تقرير: “الإمارات”.. درعٌ وسيفٌ في مواجهة الإرهاب المتطرف

تُعَدُّ منظمة التعاون الإسلامي من كبرى التجمعات الإسلامية الحكومية، إذ تضم عدة دول وحكومات مختلفة، وتهدف إلى إعادة توحيد الأمة، من خلال تحقيق المزيد من التعاون والتنسيق بين البلدان المشتركة بها، لذا فهي تُعدُّ من أشمل التجمعات الحكومية. أنشئت المنظمة عقب قمة الرباط عام 1969، التي جاءت ردًا على إحراق المسجد الأقصى، وتضم في عضويتها 57 دولة موزعة على أربع قارات، لذا فهي ثاني أكبر منظمة حكومية بعد الأمم المتحدة، وعُقِدَ أول مؤتمر إسلامي لوزراء الخارجية في عام 1970، وتقرر إنشاء أمانة عامة في جدة.

ووفقًا لأهداف منظمة التعاون الإسلامي فإنها تسعى لمصالح الأعضاء، وتعزيز التناغم الدولي بين مختلف الشعوب، والعمل على محو التفرقة العنصرية، والتنسيق بين الدول للحفاظ على سلامة الأماكن المقدسة، وإيجاد المناخ الملائم لتعزيز التعاون والتفاهم بين الدول الأعضاء والدول الأخرى.

وتضم «التعاون الإسلامي» عدة مؤسسات مختلفة التوجهات، تعمل على خدمة أهدافها، مثل البنك الإسلامي للتنمية، ومؤسسة التربية والثقافة والعلوم، واللجنة الدولية للحفاظ على التراث الحضاري الإسلامي، ومركز البحوث في التاريخ والثقافة الإسلامية، ووكالة الأنباء الإسلامية الدولية ومنظمة إذاعات الدول الإسلامية، ومجمع الفقه الإسلامي.
ووضعت منظمة التعاون الإسلامي الشؤون الأمنية على رأس أولوياتها، سواء من خلال عمليات تقريب وجهات النظر ما بين الدول، مثلما هو الحال في عمليات الإصلاح بين كل من إيران والعراق، وأفغانستان وروسيا، ونامبيا وجنوب أفريقيا، وتهدف تلك العمليات إلى حفظ دماء الشعوب، ومنع تفاقم الأزمات.

وعلى مستوى الإرهاب، اعتمدت المنظمة مدونة السلوك لمكافحة الإرهاب في اجتماع عام 1994، وتوقيع معاهدة منظمة المؤتمر الإسلامي لمكافحة الإرهاب الدولي عام 1998، التى دخلت حيز التنفيذ عام 1999.
وتكتسب تلك الاتفاقية أهميتها من كونها استطاعت وضع تعريف شامل لمفهوم الإرهاب، دون النظر للأسس الدينية أو الأيديولوجية أو الشخصية، وهو ما لم تستطع العديد من المنظمات وعلى رأسها الأمم المتحدة أن تقوم به، وساهم وضع التعريف في تحديد أهداف الدول الأعضاء في مجال الإرهاب، وتفعيل دورها.

وعلى الجانب الثاني، استطاعت الاتفاقية أن تربط مجموعة من الدول التي تعاني من نيران الإرهاب؛ حيث تنشط الخلايا الإرهابية في هذه الدول بكثرة، لذا كان لابد من وجود اتفاقية للمواجهة، خصوصًا وأن تلك الدول من أكثر المناطق التي تضررت بنيران الإرهاب.
ونصت الاتفاقية التي تبنتها منظمة التعاون الإسلامي على وجود تعاون ثلاثي، الأول على الجانب الأمني، والثاني على الجانب القضائي، والثالث على الجانب الإعلامي، وذلك ما بين الدول الأعضاء تحت مظلة المنظمة.

التدابير الأمنية

تعتمد على اتخاذ الدول عدة إجراءات وقائية تمنع حدوث الجرائم الإرهابية، وذلك من خلال منع تمويل الجماعات والمنظمات الإرهابية من قبل الدول الأعضاء، وعدم السماح بتقنين ممارسة نشاطهم على أراضي أي دولة، والكشف عن عمليات نقل وتصدير الأسلحة والذخائر عن طريق تطوير أنظمة المراقبة وتأمين الحدود.

وأكدت الاتفاقية الموقعة بين الدول الأعضاء، ضرورة تبادل المعلومات والخبرات المتعلقة بأنشطة الجماعات الإرهابية وعناصرها، ومصادر تمويلها، وكذلك تبادل المعلومات بسرعة حول أي عملية من المتوقع حدوثها، أو معلومات تساهم في القبض على أي عنصر إرهابي، والمحافظة على سرية المعلومات المتبادلة ما بين الأطراف.

ولا يتوقف التعاون على الجانب المعلوماتي فقط، ولكنه يمتد إلى الجوانب الفنية، من خلال تبادل الدراسات والبحوث بين الخبراء في الدول الأعضاء، وتوفير المساعدات الفنية في صورة برامج ودورات تدريبية مشتركة بين الأعضاء؛ لتنمية القدرات العلمية والعملية بين أجهزة مكافحة الإرهاب بها.

التعاون القضائي

يعتمد التعاون القضائي في اتفاقية مكافحة الإرهاب بمنظمة التعاون الإسلامي على عدة مقومات، على رأسها تسليم المطلوبين للعدالة، وحجز عائدات الجرائم الإرهابية، وتبادل الأدلة، بما لا يسمح لأي فرد أن يهرب بفعلته الإرهابية، بمجرد انتقاله لدولة أخرى، إلا أن المادة السادسة من الاتفاقية أقرت بأنه لا يجوز تسليم الشخص إذا كانت الجريمة ذات صبغة سياسية، أو تنحصر في الإخلال بالواجبات العسكرية، إذا كانت الدعوى قد انقضت أو سقطت العقوبة، أو ارتكبت الجريمة خارج إقليم الدولة الطالبة، وغيرها من النقاط التي حددتها المادة، والتي تمنع تسليم المطلوبين. كما أكدت الاتفاقية على مجالات الإنابة القضائية بين الدول الأعضاء، وحصرتها في سماع شهادة الشهود، وتبليغ الوثائق القضائية، وتنفيذ عمليات التفتيش والحجز، وإجراء عمليات المعاينة، والحصول على الوثائق والسجلات اللازمة، مع نسخ مصدقة منها.

دور الإعلام والتعليم

لم تتوقف اتفاقية مكافحة الإرهاب على مجالات التعاون الأمني والقضائي فقط؛ لكنها امتدت لتشمل الجوانب الإعلامية والتربوية، وهذا يظهر فهمًا كبيرًا للأزمة الإرهابية، فمواجهتها لا تقتصر على الشق الأمني، ولكنها تمتد إلى الجوانب الإعلامية والتربوية والنفسية وغيرها من الجوانب، التي تؤثر بشكل مباشر في ظهور الفرد الإرهابي، لذا نصت المادة الرابعة من اتفاقية منظمة التعاون الإسلامي لمكافحة الإرهاب على ضرورة تعاون الدول في تعزيز الأنشطة الإعلامية لإبراز الصورة الصحيح للإسلام، وإدخال المفاهيم الدينية الصحيحة ضمن المناهج التعليمية للدول، وذلك بهدف تحصين الشباب العربي والمسلم ضد الأفكار الإرهابية التي تروجها الجماعات الإرهابية.

وقد لعبت العديد من الدول العربية دورًا بارزًا في بناء وتنفيذ تلك الاتفاقية، وتعزيز التعاون المشترك ما بين الدول الإسلامية في مجال مكافحة الإرهاب، ولعل دولة الإمارات العربية المتحدة من أبرز الدول العربية النشطة في هذا المجال، إذ قدمت الإمارات عدة أفكار ومشاريع ومساهمات في هذا المجال، أبرزها ما قدمته الشعبة البرلمانية الإماراتية لفريق عمل اللجنة التنفيذية لاتحاد مجالس الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، والذي جاء على هيئة مسودة مشروع الميثاق البرلماني الإسلامي لمكافحة الإرهاب والتطرف في مايو عام 2015.

وأبرزت المسودة الإماراتية أهمية دور التربية والتعليم في نشر الأفكار الإيجابية حول الإسلام، وقيم التسامح والمحبة التي حث عليها الدين الإسلامي، والتأكيد على أخلاقيات الدين الإسلامي السمحة، وإنشاء برنامج دائم للحوار البرلمان ما بين أعضاء المنظمة والبرلمان الأوروبي وبرلمان أمريكا اللاتينية، للاتفاق على آليات مشتركة لمواجهة الإرهاب.
لذا يبرز الدور المهم والفعال الذي تقوم به المنظمة في مواجهة الإرهاب، وتأتي أهمية دور منظمة التعاون الإسلامي أنه جاء من قبل دول عادة ما تتهم بالإرهاب والتطرف، وهو ما يعد رسالة مهمة ودالة إلى دول العالم المختلفة، أن الإرهاب لا دين له، ولا عقيدة، وعملية ربطه بدين محدد ظلم وافتراء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى