رغم التحذيرات الدولية.. نتانياهو يصر على عملية برية موسعة في رفح

حدد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو هدفه المقبل في الحرب التي أعلنها على حركة حماس قبل أكثر من أربعة أشهر ووجه بوصلة عملياته العسكرية صوب مدينة رفح في أقصى جنوب قطاع غزة، ضاربا عرض الحائط بالتحذيرات الدولية من مغبة الإقدام على هذه الخطوة.

فمدينة رفح التي نزح إليها أكثر من مليون شخص منذ بدء الحرب الإسرائيلية والتي باتت مكتظة بخمسة أمثال طاقتها الاستيعابية هي آخر نقطة في القطاع ذهب إليها النازحون تحت نير الجيش الإسرائيلي، ليحيا الكثيرون منهم ظروفا مأساوية في خيام يحاصرهم فيها الجوع والبرد والأمراض.

وفي ظل هذه المعطيات، صدرت العديد من التحذيرات الدولية، من وضع “كارثي” حال اقتحمت إسرائيل رفح. وفي أحدث تحذير قال منسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل في تغريدة أمس الجمعة: “يوجد 4ر1 مليون فلسطيني حاليا في رفح دون مكان آمن للذهاب إليه يواجهون المجاعة… التقارير عن هجوم عسكري إسرائيلي على رفح مثيرة للقلق، وستكون لها عواقب كارثية تؤدي إلى تفاقم الوضع الإنساني الرهيب بالفعل والخسارة المدنية لا تحتمل”.

ولكن نتانياهو رأى أنه “من المستحيل تحقيق هدف الحرب المتمثل في القضاء على حماس في ظل بقاء أربع كتائب للحركة في رفح”، وفقا لما جاء في بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي أمس الجمعة.

وفي ظل الانتقادات الدولية المتصاعدة والتحذير من تداعيات مثل هذه العملية، تطرق البيان الإسرائيلي إلى جزئية المدنيين الموجودين في المدينة من خلال الحديث عن ضرورة إجلائهم من مناطق القتال قبل اقتحام رفح بريا. وأشار إلى أن رئيس الوزراء أوعز للجيش والأجهزة الأمنية بعرض “خطة مزدوجة” على مجلس الحرب لإجلاء السكان وتفكيك كتائب حماس.

وفي أول رد فعل على بيان نتانياهو، عبرت الرئاسة الفلسطينية عن رفضها الشديد وإدانتها واستنكارها، معتبرة أن “ذلك يشكل تهديدا حقيقيا ومقدمة خطيرة لتنفيذ السياسة الإسرائيلية المرفوضة التي تهدف إلى تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه”.

وحملت الرئاسة الفلسطينية في بيان صدر عنها مساء الجمعة “حكومة الاحتلال المسؤولية الكاملة عن تداعيات ذلك”، كما حملت الإدارة الأمريكية مسؤولية خاصة، مشددة على خطورة مثل هذه “السياسة التدميرية”، مؤكدة أن “الشعب الفلسطيني لن يتخلى عن أرضه ولن يقبل أن يهجر من وطنه”.

كما دعت الرئاسة الفلسطينية مجلس الأمن الدولي إلى تحمل مسؤولياته، “لأن إقدام الاحتلال على هذه الخطوة يهدد الأمن والسلم في المنطقة والعالم”، واصفة ذلك بأنه “تجاوز لكل الخطوط الحمراء… لقد آن الأوان لتحمل الجميع مسؤوليته في مواجهة خلق نكبة أخرى ستدفع المنطقة بأسرها إلى حروب لا تنتهي”.

ونقلت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية عن جماعات إغاثية تحذيراتها من مزيد من “الانهيار” حال انتقال العمليات العسكرية البرية إلى رفح، التي وصفتها بأنها “الملاذ الأخير” للغزاويين في القطاع المحاصر.

وفي هذا الإطار، حذر المجلس النرويجي للاجئين، وهو منظمة إنسانية غير حكومية تختص بمساعدة الناس وحقوق الإنسان في الدول التي تستضيف اللاجئين وتحسين معيشتهم، من أنه حال واجهت رفح نفس مصير مدينة خان يونس ستدمر كل أجزاء غزة، بما في ذلك شريان الحياة الأخير الذي تصل عبره المساعدات إلى الفلسطينيين.

ويرى البعض أن خطط نتانياهو بشأن رفح ربما أحدثت شرخا جديدا في العلاقات بين واشنطن وتل أبيب، مع توالي التصريحات الأمريكية الرافضة لتنفيذ عملية برية في تلك المدينة، وبعد أيام من زيارة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن الذي غادر إسرائيل “محبطا” بحسب مراقبين.

وحذر فيدانت باتيل، المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، من أن “المضي قدما في مثل هذا الهجوم الآن بدون تخطيط وقليل من التفكير في منطقة تؤوي مليون شخص سيكون بمثابة كارثة”.

كما أعلنها جون كيربي، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي، صراحة أن الهجوم البري الإسرائيلي في رفح “أمر لا نؤيده”.

ورأت صحيفة الجارديان البريطانية أن هذه المواقف تشير إلى “تصاعد الاحتكاك الأمريكي مع نتانياهو، الذي رفع شعار تحقيق “النصر الكامل”، في وجه مساعي وزير الخارجية الأمريكي الرامية إلى الضغط من أجل التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار مقابل إطلاق سراح عشرات الرهائن لدى حماس.

ويرى محللون دلالات في اجتماع الوزير الأمريكي بقادة المعارضة الإسرائيلية قبيل مغادرته، وكأنه أراد أن يوصل رسالة إلى نتانياهو مفادها أنه “إذا كان الحوار معك لا يفضي إلى نتيجة، فهناك من يمكن التحدث إليهم”.

وفي تحول لافت أيضا وللمرة الأولى، وصف الرئيس الأمريكي الرد العسكري الإسرائيلي على هجوم 7 أكتوبر بأنه كان “مفرطا”، قائلا إن “العديد من الأبرياء يعانون من المجاعة ويموتون… يجب أن يتوقف ذلك”.

وأصدر بايدن مذكرة رئاسية تطالب الحكومات الأجنبية التي تتلقى أسلحة أمريكية بتقديم ضمانات مكتوبة بشأن الالتزام بالقانون الدولي، في مؤشر ربما على أن الدعم غير المشروط في السابق أصبح مشروطا الآن.

وأشارت صحيفة واشنطن بوست إلى أن تلك المذكرة جاءت “بعد أن أثار مشرعون ديمقراطيون بارزون مخاوف بشأن الحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة وما إذا كانت البلاد، التي تلقت أسلحة أمريكية بقيمة مئات الملايين من الدولارات، التزمت بمعايير القانون الدولي”.

وأوضحت الصحيفة أن “نحو نصف الديمقراطيين في مجلس الشيوخ أيدوا إجراء من شأنه أن يضمن محاسبة إسرائيل والدول الأخرى على الوفاء بهذه المعايير”.

وفي ظل أجواء مشحونة، تترقب أوساط عدة الخطوة المقبلة في تاريخ حرب غزة وكيف سينفذ نتانياهو خطته التي حذرت القاهرة أيضا من عواقبها لما قد ينجم عنها من موجة نزوح كبيرة باتجاه الأراضي المصرية.

ويحذر مراقبون من تداعيات خطيرة ستطال العلاقات المصرية الإسرائيلية حال حدوث هذا السيناريو، ربما لن يكون أسوأها انتهاء العمل بمعاهدة السلام بين الدولتين الجارتين اللتين خاضتا من قبل عدة مواجهات عسكرية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى