عن التحولات الأخيرة في المشهد الجنوبي .. حينما تتحدث الجيوبوليتيك!

عدن 24 / كتب / أصيل محمد :

عندما ننظر لما يحدث على الساحة العربية والإقليمية، وفق قوانين ومنظور الجغرافيا السياسية “الجيوبوليتيك” والتحرك الحضاري، الذي عادة ما يبدأ بشكل تدريجي، إذ بموجب ذلك التحول تظهر الصراعات بين القوى الكبرى في أماكن تمدداتها ومصالحها الاقتصادية، وهذا ينعكس بدوره على نوعين من الدول: تلك الإقليمية الصاعدة التي تسعى لتقاسم النفوذ واستعادة زخمها الحضاري و أمجادها التاريخية (على سبيل المثال تركيا وإيران)، إذ تحاول استثمار خلافات وصراعات القوى الكبرى فتعمل باتجاهين: الاتجاه الأول يتمثل بفرض وجودها الإقليمي بما لا يستفز القوى العظمى أو يتعارض مع مصالحها، وفي الاتجاه الثاني فإنها إن لم تتمكن من ذلك فإنها تعيد تنظيم اصطفافاتها وتحالفاتها مع القوى الكبرى والدول البسيطة بما يحقق أهدافها ولا يصيبها بالضرر البالغ 

الدولة البسيطة، وهي صنفان ذات مشاريع واستراتيجيات وطموحات خارج جغرافيتها، مثل تلك التي يمكن أن نطلق عليها دول الفائض المالي، هذه الدول تستفيد منها القوى الكبرى في التمويل لصراعاتها وإعادة تموضعاتها، وهذه الدول قد ترتبط مباشرة بالقوى القوى الكبرى، أو تتوزع اهتماماتها التي تحقق أهدافها، بين الاستناد للقوى الكبرى واسترضاء الدول الإقليمية التي تخشى سطوتها .  

ومنها أيضا ذات الموقع الهام أو يكتنز باطنها ثروات هائلة، لكنها تفتقر لقيادات وطنية في مركز القرار أو تكون نخبتها السياسية غارقة في الفساد والتشتت والارتزاق، مما يجعل عبء الموقع الجغرافي والثروات الطبيعية والبشرية منعكساً عليها، فتغدو ساحة للصراع وضحية للتنافس بين دول الجوار والدول الإقليمية، تحت نظر ورعاية القوى الكبرى، هذه الدول مثل العراق وسوريا، ولبنان والصومال، واليمن وإن بات وضعها استثنائيا شيئا ما ناتج عن مشكلة داخلية في أساسها.. 

لا نقصد بهذا ترسيخ الرضوخ وقبول الأمر الواقع، إنما بغرض إدراك مكامن القوة لحفزها والاستفادة منها، وذكر الأسباب الجوهرية للفشل والعجز حتى يتم تجنبها والتغلب عليها؛ إذ أن القوى الكبرى تعمل على إعادة تموضعاتها، وتبقي صراعاتها خارج جغرافيتها، والمنطقة العربية برمتها تشكل لها عمق التحولات في السيطرة على العالم، من حيث التمويل والمسارات التجارية.

وهذا يجعلها تستثمر فواعل ودورات الاقتتال البيني من خلال ثنائيتي التخويف بسقوطهم، والترغيب بتقريبهم والرضا عنهم”، فهي أي تلك القوى العظمى تقوم بإدارة الاحتراب لا إنهائه، ورعاية توازن الضعف لا دعم مراكز القوى، فمن يسلم لهم رقبته ويستمد منهم شرعيته، أوصلوه إلى مثل المستنقع الذي يتحتم عليك أن تتجرع مراراته.  

وهكذا يمكن لنا أن نعكس ذلك على المشهد الراهن وما تقوم به القوى المجاورة وتلك الإقليمية من مظاهر رعايتها لتكوين القوى في محاولة منها لخلق توازنات  القوى والضعف في الجنوب، وتشتيت العقل الجمعي عن التفكير الجنوبي كسقف يستظل تحته الجميع، وذلك من خلال محاولتها إلى تفتيت الجغرافيا واستزاف ثرواتها لكسب المليشيات وتجار الحروب.


فالشمال المعهود بأنه ليس كتلة واحدة، وإنما يتوزع وفق رغبات الخارج على أسس طائفية وارتزاقية وحزبية، باتت المليشيات هي صاحبة القوى والنفوذ المسيطر فيه وهي سلطة الأمر الواقع التي لم تلاقي أي مواجهة من قوى المجتمع هناك، وباتت بذلك طرفا وحيدا في المشاورات السرية التي يجري من خلالها صياغة المصالح وتقديم التنازلات من قبل صاحبة القرار الأول في مسار احداث المشهد الراهن. 

في الوقت ذاته وفي الجنوب تحديدا هناك توجه صريح للعبث من جديد، غايته تقسيم وتجزيئ محافظات الجنوب، وصولاً إلى صناعة وتدعيم قوى الاحتلال في الوادي، وإنشاء قوى ذات التوجهات المشبوهة في الجنوب ودعمها بالمال والسلاح، وإضفاء عليها طابع القوى النظامية.. إلخ، جميعها معطيات تجعلنا بحاجة ماسة للاستدارة للداخل، والتفكير بحلول جادة – حتى وإن كانت مرة – إلا أنها ستحفظ جنوبنا ونسيجنا الاجتماعي الذي يراد له أن يذوب ويذوي كلما تقدمت السنوات وكثر الأعداء و تعاظمت المصالح.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى