحرب على المدنيين بعد أن سيطرت على المؤسسات الحكومية والمناطق الحيوية ووضعت يدها على مراكز الدخل في البلاد وسلبت مقدرات الدولة.

وعمدت المليشيات إلى التدمير الممنهج للبنى التحتية في البلاد بدافع اخضاع المواطنين لها وبسط سيطرتها على الارض.

وكانت مليشيات الحوثي قد قصفت في يناير الماضي بالقذائف مطاحن وصوامع الغلال التي يخزن فيها القمح، ما أدى إلى احتراقها بالكامل وتضررت أجزاء أخرى من الصوامع مخلفة أضراراً مادية بالغة.

وتهدف المليشيات الانقلابية من ذلك إلى منع زيارة هيئة الأمم المتحدة للمطاحن وعرقلة اتفاق تسهيل توزيع المواد الإغاثية لصنعاء والشريط الساحلي في إطار عرقلتها للاتفاقات.

وقال مكتب منسق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة في اليمن في بيان صحفي نشر في 25 يناير 2019م، ان برنامج الأغذية العالمي يمتلك حالياً 51،000 طن متري من القمح المخزّن في مطاحن البحر الأحمر، أي ربع المخزون من القمح في البلاد، ويكفي لإطعام 3.7 مليون شخص لمدة شهر ولم يتمكن برنامج الأغذية العالمي من الوصول إلى المطاحن منذ سبتمبر 2018 بسبب القتال.

ونقل البيان عن ليزا غراندي منسقة الشؤون الإنسانية في اليمن قولها إن “فقدان هذا القمح يأتي في وقت مروع حيث يعاني أكثر من 20 مليون يمني، أي ما يقرب من 70 ٪ من مجمل السكان من الجوع”.

وأضافت غراندي: إن الوضع في اليمن يكسر القلب. اذ أن “ربع مليون شخص في حالة كارثية، سيواجهون المجاعة القريبة إذا لم تصلهم المساعدة “هذه هي المرة الأولى التي نرى فيها ظروفا كهذه، فنحن بحاجة إلى هذا القمح “.

كل ذلك خلف معاناة كبيرة، وفاقم من حالة الفقر، حيث زادت بأكثر من الضعف لتصل إلى 41 % في عام 2015 بحسب البنك الدولي حيث نشر على صفحته الرسمية في موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” أن الصراع في اليمن كان المحرك الرئيسي وراء ارتفاع معدلات الفقر المدقع.

خطر المجاعة

لم تتوقف التحذيرات الدولية من اتساع رقعة الفقر على مدى الـ4 سنوات، حتى وصل الأمر الى مانحن فيه الآن، وبات أمراً ملحاً التحذير من مجاعة وشيكة من شأنها أن تفتك بالفقراء.

ووفق تقرير لمركز الإعلام الاقتصادي (يمني غير حكومي)، فقد وصل نحو مائة شخص بينهم أطفال إلى المركز الصحي في مديرية أسلم بمحافظة حجة، دفعهم الجوع لأكل أوراق الشجر.

وأشار إلى استفحال الفقر حيث بات أكثر من 22,2 مليون إنسان، من إجمالي 27,4 مليون، بحاجة إلى مساعدات عاجلة، وظهرت مؤشرات المجاعة في أكثر من محافظة.

وفي تقرير، صدر في شهر أكتوبر من العام الماضي بعنوان “أنا جائع”، فإن 40 في المائة من الأسر فقدت مصدر دخلها الرئيسي نتيجة للحرب والانكماش الاقتصادي، وارتفع معدل الفقر في البلاد إلى 80 بالمائة.

وحسب بيانات البنك الدولي فإن الاقتصاد اليمني تدهور بشكل حاد منذ تصاعد الصراع العنيف في مارس/آذار 2015، حيث بلغ الانكماش المقدر حوالي 50 % على نحو تراكمي.

وقال تقرير أصدره البنك في أكتوبر الماضي إن انخفاض دخل الأسر، وتراجع فرص العمل بشكل ملحوظ، وعدم سداد الرواتب، تسببا في مزيد من المعاناة.

كل هذه التقارير والاحصائيات تختصرها حكاية، تعكس بحالها المأساوي واقع شعب شوهت الحرب ملامحه الجميلة واطفأت بريق عينيه وتحاول محو ابتسامته التي تخفي خلفها الكثير من الآهات والأحزان.

حكاية عائلة العم نعمان

ليست من حكايا البؤساء وإن كانوا كذلك، بالحمد يبدؤون شكواهم ومعاناتهم مع الفقر كبيرة والداخل الى منزلهم يرى وكأن الحرب قد زارت دارهم وعاثت فيه دماراً.

ذلك المنزل الصغير المكون من غرفة واحدة والذي يفتقر إلى أبسط مقومات الحياة تعيش فيه أسرة كبيرة، آيل للسقوط فوق رؤوس ساكنيه، أكل الدهر فيه حتى كاد أن يكون ركاماً وغير صالح للسكن الآدمي، فالغبار لا يفارق المنزل بسبب التهدمات التي تحدث للمنزل بين الحين والآخر والرطوبة التي تنتشر في أرضه وجدرانه وصولاً إلى السقف ما يساهم بشكل كبير في إصابتهم بالأمراض وهذا فعلا ما يعاني منه شقيق الأم حيث أنه يسكن معهم وهو كبير في السن.

ليس الفقر عدوهم الوحيد، هناك ايضاً البطالة التي تمهد الطريق لمزيد من الفقر، ذلك الفقر البغيض الذي يعاني منه أغلب اليمنيين، فهم حالة من عشرات الآلاف من الحالات التي تعيش حياة مأساوية في اليمن.

الوالد نعمان أحمد بن أحمد أب له ثلاثة أولاد وخمس من البنات من أبناء العاصمة عدن يعيش في منطقة كريتر، يسكن وأسرته الكبيرة وزوجته وشقيقها المريض، في منزل قديم، يهدد حياتهم بالخطر، وقد تكون الصورة هنا أبلغ من الكلمات في وصف حالة البيت، الذي مهما حاولنا وصفه فلن يكون كافياً لوصف ما تعانيه تلك الأسرة الا أنه خيار أفضل من المكوث في العراء.

وفي زيارة قام بها مراسل “عدن٢٤” لتلك الاسرة لنقل معاناتهم وحمل رسالة الإنسانية لأصحاب القلوب الرحيمة، شكت الأسرة ضيق حالها ومعاناتها مع الفقر، بعد أن استقبلت المراسل بكل حفاوة، مرحبين والبسمة تملأ وجوههم رغم عدم أخذ موعد مسبق.

واستهلت  زوجة نعمان الحديث إلينا مقدمة شكواها لننقلها لأهل الخير حيث قالت: نقول الحمد لله على كل حال انا ام لأربع بنات وولدين وزوجي لديه ابن وابنة من زوجته الاولى وليس لدى ولدي وولد زوجي أعمال ثابتة، فهم يعملون بالأجر اليومي وفي غالب الاحيان لا يجدون العمل وإذا وجد فهو بالكاد يكفي لقوتنا اليومي وكذلك زوجي ولكننا نحمد الله فنحن نعيش في بيتنا مستوري الحال رغم أن المنزل قديم جداً ومهدد بالسقوط كما ترين وقد سقطت منه عدة أجزاء والغرفة شبه مدمرة أما الحمام فقد سقط سقفه بالكامل ويعاني المنزل من الرطوبة وينقصنا الكثير من أثاث المنزل.

واتبعت حرم نعمان شكواها بأنها تعاني من مرض مياه العين البيضاء وأنه قد قررت لها عملية ولكنها لم تستطع دفع كلفة العملية والعلاج، وقال لها الأطباء إنه إذا لم تجرَ لها العملية فإن المياه ستزيد في العين، كما تعاني من الكوليسترول، وقالت إنها توجهت بشكواها للعديد من الجهات لتقديم العون والمساعدة لها الا أنه لا مستجيب رغم الوعود المقدمة لهم.

ووجهت الحجة شكواها إلى أهل الخير وإلى الجهات المعنية واصحاب القلوب الرحيمة بمد يد العون لهم ومساعدتهم في ترميم المنزل وعلاجها، وقالت: أتوجه بالنداء لأهل الخير بأن ينظروا لنا ولحالنا ولكل محتاج فهناك من هم أسوأ حالاً منا.

أما ابنة نعمان فكانت مستاءة من الجهات التي زارت منزلهم وصورته وأجرت لقاءات معهم ثم ذهبت دون تقديم أي مساعدة، حيث عبرت بقولها: (بس يجوا ويصوروا واللي يجيبوه يشلوه لهم يعني يفضحوا بحالة الإنسان بس عشان يشتوا ياكلوا).

فيما رفض الوالد نعمان الحديث إلينا وقد بدت في وجهه علامات اليأس والقناعة وكأنه يقول لا حياة لمن تنادي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى