نازحون بالعند:نحن مهددون بالقتل في حال عدنا إلى المدينة

عدن 24 /العند / دعاء نبيل

دفعت الحرب المدمرة في اليمن آلاف الأسر الى النزوح من أماكن الحرب المشتعلة التي اشعلت فتيلها مليشيات الحوثي في مناطقهم الى المدن المحررة بحثا عن الأمان غير ان حربا أخرى أصبحت تواجه الكثير من الأسر النازحة وهي حرب يخوضونها للحصول على الطعام للبقاء على قيد الحياة خصوصا أن المجاعة في العديد من المدن اليمنية قد أوقعت ضحايا كثر. وتتضاءل يوما بعد يوم آمال مئات الآلاف من اليمنيين المشردين في الداخل اليمني ودول الجوار في الاستقرار وعودتهم الى ديارهم التي لاتزال عمليات الصراع المسلح مشتعلة فيها دون توقف للعام الثالث من الحرب خصوصا مع فشل اخر مساعي التوافق السياسي بين أطراف الصراع في اليمن..
وغالبا مايتفاقم استضعاف النازحين داخليا بسبب وضعهم الخاص في ظل هذه الظروف إذ يواجهون حالة حادة من انعدام الأمن ولديهم احتياجات أساسية. ويعيش غالبيتهم مع عائلات مضيفة او سكن بالايجار بينما يعيش آخرون في مخيمات مؤقتة وبالإضافة الى ذلك فاقم الوضع الضغوط التي تنوه بحملها العائلات المضيفة التي تواجه بنفسها صنوفا من الاستضعاف .
وقد تسببت الأزمات الحادة والمباغتة في نزوح جماعي للسكان عند ذلك يعجز مصطلح “النازحين” عن رسم أدنى صورة للواقع المرير والمروع الذي يواجهه هؤلاء الناس البسطاء في مناطق عديدة من اليمن اليوم. ومن دون أدنى شك ما يزال تصعيد العنف والاحتياج وتحديد الهجمات الموجهة ضد المدنيين او التي تتسم بطبيعة عشوائية بانتهاك للقانون الدولي الانساني احد الأسباب الرئيسية للنزوح القسري في مناطق النزاعات المسلحة .
وشوهدت آثار الحرب المدمرة في تلك الوجوه البسيطة المليئة بالفرح والموحية للسلام .. والمفتقدة لأبسط الحقوق ومقومات الحياة..
تجلس نعمة ذات العشرة الأعوام بأحد أطراف الصف وهو عبارة عن خيمة تقع بوسط ساحة مدرسة “دار السلام” بمنطقة العند.
تصغي “نعمة” إلى صوت “جرس الفسحة ” ممسكة بيدها كتابا وباليد الأخرى كيسا بداخله “حمر”… يقرع الجرس بصوتا عالٍ لتهرع مسرعة إلى مكانها غير آبهة لأشعة الشمس الملتهبة لتمارس طقوسها التي لم تعتدها وهي البيع لمساعدة أسرتها النازحة القادمة قسرا من مدينة الحديدة.
لم تفكر نعمة بأنها ستكون “بائعة الحمر” بأحلامها قط. وبصوت خافت يملؤه الخوف والخجل تتمنى “نعمة” أن تصبح في المستقبل أي شيء ! مرددة: أي شيء .. احلام دمرت بكتاب ومستقبل يحمل “حمر”.
وتروي الطفلة ” أميمة أحمد ” إحدى طالبات مدرسة دار السلام بالعند جنوب اليمن قصة هروبها من مدينتها “الراهدة” – التي لطالما عرفتها بالأمان – قبل حوالي 4 أشهر.
تسكن أميمة حاليا بمنطقة العند جنوب اليمن تتحدث اميمة عن كيفية انتقالهم قائلة: خرجنا انا وأسرتي تحت الضرب العشوائي للحوثيين على منطقة “الراهدة” ووصول اخبار عن تقدم المقاومة لتحرير المنطقة، ولكن المليشيات الارهابية “الحوثيين” كانت تقصف المدنيين بشكل هستيري .
وتواصل “أميمة” عن وقائع الحرب المروعة: يوجد منزل لشيخ قبيلة يسكن اعلى الجبل فقامت مليشيا الحوثي بقصفه تماما في حين هرعنا عند مشاهدتنا القصف العشوائي، وكان السبب الاخر ايضا لاضطرارنا للهرب الى منطقة اكثر امانا وهي أن شباب من أسرتي واخواني قد انضموا الى المقاومة للدفاع عن أرضهم ضد مليشيات الحوثي. حيث أن المليشيات الحوثية تقوم باقتحامات ومداهمة المنازل وأخذ الشباب وتسميتهم بأنهم (دواعش) وعندما تتحرر بلادنا سنعود”.
وتروي السيدة “مريم ” قصة نزوحها التي امتدت ثلاث سنوات وتشكو فيها عيشتها الصعبة وظروف حياتها قائلة: منذ ان نزحت من مدينة الحديدة وتركت اسرتي وجيراني تحت القصف العشوائي الذي تشنه جماعات الحوثي على المواطنين الأبرياء، وصلت بصعوبة بالغة جدا الى منطقة العند جنوب اليمن فقد تجرعت حينها مرارة النزوح خاصة أني امرأة “مطلقة”, والشيء الاخر الذي ألم بي هو ممارسة عمل “الشحاتة” من أجل أن اتحصل على عشرات الريالات أشتري بها العيش لأطفالي . فأنا امرأة لا امتلك شيئا وخاصة انني لا اعرف احدا هنا.
وبعد أقل من أشهر للنزوح وعقب الفرار من القصف العشوائي قصفت المليشيات الحوثية منزلي الصغير الذي يتكون من غرفة واحدة فقط وحمام ومطبخ.
وتواصل حديثها “منذ ثلاث سنوات ومنذ قدومي الى منطقة العند لم أتحصل على سلة غذائية!! فالمواد الغذائية التي تصل للمنطقة يتم توزيعها بحسب الصلات والمقربة من أشخاص وبطريقة عشوائية دون مراعاة للنازحين واحتياجاتهم.
وتقول السيدة الثلاثينية ” اشعر بأني عاجزة لا أدري ما يمكن أن افعل. برغم الألم والوضع الصعب والاحتياج الذي يعاني منه النازحون وفي ظل هذه الحرب المشتعلة، إلا اني أعاني من مرض ورغم هذا لا أحد يلتفت لمعاناتنا الأليمة وخاصة أننا نازحون لا نمتلك شيئاً .
وتطمح “مريم” الى تعليم ابنتها ذات السبعة أعوام “لأرى فيها ما لم أره بنفسي وكل هذا يهون بمجرد ان أرى ابنتي تحمل كتابها وتبني احلامها”.
ويقول أحد النازحين الواصلين الى العند (سـ ا- ف) ” قدمت انا وأسرتي الى العند ونحن لا نعرف احدا بالمنطقة فقد كان همنا الأكبر الهروب من تحت القصف العشوائي الذي تشنه المليشيات الاجرامية المسيطرة على مدينة الحديدة. وللأسف نحن الآن نواجه حربا اخرى غير الهروب والنزوح ألا وهي كيفية العيش والتأقلم مع الوضع الصعب الذي نعيشه الآن فنحن نسكن بين أربعة جدران فقط لا يوجد فيها حتى اقل الاحتياجات مثل الفرش “للنوم” وأدوات الطبخ …..

وأضاف” الحوثيون يمارسون أبشع التصرفات بحق المدنيين فمن لا يصغي لهم يعدمونه أمام أسرته أو يأخذونه بالقوة تحت مبرر بأنه “داعشي” يقتحمون المنازل دون أي حساب لحرمته لسحب الشباب بالقوة من اجل المحاربة معهم فمنهم من يهرب ومنهم من يخضع وينصاع لأوامرهم حيث يقومون بإعطائهم ادوية تذهب بالعقل وتجعلهم بتفكير آخر، ويوجد العديد من الجنود الذين اخذوا أسرهم وفروا من مدنهم بسبب الحرب المشتعلة والمعاملة الأخرى للحوثيين .
لم أستطع البقاء تحت التهديد والقصف الإجرامي فقد اخذت أسرتي واتجهت بها الى العند مع العلم بانني لا أستطيع أن اعود الى مدينة الحديدة بسبب أن الحوثيين يهددون من سيعود من الجنود بالإعدام والكثير من زملائي خائفون ويفكرون بمصيرهم عند تحرير مدينة الحديدة هل سيبقى الوضع تحت القتل؟. حتى النساء لم يسلمن من عنجهية الحوثيين، فالحوثيون يجبرون النساء على الذهاب الى اماكن لتعليمهن المناهج الحوثية الطائفية الإيرانية “الزينبيات – الزهراء….”
ويؤكد” منذ قرابة شهر وأنا لم اتحصل على أي سلة غذائية اطعم فيها أسرتي المكونة من خمسة أشخاص وأنا لا امتلك راتباً شهرياً ومعاناة النزوح صعبة جداً اناشد الحكومة والهلال الاحمر الإماراتي وكل الجهات المعنية أن تنظر لمعاناتنا.
وناشدت مديرة مدرسة “دار السلام” بمنطقة العند أنيسة محمد عبيد الجهات الحكومية والمجلس الانتقالي الجنوبي، والهلال الأحمر الإماراتي، لتقديم العون للمدرسة وطلابها قائلة “يوجد عدد كبير من الأسر النازحة التي أتت إلى منطقة العند أثر الحرب التي شهدتها مدينة الحديدة والمدن الأخرى وهناك ازدحام كبير في المدرسة “دار السلام” من قبل الطلاب القادمين من أماكن الصراعات والمنظمات من الفتيات للمدرسة لاستكمال دراستهن، رغم المخاطر والصعاب التي واجهتهن بطريق نزوحهن إلى العند. والمدرسة تعاني من ازدحام الطلاب، بل وتفتقر إلى ابسط الأشياء.
وأكدت أن هناك الكثير من الأسر النازحة لا تمتلك حتى حق وجبة عشاء ونحن بصفتنا بإدارة المدرسة عند قدوم أولياء امور الطالبات لتسجيل بناتهم مايسعنا غير أننا نقبلهن بدون أي اوراق رسمية تثبت دراستهن غير أننا نعتمد تصريحات اولياء الأمور .

وأضافت ” نحن بفترة حرب لايجب علينا أن نقف بوجه من يريدون استكمال دراستهم رغم الأوضاع التي تمر بها اليمن من حرب. وأتمنى من كافة المدارس ان تستقبل الطلاب النازحين دون عرقلة الأمر، علينا ان نعمل جميعا بيدا واحدة من اجل عملية التعليم والنهوض بها لأجيالنا المستقبلية.
وتشير إلى أنه”يوجد لدينا متطوعات ولهن سنوات كثيرة بدون وظائف، وهذا من أجل سير العملية التعليمية بنجاح وعلى الرغم من معاناة الطريق والمسافات البعيدة التي يقطعنها ووصولهن إلى المدرسة، إلا أنهن يأملن من الحكومة ان تنظر لهن ولأدوارهن من أجل نجاح العملية التعليمية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى