اليمن والجنوب العربي إضاءات تاريخية


كتب/ د. علوي عمر بن فريد

الفوارق الحضارية:هناك تباين في الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية بين اليمن والجنوب العربي سواء قبل أو بعد الاحتلال البريطاني لعدن ورغم وجود الحكم البريطاني إلا أن عدن كانت تتمتع بانتخابات حرة ومجلس تشريعي وصحافة حرة ثم تطور الحال بقيام اتحاد الجنوب العربي عام 1959م، ورغم تعدد الإمارات إلا أنها كانت محكومة بالنظام والقوانين وانتشار التعليم والهيئات الصحية والمواصلات والتجارة الحرة .
بينما الحكم في اليمن حكم فردي كهنوتي -عنصري – سلالي يستند الى الخرافات والأساطير ويعتمد على الجباية والابتزاز ومجتمع عشائري إقطاعي متخلف يخضع لسجون خارج القانون في بيوت المشايخ وجبروتهم لقمع فئات المجتمع وتصنيفها الى رعية خاضعة لسلطتهم .

الحواجز الجغرافية:
يعيش معظم سكان اليمن في الجبال ذات التضاريس الوعرة المنغلقة لم تدخلها الحضارة حيث لا طرق ولا مواصلات ولا خدمات ولا رعاية صحية، ويعتمد معظم السكان على أعمال النهب والحروب والسلب والنهب والتعدي على الآمنين وقطع الطرق، بينما في الجنوب العربي يعتمدون على الوظائف المدنية والعسكرية والتجارة والزراعة والصيد والحرف الأخرى وطبيعة بلادهم في معظمها سهلية .

البعد الحضاري:
من الناحية الحضارية فقد قامت الحضارات القديمة في اليمن في رملة السبعتين والسهول المجاورة لها كمأرب والجوف ومرخه وبيحان وشبوه وأقامت السدود وقنوات الري وازدهرت فيها الزراعة فطبعت الناس فيها بقيم حضارية ضاربة في أعماق التاريخ، بينما بقي سكان الجبال في اليمن على مر العصور في تخلف وهمجية وانغلاق تام واعتماد السلب والنهب وقطع الطرق وسيلة للعيش .

الخلاف المذهبي:
كانت اليمن حتى القرن الثالث الهجري على مذهب الإمام الشافعي الذي أتى اليمن عام 169هـ، وفي أواخر القرن الثالث الهجري دخل إلى اليمن المذهب الإسماعيلي وانتشر في نجران وحراز وما جاورها .
كما انتشر المذهب الزيدي في صعده وشن مؤسس الزيدية الإمام الهادي الحروب على إمارات بني الضحاك وآل يعفر، وتمكن هو ومن جاء بعده من نشر المذهب الزيدي من صعده حتى ذمار لهجرة السادة الزيديين إلى تلك المناطق .
بينما بقي الجنوب بكامله واليمن الأسفل على المذهب الشافعي حتى اليوم .
وينظر الزيود للشوافع في اليمن الأسفل نظرة استعلائية دونيه ازدرائيه وعاملوهم ولا زالوا على هذا الأساس من خلال المثل القائل: “المرأة ما تشخ من الطاقة” !!
فأين التجانس بين هؤلاء الزيود ونظرائهم في اليمن الأسفل كما امتدت تلك النظرة الدونية للزرانيق في تهامة وقمعهم عندما ثاروا عليهم ولا زالت هذه العقلية الفوقية تتحكم في سلوكهم ويتبادلونها بل ويمارسونها على سكان الجنوب اليوم .
ورغم الاختلافات والتباينات التي ذكرناها والموجودة في اليمن اليوم إلا أن نجاح الوحدة يظل مستحيلا على العكس من بلاد العرب الأخرى مثل : لبنان الذي يوجد فيه العديد من الملل والنحل وكذلك سوريا والعراق وتركيا وكذلك الحال في السودان والسعودية ومصر والجزائر والمغرب وغيرها ورغم اختلاف الأجناس والأعراق من كرد وبربر وأمازيغ وأفارقة وأرمن وأشوريين وتركمان في سائر الدول العربية إلا أن لا احد يعلو فوق سقف النظام والقانون وبقيت تلك الأقليات متعايشة رغم تبايناتها تحت جناح الدولة المدنية الحديثة وفي ظل الحقوق والواجبات المتساوية في تلك الدول بينما تعمل الأقلية الزيدية في نظام صنعاء القبلي المتخلف أن تخضع الأكثرية الشافعية لسلطة الكهنوت السلالي وحكم العسكر القبليين كرعية تدفع الجباية وتراجع المشايخ كسلطة قمعية تنتهك حقوق المواطن الدستورية بالإعتقال والضرب في قصور المشايخ التي تحولت الى سجون !!

وماذا بعد ؟

والأسئلة الملحة في أذهان الكثير منا هي: ماذا بعد هذه القراءة التاريخية لأطوار التاريخ اليمني؟ ولعل السؤال الأكثر إلحاحا هو : هل نحن تاريخيا من اليمن؟
والجواب : نعم ..العرب جميعاً هاجروا من اليمن مركز الحضارة والتاريخ والذي حكمته ممالك قديمة قامت في الجنوب أكثر منها في الشمال وتفرعت منها قبائل قحطانية عديدة أصولها واحدة ولكن لم تقم دولة مركزية موحدة في اليمن إلا 3 مرات بالقوة العسكرية في فترات لا تزيد عن 30- إلى 50 عاما فقط علما أن بعض المناطق بقيت خارج الدولة طوال التاريخ ولم تتم الوحدة طواعية بل نتاج حروب طاحنة وقام المنتصرون فيها بضمها قسريا وخلفت تلك التراكمات الكثير من الأحقاد والضغائن والثارات والشكوك لغياب العدل والمساواة وانعدام الثقة .
ولا اعتقد أن أي مواطن سواء في الشمال أو الجنوب يسره ما وصل إليه الحال في بلادنا اليوم من تدمير للمدن ونهب للثروات وقمع للحريات ونهب ومظالم وفساد وانتكاسات سياسية واقتصادية بسبب رعونة المتنفذين وأصحاب المصالح والمناطقية ودعاة السلالية والسؤال هو: هل فشلت الوحدة أم فشل النظام الحالي؟
والجواب بالتأكيد أن السبب كما أسلفنا لأسباب كثيرة كما ذكرنا في بحثنا هذا ولكن الوحدة شعار جميل يخفي في طياته إرث سلالي عنصري بغيض يرفع وقت الحاجة كقميص عثمان لتحقيق سيطرتهم على اليمن … ولعل أهم سؤال يطرح نفسه هو: لماذا فشلت الوحدة اليمنية اليوم؟
والجواب هو كالتالي:

  • انعدام الديمقراطية وتزوير الانتخابات.
  • تكريس حكم سلالي متحالف مع تركيبة عسكرية عشائرية تتسلط على موارد البلاد والعباد وتدعي تلك المنظومة الأحقية في الحكم كحق وراثي تجاوزه الزمن وقامت بعد الوحدة بالآتي :
  • نهب ثروات الجنوب ومصادرة أملاك الجنوبيين العقارية و الزراعية والحدودية لصالح المتنفذين الشماليين .
  • تسريح أكثر من (500) ألف جنوبي في مختلف القطاعات من وظائفهم العسكرية والمدنية وإذلالهم.
  • التعامل مع الجنوب كغنيمة حرب وفيد واستباحة موارده وأمواله وتدمير مؤسساته .
  • إلغاء هوية الجنوب العربي وتغيير التركيبة السكانية ومعاملة سكانه كمواطنين من الدرجة العاشرة.
  • تهميش كل من بقي من نظام الوحدة من الجنوبيين المسئولين وجعلهم مجرد أخشابا مسندة.
  • فرض حالة الطوارئ في الجنوب منذ عام 1994م وعسكرة الحياة المدنية حتى أصبح الجنوب ثكنة عسكرية وممارسة الاغتيالات والقمع للناشطين .
  • التعتيم الإعلامي على كل الانتهاكات التي تمارس في الجنوب.
  • انتشار الفساد المالي والإداري والمحسوبية في كافة مفاصل الدولة.
  • إغلاق المنابر الإعلامية من صحف وأندية ومراكز ثقافية وغيرها وملاحقة رجال الصحافة والاعلام .
  • تدهور الأحوال المعيشية في الجنوب وغلاء الأسعار وانتشار البطالة والتسول.
    الخاتمة:
    قد يسال البعض من أين أتت التسمية “الجنوب العربي”؟
    وأرد بالقول هذه تسمية تاريخية تشمل اليمن ومن حق أبناء الجنوب استعادة هذا الاسم اليوم كما استخدموه بالأمس عندما أسسوا كيانهم السياسي “اتحاد الجنوب العربي”!!
    إذن من هو الذي يتنكر لهويته التاريخية، هل نحن أم هم؟
    ولكن أن نسكت لهم وهم يدعون أننا فرع والفرع يعود إلى الأصل لا وألف لا ويقولون عن أبناء الجنوب أنهم من السود والاندنوسيين والهنود المهاجرين لا ومليون لا!!!
    مع احترامنا وتقديرنا لهذه الجنسيات .
    لقد ولى زمن العبودية والعنصرية حتى في إفريقيا ..فكيف بالله عليكم تريدون منا البقاء معكم تحت مسمى أكذوبة الوحدة لنهب لسلب أرادتنا وانتهاك حقوقنا؟؟!!
    وإذا طالبنا بحقوقنا والمساواة معكم.. في فرص العمل تقولون عنا دعاة انفصال !!
    أليست بلادنا “الجنوب العربي ” هي التي عوضتكم وسترتكم بعد طرد أكثر من مليون عامل منكم من الخليج؟
    هل تنكرون أنكم قسمتموها الى مربعات وحقول مستباحة وتتمتعون اليوم بخيرات الجنوب بينما أهله يعيشون في فقر وسوء حال من الفاقة والعوز لا يجدون الطعام هم وأولادهم وخيرات بلادهم تنهب أمامهم؟
    أي وحدة هذه بالله عليكم تريدون إخضاعنا باسمها؟
    إن الوحدة الحقيقية التي نجحت في التاريخ العربي الحديث هي وحدة الجزيرة العربية التي قادها الملك عبد العزيز آل سعود والتي قامت على كتاب الله سنة رسوله ونشرت العدل والمساواة ونفذت التنمية والتطور في ربوع الجزيرة العربية وهي التي لم تتوحد تاريخيا تحت راية واحدة من قبل إلا في عهد الدولة السعودية
    فأين الثرى من الثريا ؟؟!!
    وأخيرا نقول :
    إننا شعب عربي أصيل من هذه الأمة يجمعنا التاريخ المشترك والدين واللغة، ونؤمن ليس فقط بالوحدة اليمنية .. بل لا زلنا نحلم بوحدة الوطن العربي بكامله من المحيط إلى الخليج ولكن السياسات الاستعلائية وقمع الشعوب والعنصرية لن ترسخ الوحدة في القلوب، فقد فشلت الوحدة: المصرية – السورية. نتيجة بعض الممارسات الخاطئة في سوريا وأعلن السوريون الانفصال عام 1961 عن مصر.
    إن الظروف الموضوعية للوحدة اليمنية لم تنضج بعد ولن تنجح في ظل هذا النظام السلالي – العسكري -العشائري -العنصري الذي يدمر الشعب اليوم ويبدد موارده وثرواته وينهب خيراته لصالح حفنة صغيرة من المتنفذين وأخيرا أن جوهر المأزق التاريخي الذي يعانيه النظام السلالي -القبلي اليوم في صنعاء يكمن في أن هذا النظام يواجه شعباً واعياً لحقوقه، حريصا على حريته، مدافعاً عن كرامته، غير قابل لأن يحكم بطريقة قبلية متخلفة أو يخضع لسلالة تدعي وصايا غيبية أو لمشايخ ورموز حكم قدموا من أدغال التاريخ غارقين في الأنانية ينهبون أرضه ويقتسمون ثروا ته، وكان من نتائج هذا الوضع أن ضاقت الخيارات السياسية أمام النظام وأصبحت تتلخص في أمرين:
    1- فك الارتباط مع الجنوب.
    2- تغيير النظام وهذا يشكل مأزق النظام.
    وأخيرا إن مأزق النظام السلالي – القبلي – العسكري لا يقتصر على رئيسه أو حكومته، وإنما يشمل كافة أركانه من سلالة الكهنة و مشايخ و جنرالات جيش والمرتزقة والمنتفعين من حولهم من كهنوت هم سدنة المؤسسة الدينية، وهؤلاء وأتباعهم لا يخالفونهم الرأي ولا يشذون عنهم في المواقف حين يدور الحديث عن الخيارين السابقين .
  • فك الارتباط مع الجنوب وتحريره من قبضتهم.
  • أو تنفيذ برنامج إصلاحات سياسية تضرب الفساد وتمنع انتشار السلاح وتغلق السجون الخاصة، وتفرض هيبة الدولة وتطبق النظام والقانون وهذا من رابع المستحيلات !!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى