مراجيح عدن “الدراهين” تتصدر المتنفسات في العيد

مع حلول الأعياد الدينية، في العاصمة عدن، جنوبي البلاد، يتحوّل أحد الأحياء الحيوية في قلب المدينة القديمة (كريتر) إلى ملهى ألعاب شعبية مفتوح، يتقاطر إليه المئات من الأطفال؛ لقضاء أوقات ترفيهية ممتعة خلال أيام العيد، برسوم مادية بسيطة. منذ عشرات السنين، اعتاد سكان المدينة القديمة على إرسال أطفالهم إلى حيّ “الميدان” بكريتر؛ للاستمتاع بالأراجيح اليدوية، أو ما يُعرف في عدن بـ”الدراهين”، وركوب “جاري جمل”، وهو عبارة عن جمل يجرّ عربة مسطحة لها إطاران، تأخذ عددا من الأطفال في جولة حول بعض أحياء المدينة، والاستمتاع بمسرح الدمى والخدع البصرية المعروف محليًا بـ”الكركوس”، الذي لم يكن حاضرًا خلال أيام عيد الأضحى الأولى من هذا العام. وعلى الرغم من وجود عدد من حدائق الألعاب الكهربائية وأماكن الترفيه الإلكترونية في عدن، إلا أن بعض أهالي المدينة يفضلون “الدراهين” اليدوية والألعاب الشعبية، ويحرصون على المحافظة على ما تبقى من طقوس العيد العدنية التي اندثر معظمها. وقال الطفل ذو الـ9 أعوام، أيمن مهدي، في حديثه لـ”إرم نيوز”، إنه ينتظر قدوم الأعياد حتى يركب “جاري الجمل” و”الطرّادة” التي يقصد بها دراجة نارية ذات أربعة إطارات، للتنافس مع شقيقه الآخر. وذكر أن أكثر ما يزعجه حاليًا هو كميّة العرق التي تتقاطر من وجهة جراء ارتفاع درجات الحرارة في المدينة الساحلية. وعن سبب تفضيل هذه الألعاب الشعبية على حدائق الألعاب الحديثة، يشير والده مهدي عبدالملك إلى أنه كان على ارتباط بمثل هذه “الدراهين” والألعاب الشعبية قبل أكثر من ثلاثين سنة، وهو الآن يلجأ إليها خلال أيام العيد الأولى بسبب قربها من منزله ورمزية أسعارها، فضلًا عن كونها مخرجًا للترفيه عن أولاده إلى أن تنتهي حالة الازدحام في موسم العيد التي تشهدها الحدائق والملاهي الأخرى. وترتبط هذه الألعاب الشعبية ارتباطًا تاريخيًا بسكان مدينة عدن، إذ يقول المؤرخ حسين العمري إن الظهور الأول لـ”الدراهين” في عدن كان قبل أكثر من 120 عامًا. مستعرضًا إحدى الصور القديمة التي قال إنها تعود إلى العام 1900، وتظهر فيها أرجوحة خشبية في إحدى حواري مدينة عدن القديمة (كريتر) يلعب بها الأطفال. ويعتقد العمري، في حديثه الخاص لـ”إرم نيوز”، أن فكرة “الدراهين” في عدن جاءت من الهند، حين كانت عدن مستعمرة بريطانية خاضعة لإدارة نائب الملك في الهند البريطانية حتى عام 1937، قبل أن تتحول عدن إلى إشراف وزارة المستعمرات البريطانية، لكنه لا يستبعد أن تكون الفكرة قادمة من مصر. وقال إن “الدراهين” الخشبية لم تكن مقتصرة على الأعياد ومواسم زيارة الشخصيات الدينية البارزة كـ”الهاشمي والعيدروس” في مدينتي الشيخ عثمان وكريتر، بل ظهرت بعد ذلك في أحياء شعبية مختلفة من عدن. وأشار المؤرخ العمري إلى أن هذه المراجيح كانت شيئًا خاصًا يُسعد الأطفال، في وقت لم تكن فيه ألعابهم موجودة أو يمكن شراؤها لهم، ولذلك انتشرت على نحو واسع في عدن، حتى أصبحت ملتقيات “الدراهين” المختلفة والمتعددة متنفسهم الوحيد، وأكبر فرصهم خلال المناسبات والأعياد. ويرى مدير عام إدارة الفنون التشكيلية في مكتب الثقافة بعدن، محمد عادل سروري، أن مثل طقوس العيد هذه في عدن لها طابع الموروث المرتبط بالذاكرة والمتوارث بين الأجيال منذ عقود. ودعا سروري، في حديثه لـ”إرم نيوز”، جهات الاختصاص المعنية إلى الاهتمام بمثل هذه الألعاب الشعبية التقليدية، ومدّ يد العون لمن يرغب في إعادة إحياء مثل هذه الطقوس التراثية، التي تحافظ على هوية المدينة وطابعها التاريخي الزاخر. وأشار إلى أهمية إضفاء طابع رقابي على مثل هذه الألعاب الشعبية، والحرص على أن تكون آمنة للأطفال وغير مهملة، حفاظًا على سلامتهم؛ “لأن بعض هذه الأراجيح بدائي ويفتقر إلى وسائل الأمان”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى