هل مصر في حاجة إلى خطة طوارئ للتعامل مع تهديدات البحر الأحمر؟ .. صحيفة دولية تجيب

عدن24| العرب:

التهديدات الحوثية للملاحة في البحر الأحمر لا تستهدف إسرائيل وحدها، ولا الولايات المتحدة، حيث يمكنها التأثير بشكل مباشر على مصالح مصر وحركة الملاحة في قناة السويس. ورغم هذا التطور، فإن القاهرة تلازم الصمت ولا تريد أن تدخل في صراع ترى أنه يعني جهات أخرى.

زادت التهديدات التي تمثلها جماعة الحوثي في اليمن ضد حركة السفن الدولية عند مدخل البحر الأحمر من الجنوب، وركزت الكثير من التقديرات على تداعيات ذلك على مصالح إسرائيل بحكم أن قوات الحوثي تستهدف أساسا سفنها ردا على عدوانها العسكري على قطاع غزة، ولم يلتفت البعض إلى الانعكاسات المحتملة لهذه التصرفات على مصالح مصر التي تعد قناة السويس شريانا حيويا لاقتصادها القومي.

من هنا بدأ الحديث يتزايد في مصر حول مدى الحاجة إلى خطة طوارئ للتعامل مع التهديدات المتنامية، لأنها في مقدمة الدول التي يمكن أن تتأثر بما يجري من تطورات عسكرية في هذه المنطقة، وعليها الاستعداد لسيناريوهات قد تصبح أشد قتامة من الآن، خاصة إذا خرج التوتر الحالي عن نطاق المناكفات التي تقوم بها جماعة الحوثي والغرض منها استعراض القوة وكسب شعبية عربية بعد إظهار تضامنها مع محنة الفلسطينيين في غزة، وتوجيه صواريخ وطائرات مسيرة تستهدف إسرائيل.

ويمكن أن تخرج حسابات المناكفة عن أطرها المحدودة إذا ردت إسرائيل على عمليات الحوثي أو وجهت الولايات المتحدة وغيرها ضربات قوية لعناصر وقواعد الجماعة في الأراضي اليمنية، فوقتها قد تتدخل إيران حليفة وراعية “مليشيات الحوثي” وتتغير التوازنات التي أوجدتها الحرب في اليمن، ومن ثم يشتعل البحر الأحمر ويدخل في صراعات تضر كثيرا بمصالح مصر الإستراتيجية.

لم تصدر القاهرة تعليقات رسمية واضحة حول ما يجري في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، ربما لأنها لا تريد الدخول في جدل طرفيه الحوثي وإسرائيل وتنأى عن نفسها أن تبدو قريبة من أحدهما وتدافع عنه بتدخلها، وعلى اعتبار أن مصر ليست المستهدفة من التهديدات، والسفن التابعة لإسرائيل أو تلك المتجهة إليها تمر عبر خليج العقبة ومنه إلى ميناء إيلات، ولا تمر عبر خليج السويس والقناة التي تحمل اسمه.

كما أن حرب الحوثي التي تشّن على بعض السفن بدأت تتحول إلى ما يشبه الحرب الدولية، وتشتبك فيها علنا قوى عدة، في مقدمتها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإسرائيل، لأن التأثيرات الناجمة أبعد من النواحي الاقتصادية التي تهم القاهرة في هذه المرحلة، فالبحر الأحمر الذي تمر منه نسبة كبيرة من التجارة الدولية ساحة نفوذ لقوى مختلفة، فهو منفتح جنوبا على منافذ بحرية أخرى أكثر أهمية، تتقاطع فيها مصالح قوى كبرى على استعداد واضح للتصدي لجماعة الحوثي عند مرحلة معينة، وإيران التي أعلنت صراحة دعمها لممارسات الجماعة ضد إسرائيل.

ومع أن جماعة الحوثي أرسلت تطمينات إلى مصر بشأن عدم رغبتها في الإضرار بقناة السويس، غير أن تفاقم الأمور الأيام الماضية بعد تزايد أعداد الأهداف وعدم اقتصارها على السفن الإسرائيلية أو المتجهة إلى إيلات يزعج مصر التي تتابع أساطيلها في البحرين الأحمر والمتوسط حركة السفن المتجهة من قناة السويس وإليها، ففي ظل تواصل التصعيد في جنوب البحر الأحمر حتما سوف تتأثر الملاحة في القناة.

واستعدت القاهرة للتعامل مع التحديات في البحر الأحمر بأدوات سياسية وعسكرية متباينة الفترة الماضية، ولم تترك الأمور حتى تصل إلى مرحلة تبحث فيها عن خيارات قد لا تجدها، فهي حافظت على علاقة هادئة مع الحوثيين، ولم تدخل في صدام معهم على الأرض عندما طلبت دول التحالف العربي في اليمن مشاركة عسكرية مصرية مباشرة، واكتفت بالقيام بمهام نوعية من خلال سفنها المتواجدة في البحر الأحمر، وطوّرت أسطولها ومنحته صبغة حداثية عسكرية كبيرة، وفتحت قنوات تعاون عسكري بحري مع الولايات المتحدة انصب على وسائل تأمين البحر الأحمر.

وفسّر خبراء عسكريون الهدوء المصري الراهن بأن القاهرة لا تريد الانجرار إلى ساحة معركة في البحر الأحمر، فلديها هامش يمكّنها من أن تتجنب الانخراط فيها، فيكفيها ما يحيط بها من تهديدات على كافة جبهاتها البرية، في قطاع غزة وليبيا والسودان.

ونأت القاهرة عن التدخل عسكريا في هذه الجبهات طالما أنها تملك أدوات للتعامل معها سياسيا، أو غير مضطرة للاشتباك للحفاظ على أمنها القومي، لكن المسألة في البحر الأحمر تبدو مختلفة، فالابتعاد لن يضمن الحفاظ على مصالحها الاقتصادية، حيث تمثل عوائد قناة السويس نحو تسعة مليارات دولار سنويا، وهو رقم مهم للدخل القومي، سوف يؤدي تراجعه إلى إزعاج في ميزانية تواجه أصلا أزمات حادة.

ويأتي رهان مصر لتخفيض سقف الإضرار بمصالحها من زاويتين، الأولى: تطوير أسطولها البحري في السنوات الماضية، فقد دفعت في مايو 2015 بأربع سفن حربية إلى منطقة مضيق باب المندب، وقال الرئيس عبدالفتاح السيسي لأول مرة أن لبلاده “الحق في التدخل عسكرياً لمنع الحوثيين من السيطرة على مضيق باب المندب أو إغلاقه”، لأن ذلك ستكون له آثار سلبية على التجارة في قناة السويس.

وبدأت عملية تطوير القدرات البحرية في شرق المتوسط والبحر الأحمر وحتى مضيق باب المندب، وتوسعت في بناء القواعد العسكرية البحرية، وأبرزها قاعدة “رأس جرقوب” في البحر المتوسط، بالقرب من حدود ليبيا، وقاعدة “برنيس” في جنوب مصر في البحر الأحمر.

كما طوّرت أسطولها بشراء حاملتي طائرات هليكوبتر هجومية من طراز “ميسترال”، وأربعة طرادات متعددة المهام فرنسية الصنع، مع اتفاقية لنقل المعرفة الصناعية لتطوير صناعة بناء السفن في مصر وتم تجهيز الطرادات بصواريخ مضادة للطائرات ومضادة للسفن، واشترت مصر من ألمانيا أربع فرقاطات وأربع غواصات وسفينة دورية ساحلية وزوارق دورية، ثم اشترت من إيطاليا وحدتي “FREM” و32 طائرة مروحية تستخدم على حاملات الطائرات.

أما الزاوية الثانية التي تستند عليها القاهرة وتبعث قدرا من الارتياح الأمني، فتتعلق بالتعاون مع الولايات المتحدة وقوى غربية أخرى، وبدأ ذلك التعاون يأخذ طابعا لافتا في ديسمبر 2022 عندما أعلن عن تولي القوات البحرية المصرية قيادة قوة المهام المشتركة CTF153 المنوط بها مكافحة أعمال التهريب والتصدي للأنشطة غير المشروعة، وفي مقدمتها الإرهاب، في مضيق باب المندب وخليج عدن، وذلك في سياق مواجهة التهديدات وتوفير العبور الآمن في البحر الأحمر.

وحوى انضمام القاهرة للقوة 153 في أبريل 2022 تموضعا عسكريا في القوة البحرية الرابعة التي أسستها الولايات المتحدة عام 2001 مع حلفائها في حلف شمال الأطلسي (ناتو) وأصدقائها حول العالم وتضم 34 دولة، ويعني أيضا تحسبا مصريا من المخاطر التي تهدد أمن البحر الأحمر، وبالتالي ممر قناة السويس.

وعلاوة على الأسطول الرابع (القوة 153) هناك ثلاثة أساطيل أخرى تنضوي تحت القوات البحرية المشتركة CMF، أحدها يعمل في خليج عمان وبحر العرب ويسمى قوة المهام المشتركة 150، والثاني يعمل في مجال مكافحة القرصنة ويسمى قوة المهام المشتركة 151، والأخير يعمل في مياه الخليج ويحمل الرقم 152.

وتشير هذه المعطيات إلى حصر القلق المصري في الجانب الاقتصادي حتى الآن عقب اتجاه بعض الشركات الدولية إلى تغيير مسار سفنها من قناة السويس إلى رأس الرجاء الصالح إلى حين تهدأ عواصف الحوثيين في جنوب البحر الأحمر، أما القلق الأمني فهناك قوى دولية رفيعة تستطيع الدفاع عنه، بمشاركة مصرية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى