لماذا يتعمدون تعذيب الجنوب بما لا يطيق؟

كتب/ عادل العبيدي:

لم يكن الجنوب، قيادةً وشعبًا، في يوم من الأيام ضد أمن ومصالح الأشقاء من دول الجوار العربي، بل على العكس فقد كانت قيادة الجنوب ممثلة بالرئيس السابق المناضل علي سالم البيض وخاصة منذ انطلاق ثورة الجنوب السلمية ضد قوى الاحتلال اليمني وهم يمدون أياديهم إلى ملوك وزعماء ورؤساء دول الجوار العربي يدعونهم إلى مصافحة هذه اليد الجنوبية الممدودة إليهم والإمساك بها إمساكًا أخويًا على أساس النظر إلى عدالة مطلب ثورة الجنوب السلمية والوقوف إلى جانب الشعب الجنوبي في استعادة دولتهم الجنوبية المستقلة، على اعتبار أن الجنوب، وبحكم موقعه الجغرافي الاستراتيجي المهم وشعبه القوي الوفي سيكونان هما الحصن المنيع في الحفاظ على الأمن القومي العربي وفي الحفاظ على جميع مصالحهم الأخرى على أرض الجنوب وحدوده.

وفعلاً استطاع الجنوبيون إثبات ذلك على الأرض، فعلى الرغم من أن صرخة ونداء الجنوبيين الثورية التي دوت في كل أرجاء المعمورة لم تصغِ لها آذان الأشقاء حينها،  ولم تعِرها أي أهمية، إلا أن الجنوبيين أثبتوا صدق صرخاتهم الثورية ونداءاتهم الأخوية تلك في الحفاظ على مصالح الأشقاء عندما سارعوا – شعبًا ومقاومةً وجيشًا – إلى التصدي للميليشيات الحوثية الإيرانية التي حاولت أن تتمدد إلى المحافظات الجنوبية، لما رأوا في ذلك التمدد الشيعي من خطر ديني وأمني وسياسي واقتصادي على مصالح الجنوب ودول الخليج العربي المشتركة.

فلماذا يتعمدون اليوم تعذيب الجنوب بما لا يطيق؟

وبعد كل ذلك الصمود الأسطوري وكل تلك التضحيات الكبيرة المتكللة بهزيمة الحوثيين وطردهم من الجنوب، والمتكللة أيضا بثبات جيش جنوبي قوي في جميع جبهات الجنوب المحاذية للحوثيين دفاعًا عن مصالح مشتركة بين الجنوب ودول الخليج العربي يكون جزاء شعب الجنوب وجيشه ومقاومته التضييق عليهم بحرب افتعال الأزمات الاقتصادية والخدمية وانهيار العملة المحلية ووقف صرف رواتب قوات الجيش والأمن الجنوبيتين؟

لصالح أيٍّ من القوى اليمنية والإقليمية الاستمرار في هذا التضييق على شعب الجنوب ومقاومته وجيشه في لقمة عيشه، الذي يعلو إلى مصاف الجرائم الجسيمة دينيا وقانونيا وإنسانيا؟

بدون أدنى شك إن استمرار هذا التضييق في ارتفاع الأسعار وفي افتعال الأزمات الاقتصادية وفي عدم صرف رواتب قوات الجيش والأمن الجنوبيتين هو في مصلحة أعداء السعودية من الحوثيين وإيران والإخونجيين، وعلى السعودية أن لا تغتر اليوم بأي تقاربات سياسية بينها وبين تلك القوى المعادية لها كونهم سيبقون أعداء استراتيجيين لها، وسيبقى خطرهم عليها قائما.

ليس أمام السعودية ودول الخليج إلا أن تمحو رسم سياسات التجويع في الجنوب التي هم مستمرون في رسمها لحساب قوى أخرى محلية وإقليمية هم في الأصح أعداء لدودين لجميع دول الخليج.

الذي نعرفه أن المجلس الانتقالي الجنوبي في فترة من الفترات قد تخلى عن مشروع الإدارة الذاتية الجنوبية التي بعدها كان سينتقل إلى الحكم الذاتي، وذلك تقديرًا لرغبات السعودية على اعتبار أن الانتقالي سيحقق لشعب الجنوب الأهداف التي أراد تحقيقها في الإدارة الذاتية في اتفاقيات أخرى معترف بها إقليميا ودوليا، وهي: اتفاق الرياض ومخرجات مشاورات الرياض، لكن كان هناك تعمد في تعثر تنفيذ بنود تلك الاتفاقيات.

يا ترى لماذا تعمدوا في جعل تلك الاتفاقيات التي كانت بين الانتقالي والحكومة اليمنية تتعثر؟

كيف ذلك؟ وقد كانت هناك قوى شمالية تحاول تشكيك شعب الجنوب بالمجلس الانتقالي أنه وبسبب توقيعه على تلك الاتفاقيات معها ومشاركته إياها السلطة أنه يكون قد خرج عن أهداف ثورة الجنوب التحررية، لكن الذي يبدو أن الانتقالي قد كان محقًا وموفقًا في سياسته تلك وأنه بسياسته تلك كان يسير نحو تحقيق أهداف جنوبية عديدة، هدف إصلاح الخدمات وصرف الرواتب وهدف طرد ما تبقى من ميليشيات قوى الاحتلال من المناطق الجنوبية المتبقين فيها على خطى استعادة دولة الجنوب المستقلة، وكذلك هدف تحقيق الشراكة مع دول التحالف، والدليل على أن الانتقالي قد كان موفقًا في سياسته تلك هو تعمد طرف الحكومة اليمنية في عرقلة تنفيذ بنود اتفاق الرياض وبنود مخرجات مشاورات الرياض كون تنفيذها كان سيكون في صالح الانتقالي وشعب الجنوب وقضيته الثورية.

على دول الخليج، وبالأخص السعودية، عليهم أن يعرفوا أن هناك مسلمات جنوبية لا يمكن بأي شكل من الأشكال التنازل عنها مهما كلفهم ذلك من ثمن، وهي:

  • عدم التنازل عن ثورتهم التحررية وعن مطلب استعادة دولة الجنوب المستقلة.
  • مستحيل بعد اليوم أن يحكم الجنوب أي قوى شمالية أكانت مجتمعة أو منفردة.
  • رفض الجنوبيين القاطع وضع الجنوب تحت أي احتلال كان إقليميا أو دوليا.
  • أن مصلحة دول الخليج من مصلحة استعادة دولة الجنوب المستقلة.
  • أن الانتقالي بصفته ممثل شعب الجنوب السياسي لن يكون مسلوب الإرادة حيال ما يتعرض له شعب الجنوب من سياسة الإبادة الجماعية بمختلف أشكالها السياسية والعسكرية والاقتصادية، وسيكون للانتقالي خياراته المصيرية التي سيعلنها في الوقت المناسب وستكون خيارات لا رجعة عنها بإذن الله، كخطوة العودة إلى مشروع الإدارة الذاتية الجنوبية ومن ثم الانتقال إلى خطوة حكم ذاتي، وهكذا حتى استعادة كامل دولة الجنوب المستقلة ذات السيادة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى