جنوب 1994م وجنوب اليوم!

عدن24| كتب: عبدالله سالم النهدي

أجزم بأن أي محاولة لاقتحام الجنوب عسكريا باتت نوعا من العبث ، والتفكير في استنساخ أحداث 1994م ضربا من الإحالة ، وإن من يحاول ذلك الاقتحام سيكون مغامرة كارثية العواقب للمقتحمين ، وإن من يصور الجنوب بأنه جنوب 1994م توقف نمو عقل الافتراضي في ذلك عند ذلك العام .

ومع الأسف هناك جنوبيون يرددون هذا الكلام – أيضا – بخوف وقلق وهم بذا يغرسون – دون قصد منهم – بذور الهزيمة المبكرة بفقدان الثقة بالنفس عند الشارع الجنوبي ، والثقة بالنفس هي أساس أي نجاح وانتصار .

وفي تصوري هناك مجموعة من الاختلافات بين جنوب 1994م وجنوب اليوم منها:
الجيش الذي اقتحم الجنوب كان جيشا لدولة قائمة دعائمها ، ونظام له مؤسساته التي تعمل ومن ورائه مجتمع على قلب رجل واحد _ حتى وإن كان ذلك بالإكراه – .

أما الآن فإن أي قوة تحاول اقتحام الجنوب تظل عبارة عن قوات تتبع أفرادا أو جماعات ، فلم تعد هناك دولة قائمة ولا نظام موجود، ولا مؤسسات تعمل ولا مجتمع على قلب رجل واحد ، والراية التي ستحارب تحت لوائها هذه القوات هي في الحقيقة توليفة مجموعة رايات ما بينها من شقاق أكثر مما بينها من وفاق .

كان قوام قوات الجيش الذي اقتحمت الجنوب معظم أفراده وقياداته من الجنوب نفسه ، وكان لديها دافع لا يخفى على أحد حينها لهذا الاقتحام أو قل لاكتساح الخصم وهزيمته ، وهو في رأيي كان أقوى من دافع الحفاظ على الوحدة ، وهذا الدافع ذاته يكاد يكون الآن عند القوات الجنوبية هذه – استنادا إلى نزعة النفس البشرية –  بعد أن تم تفكيكها وتهميشها من قبل حليفها في 1994 م تجاه ها الحليف .

كانت هناك ثغرة في نسيج المجتمع الجنوبي جراء أحداث يناير 1986م وما قبلها من صراعات ، ولذا فقد كان شطر من هذا النسيج في حالة ابتهاج وترحيب ، بل ومؤازرة للقوات المقتحمة والتي كانت طلائعها من أبنائه .

ولكن …..
نسيج المجتمع الجنوبي الآن أشد ما يكون تماسكا عن أي وقت مضى ، فهو بتعدد أطرافه وأطيافه قد تعرض لحالة إقصاء وتهميش ممنهج من قبل النظام بدرجة واحدة دون أن يكون هناك تمييزا أو محاباة لجماعة أو فئة ، وقد تجرع المجتمع الجنوبي ذلك وأدرك أن لا صلاح له إلا بتعاضده والتحامه ، فكان خروج الشعب في مسيرات فك الارتباط بنفس الزخم في مختلف أصقاع الجنوب دون فتور هنا أو تخاذل هناك ، في صورة تكاملية ، وطوى صفحة من الماضي بالتسامح والتصالح ووأد أسباب الفتن .

كل ذلك سيجعل منه سدا في وجه أي قوات تحاول اقتحام أرض الجنوب والسيطرة عليها.

هناك أمر في غاية الأهمية وهو إن القوات المدافعة لم تكن تدافع عن دولة قائمة ، بل كانت تدافع عن ماضي دولة أن جاز لي التعبير . فالدولة التي أعلنها علي سالم البيض أعلنها والقوات المقتحمة على مشارف مدينة عدن ، بعد أن صارت الأرض – أرض الجمهورية المعلنة وناسها – تحت سيطرة ورحمة القوات المقتحمة .

وهنا يبرز سؤال منطقي : لماذا تأخر البيض في إعلان دولة الجنوب ؟ هل كان يأمل في انتصار القوات التي تحارب تحت قيادته ، وبالتالي الاستيلاء على الحكم في صنعاء ، وكانت لديه الشهوة لحكم اليمن كافة من صنعاء .

وحينما رأى الهزيمة شاخصة له ؛ أعلن فك الارتباط ، أي إن فك الارتباط لم يكن بالنسبة له خيار وهدف ،ولكن جاء مجرد نتيجة .

عقلية (( الفيد )) – المدمرة والخطيرة – لم يعد لها وجود في عقلية المواطن الشمالي والجنوبي على حد سواء ولابد من وجود حالات شاذة بطبيعة الحال ، فالمواطن الجنوبي صار هدفه استعادة كرامته باستعادة دولته ، لا ملء جيوبه ونهب ممتلكات غيره .

والمواطن الشمالي يدرك أن لم يعد هناك (( ما يتفيده )) في الجنوب بعد أن استنزفت مقدرات الجنوب خلال المرحلة السابقة من قبل تجار الأرض والإنسان ، وكلهم من الشمال .

كما أنه يدرك ولا شك – أي المواطن الشمالي – إن استماعه لدعاة الحرب على الجنوب سيصير هو مجرد وقود لحربٍ المستفيد الأول والأخير منها هم أمراء الحرب الذين يعرفهم جيدا ، وهم هم – أي أمراء الحرب هؤلاء – الذين أوصلوا البلاد والعباد إلى هذه المرحلة من الانهيار في الشمال قبل الجنوب.  

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى