ناشطون سياسيون يستبعدون نجاح المبعوث الأممي في استدراج الحوثيين نحو التهدئة


استناداً إلى الموقف الحوثي المعلن الرافض حضور المشاورات اليمنية – اليمنية المرتقب انعقادها برعاية خليجية في الرياض، وإلى التصعيد الإرهابي الذي تنتهجه الجماعة باتجاه الأعيان المدنية والاقتصادية في السعودية والأعمال العدائية الأخيرة في البحر الأحمر، تبدو فرص المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبيرغ أكثر تضاؤلا في إقناع الميليشيات بالتهدئة أو حتى التوصل إلى هدنة، وفق ما يقرأه العديد من السياسيين اليمنيين.

المبعوث الأممي الذي يستعد لخوض أسبوع ثالث من المشاورات في العاصمة الأردنية عمان، ذكر مكتبه أنه اجتمع في مسقط مع المتحدث باسم الميليشيات الحوثية محمد عبد السلام فليتة، ومع مسؤولين عمانيين «لمناقشة مشاورات الأمم المتحدة الجارية، وجهود معالجة الوضع الإنساني المتدهور في اليمن بما يتضمن هدنة محتملة في شهر رمضان المبارك».

عدم التفاؤل اليمني، يستند إلى أن الميليشيات الحوثية، دائما ما تلعب على عامل الوقت لإعادة ترتيب صفوفها، حتى في حال موافقتها نظريا على أي تهدئة، لكنها في الوقت نفسه تعمل على الأرض نحو مزيد من التصعيد والحشد وتهريب الأسلحة وجمع الإتاوات، الأمر الذي يعني من وجهة نظر السياسيين اليمنيين عدم جدوى أي مساع أو اتفاقات مع الميليشيات، ما لم تكن في لحظة انكسار وهزيمة عسكرية.

في السياق نفسه، يرى الوسط السياسي اليمني أن الجماعة الانقلابية، بعيدة حتى الآن عن تقديم أي بوادر تثبت رغبتها إلى السلام، بخاصة بعد الرفض المعلن من قبلها للمشاركة في المشاورات اليمنية – اليمنية، المرتقب انعقادها في الرياض، وفوق ذلك قيامها بتكثيف هجماتها الإرهابية باتجاه السعودية قبيل هذه المشاورات، كما حدث في هجمات الأحد التي استهدفت منشآت مدنية واقتصادية في جنوب المملكة وغربها.

ويستدل السياسيون اليمنيون على حالة الإصرار الحوثية لاستمرار الحرب، بأنها كانت ترفض كافة المبادرات الداعية إلى وقف القتال أو حتى الهدنة، كما هو الحال مع المبادرة السعودية التي أعلنت قبل نحو عام ولقيت ترحيبا يمنيا ودوليا وأمميا، غير أن الميليشيات اختارت طريق التصعيد.

طريق البعد عن خيارات السلام من قبل الجماعة، بات واضحا أكثر من ذي قبل، بخاصة في تصريحات قادتها الذين أكدوا أكثر من مرة أنهم يضعون الإدانات الدولية والأممية «تحت أقدامهم»، أما حين يتكلمون عن السلام الذي يريدونه، فعنوانه الوحيد، هو تمكينهم من السيطرة على اليمن والاعتراف بمشروعهم الانقلابي الخادم للأجندة الإيرانية.

رفض كل الفرص

استبعاد أن تصل الجهود الأممية إلى اختراق حقيقي على طريق السلام في اليمن، يؤكده المحلل السياسي اليمني الدكتور عبد الملك اليوسفي، كما يشير في حديثه لـ«الشرق الأوسط» ناحية «حرص التحالف على استقرار اليمن وصنع الفرص المتتالية للسلام».

ويقول اليوسفي: «دعوة مجلس التعاون الخليجي لجماعة الحوثي لحضور مشاورات الرياض تجسيد لذلك الحرص غير أن مشروع السلام والاستقرار الذي يحمله التحالف في اليمن يقابله مشروع الفوضى والتخريب الإيراني وميليشيا الحوثي جزء من المشروع التخريبي، ولذلك فإنها تقابل كل الفرص الممنوحة نحو السلام بمزيد من التصعيد وممارسة الإرهاب الداخلي والإرهاب العابر للحدود».

ويرى اليوسفي في الهجوم الإرهابي الحوثي الأخير على المنشآت المدنية في جنوب السعودية وغربها بأنه تفسير لموقف الجماعة الانقلابية من كافة مساعي السلام بما فيها الدعوة الموجهة من مجلس التعاون الخليجي لحضور مشاورات الرياض.

لا هدنة منتظرة

يقرأ المحلل السياسي اليمني والصحافي وضاح الجليل مؤشرات ما ستفضي إليه الجهود الأممية، ويقول في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «لن تكون ثمة هدنة، فجماعة الحوثي تتعامل مع الدعوات إلى السلام أو حتى إلى الهدنة؛ كدليل ضعف واستجداء من الأطراف الأخرى، حتى وإن جاءت هذه الدعوات من الوسطاء، أو بجهود دولية وإقليمية، وتحاول أمام أنصارها تأكيد تصورها لهذه الدعوات بأنها دليل استجداء وضعف، وهو ما يستدعي شحن معنوياتهم وحشدهم للقتال».

وبعيدا عن احتمالية التوصل إلى هدنة مؤقتة في رمضان المبارك، يرى الجليل أن ما يحدث على الأرض حاليا «هو أشبه بالهدنة غير المعلنة، إذ إن جميع الجبهات متوقفة، وميليشيات الحوثي هي من تبادر إلى تنشيطها وتحريكها والبدء بالهجمات ومحاولة تحقيق انتصارات ميدانية، بينما بقية القوات المؤيدة للحكومة والجيش الوطني تقوم فقط برد الفعل، وهو ما يجعل هذه الميليشيا في موقف أفضل على الصعيد الميداني».

إلا أن ذلك – وفق ما يقوله الجليل – يشير من ناحية أخرى «إلى أمر مهم جدا، وهو أن الميليشيا في حالة ضعف وعدم قدرة على التقدم، وإلا لكانت تشن هجماتها في الجبهات، وتحاول التوسع في كل أو أغلب المناطق».

ويتابع بالقول: «إذن فنحن أمام وقائع واضحة؛ لن تلتزم جماعة الحوثي بهدنة حقيقية إلا إذا واجهت هزائم وخسائر كبيرة، وشعرت بالخطر الحقيقي على نفوذها ومكاسبها التي حققتها خلال السنوات الماضية، وهذا لن يتأتى إلا إذا بادرت كامل القوات المناهضة للانقلاب الميليشياوي الطائفي في مختلف الجبهات بالتحرك وحسم المعارك وتطهير الأراضي من نفوذ هذه الجماعة».

سلام مستبعد

ولا يذهب وكيل أول محافظة إب اليمنية الشيخ محمد الدعام بعيدا عن التأكيد على استبعاد حدوث أي سلام قريب في الوقت الراهن مع الميليشيات بما في ذلك إمكانية التزامها بأي هدنة، ويرى في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن إصرارها «على خيار الحرب والدمار يمثل أهم معضلة أمام بناء أي اتفاق سلام»، وأنها تلجأ إلى خيارات الهدنة عندما تلحقها الهزائم لإعادة ترتيب صفوفها.

ويلفت الدعام إلى الدعوة الصادقة التي وجهت للميليشيات الحوثية من مجلس التعاون لدول الخليج العربية من أجل إيقاف نزيف الدم ورعاية اتفاق بين كل الأطراف اليمنية، ويعلق بالقول: «كان الرد الحوثي هو إطلاق الصواريخ والطائرات المفخخة باتجاه السعودية، وهذا يعني أن السلام لا يجدي مع هذه الميليشيا الإرهابية التي لا تؤمن إلا بالقتل والموت والدمار غير آبهة بمعاناة الشعب اليمني بل وتستغل أطفاله وشبابه من أجل مشروعها المدعوم من إيران».

ولا يغفل الدعام الإشارة إلى أن الميليشيات الحوثية تقوم باستغلال الفرقة بين بقية المكونات اليمنية المناهضة لمشروعها، ويؤكد على أهمية الإسراع إلى لملمة صفوف اليمنيين وإزاحة من يصفهم بـ«الفاسدين في جسد الشرعية». ويقول: «إذا توحد الصف اليمني لن يكون هناك شي اسمه الحوثي».

يشار إلى أن المبعوث الأممي غروندبيرغ كان أنهى أسبوعا ثانيا من المشاورات الثنائية مع عدد متنوع من الأطراف اليمنية المعنية في سياق ما يبذله من جهود نحو إرشاد إطار عمله الذي يهدف إلى رسم مسار نحو تسوية سياسية مستدامة للنزاع، وفق ما جاء في بيان بثه الموقع الرسمي الذي يديره مكتبه، وأنه يستعد لأسبوع ثالث من المشاورات التي يعقدها في عمان.

وبحسب ما جاء في البيان التقى المبعوث مع قادة من حزب «المؤتمر الشعبي العام»، وممثلين عن المجلس الانتقالي الجنوبي ومؤتمر حضرموت الجامع، وأجرى لقاءات تشاورية أيضاً مع خبراء أمنيين بمن فيهم مختصون عسكريون وأمنيون وقادة من المجتمع المدني.

وركزت النقاشات – وفق البيان نفسه – «على تصميم العملية متعددة المسارات وتحديد مبادئها التوجيهية وعناصرها، كما شددت على الحاجة إلى إجراءات خفض التصعيد المفضية إلى وقف إطلاق نار كخطوة مهمة لتوفير الحماية للمدنيين وتحسين وصول البضائع وحركة المدنيين».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى