في رحاب العيد

كتب/ د. عيدروس نصر
هديتي لكم جميعاً بمناسبة حلول عيد الأضحى المبارك، وهي قصيدة كُتبَت في مارس العام ٢٠٠١م الذي تزامن مع مهرجانات يافع لأعياد الأضحى المبارك.
وأوضح هنا امرين:
١. القصيدة على البحر الكامل وهي مستوحاة من قصيدة عيد الجلوس للشاعر الفيلسوف العربي الكبير عبد الله البردوني وعلى وزنها مع تغيير القافية.
٢. أُلقيَت مقاطع من القصيدة في المهرجان وقد شارك فيه وفد حكومي من صنعاء برئاسة صادق أمين ابو رأس وزير الإدارة المحلية حينها، الأمين العام الحالي للمؤتمر فرع صنعاء.
ويقول النص:

هذا الصباح الضاحكُ المتبسمُ
قُبَلٌ تموجُ وروضةٌ تتبرعمُ
ومفاتنٌ تنسلُّ من جوف الدُّجى
عبقاً تباركهُ السما والأنجمُ
هذا الصباح يفيض حسناً رائعاً
يهدي إلينا بسمةً ويسلِّمُ
والطلُّ يزكو فضةً رقراقةً
والأفق يبدو عسجداً يتضرَّمُ
والعِطر يكسو الكون من أندائهِ
ويدثِّر الدنيا سناهُ الملهِمُ
والورد يرسل بوحهُ متضوِّعاً
والشمس تكتب عيدنا وتسلمُ
في كرنفال النور هلَّ على الورى
عيدُ يفردسهُ السنا ويهندمُ
عيد بهِ تزكو النفوس تسامحاً
ولهُ إلى دنيا السعادةُ سلَّمُ
يرنو بنا نحو الأعالي عزَّةً
ويهزُّنا شغفاً بهاهُ المنعمُ
تهفو لمقدمهِ الحقول وزهرها
وعبيرها والبلبل المترنِّمُ
من صوتهِ الصداح تشدو غنوةٌ
بالطيف ترسم أفقنا وتنمنمُ

  • * *
    عيد العبادة التواصل والتقى
    أهلاً فأنت نشيدنا والمعلمُ
    أهلاً بعيدٍ أقبلت أنوارهُ
    يزكو بها فجرٌ أغرُّ وأعظمُ
    من مولد الإسلام هلّت دعوةٌ
    يحيى بها هذا الوجود المبهمُ
    فيرى بها الأعمى الطريق إلى الغد الـ
    أبهى وينطق من سناها الأعجمُ

يا عيدنا أشبعت كلَّ بقاعنا
فرحاً وأفرحت الذي يتبرَّمُ
فتراجعت أحزاننا وجراحنا
وتضاءلت آهاتنا تتقزَّمُ
هذي الجموع تقاطرت في موكبٍ
يذكي النفوس إرادةً لا تهزمُ
تستقبل الضيف العزيز بقبلةٍ
قمم الجبال بعطرها تتعمَّمُ
هي عادةٌ فينا نعزُّ ضيوفنا
ونحيطهم بقلوبنا ونكرِّمُ
للضيف في وسط القلوب منازلٌ
معمورةٌ بالحبِّ لا تتهدَّمُ
حتى وإن عدم الرفاهُ بأرضنا
كرم الضيافة عندنا لا يعدمُ
وإذا تعاظم في الحياة شقاؤنا
فيض الحفاوة عندنا يتعاظمُ
للمجد في هذي البقاع معالمٌ
في كل شبرٍ للأصالةِ معلمُ
أبناء هذي الأرض في وجه الردى
لم يذعنوا للضعف أو يستسلموا
في موكب الإسلام كانوا شعلةً
وضَّاءةً أنوارها تتضّرمُ
خاضوا الغمار بهمةٍ وعزيمةٍ
ومشوا على درب الهدى وتقحَّموا
في نصرة الحقِّ المبين تدافعوا
كالسيل لم يألوا ولم يتجهَّموا
زحفوا على الأعداء زحفاً غاضباً
يدمي الخطوب بدربهِ ويدمدمُ
متسلحين بعفةٍ وقناعةٍ
متذرعين بعزةٍ لا تهرمُ
صانوا الديار وعمروا أرجاءها
وبنوا القصور الشامخات وصمَّموا
لم يطلبوا الإشفاق من مستعمرٍ
لم يخضعوا يوماً ولم يسترحموا
هذي القلاع تنمُّ عن أمجادهم
هذي المآذن عنهمُو تتكلّمُ
وبرغم ما بذلوا النفيس لأجلهِ
وبرغم ما أعطوا وما قد قدَّموا
لم يطمعوا يوماً بأدنى مطمعٍ
لم يغرهم فيما أقاموا مغنمُ
حتى الذي ترك الديار مهاجراً
خلف الحدود يعيش وهو المرغمُ
مهما بدا أن النعيمَ نصيبهُ
في غربةٍ فيها المقام جهنّمُ
يهفو إلى عبق الديار بروحهِ
ويهيم فيها إذ يفوق ويحلمُ
ما كل من هجر الديار مخاتلٌ
أو كل من عاف التسلّط مجرمُ
قد يهجر الاوطان حرٌ فاضلٌ
هرباً من الضنك الذي لا يرحمُ
فيعيش مشدودا إلى أوطانهِ
كالطير في الاقفاص لا يتاقلمُ
ويظلُّ تعصرهُ الهموم كأنَّما
هو موجةٌ في بحرها تتلاطمُ


“يا عيد هذا الشعب انهكهُ الضما
وطوى بشاشتهُ الجمود المظلمُ”
الأرض ما برحت كما غادرتها
تسطو عليها غصَّةٌ وتجهّمُ
مذ غبت ما غاب القديم بأهلها
كلاّ ولا جاء الجديد إليهمُ
يا عيدنا هل جئتنا ببشارةٍ
أم جئتنا بمرارةٍ تتضخّمُ؟”
تأتي وتمضي والبلاد كما ترى
مازال يطويها الضباب الأبكمُ”
كل الأمور اليوم صارت عكسها
كل الأسامي بالنقائض تفهمُ
فالصدق زيفٌ والخيال حقيقةٌ
والحقُّ زورٌ واليقين توهُّمُ
والظلم عدلٌ والأمانة خسّةٌ
والقبح حسنٌ واللصوص ضراغمُ
والغدر حذقٌ والوقاحة جرأةٌ
والخوف أمنٌ والنفاق ترنُّمُ


يا عيد كل الأرض صارت مرتعاً
للمعجزات وشعبنا يتغمغمُ
كل الشعوب تحرَّرت من جهلها
وبعزمها ويقينها تتقدّمُ
حرية الإنسان فيها قِبلةٌ
والعلم للإنسان فيها توأمُ
تسمو إلى العالي بعزمٍ ثابتٍ
ومن الكفاح رموزها لم يسأموا
لم ينهبوا الثروات أو يتغطرسوا
لم يزرعوا الطاعون أو يستعظموا
وبلادنا حبلى بكلِّ إرادةٍ
لكنَّها عند الشدائد تلجمُ
داء الفساد يدبُّ في أوصالها
في كلِّ يومٍ فعلهُ يتعاظمُ
غول الفساد تكشَّرت أنيابهُ
كالغاب حين يجوب فيهِ الضيغمُ
يسطو على أقدارنا ومصيرنا
وعلى رقاب جموعنا يستحكمُ
القات أنهكنا ودمَّر عزمنا
ومضى يثلِّم سيفنا ويحطِّمُ
قتل الطموح بكلِّ قلبٍ نابضٍ
وكأنَّه فينا القضاءُ المبرمُ
تتناسل الأزمات في طرقاتنا
فنذوقها ونعيشها ونهمهمُ
نستقبل الإخفاق، نمشي القهقرى
عبثاً ونزعم أنَّنا نتنقدمُ


يا عيد عفواً إن صرخت فإنَّني
من كثر ما عانيت قلبي متخمُ
بي من مرارات الأسى موسوعةٌ
ولمفردات القهر عندي معجمُ
قد كنتُ معصوم الخطى لكنني
بعت الذي يجدي بما لا يعصمُ
ومضيتُ في غير الطريق لأنني
ضيَّعتُ ما يغني بما لا يطعمُ
وغدوت مشلول الكيان لأنَّني
أعطيت ما أدري بما لا أعلمُ
متشائمٌ من حيث كان تفاؤلي
ومن المآسي كيف لا أتشاءمُ!
إني أرى لون الكآبة غالباً
ومع الكآبةِ ليس يجدي مرهمُ
متجهمٌ ممَّا مضى لكنني
في قادم الأيام قد أتعشَّمُ
فاعذر إذا صبغ التألم أحرفي
وتخاطفتني الطائشات الأسهمُ
عذراً فإنِّي ما أزال مكبَّلاً
والليث في الأصفاد قد يتالّمُ”
وبرغم هذا الحزن عندي فسحةٌ
ببراعم الأحلام قلبي مفعمُ
ومواسم الآمال آتيةٌ
غداً لابدّ أن يأتي إلينا موسمُ
يافع – لبعوس 10مارس 2001م


وكل عام وانتم ومن تعزون بألف خير

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى