وانتهت حرب الكلام

كتب ـ هاني مسهور

أربعون عاما وأكثر مضت في حرب الكلام بين النظام الإيراني والولايات المتحدة، الحرب الكلامية الطويلة بكامل تفاصيلها الصغيرة كانت عناوين عريضة في مواجهات لم تتجاوز ضربات محدودة وعلى أزمنة متباعدة برغم ما بين واشنطن وطهران من اشتداد في المواقف بلغت في أزمنة ظرفية إلى مواجهات مباشرة لكنها وفقا لطبيعة الصراع تنتهي بضربة خاطفة.

في مايو 2018 أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، ومنذ ذلك الحدث الاستثنائي وحتى توجيه الولايات المتحدة طائراتها المُسيرة لقتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني في بغداد، كانت حرب كلامية استنزف فيها الطرفان المتخاصمان القوى من حولهما حتى بلغت الأحداث مبلغا مفتوحا على احتمالات لا يمكن التنبؤ بها بما في ذلك حرب مباشرة أو حتى حرب عبر الوكلاء في الشرق الأوسط.

راهنت القوى الأوروبية كما هو النظام الإيراني منذ القرار الأميركي الانسحاب من الاتفاق النووي على عامل الوقت، فهناك اعتبارات أساسية تركز عليها هذا السياق على رأسها الرهان بأن الرئيس ترامب سيخسر انتخابات الرئاسة الأميركية في نهاية 2020.

وتعززت هذه النظرة المتفائلة من القوى الدولية التي لم تستوعب المتغير الأميركي منذ وصول الجمهوريين إلى حكم البيت الأبيض، بأن هناك فرصة أخرى لعزل ترامب حتى قبل الانتخابات الأميركية.

مشكلة في التفكير بأن معادلة خروج ترامب من البيت الأبيض سيكون هو الحل في تخفيف التوتر مع الطرف الإيراني، هذه النمطية الخاطئة تعيدنا إلى سنوات التغوّل الإيراني في المنطقة منذ وصول الخميني إلى حكم إيران في عام 1979.

فمنذ هذا التاريخ حدث التحول عبر اعتقاد مفهوم تصدير الثورة الإيرانية للمنطقة، وإذا كانت هذه المنطقة في أزمة عميقة مع شاه إيران الذي كان يرى بلاده شرطيا للخليج فإن وصول الخميني للسلطة كان أكثر حدة على اعتبار تصدير الثورة وأن إيران تمثل العالم الإسلامي مما فرض تحديا وجوديا لدول وشعوب المنطقة.

ما راهنت عليه إيران وحتى القوى الدولية بأن عامل الضغط على الرئيس ترامب سواء بالعزل الذي يسعى إليه خصومه من الحزب الديمقراطي أو توفير المناخ لخسارة ترامب انتخابات الرئاسة الأميركية تحول إلى نقطة الدفع التي استخدمها الرئيس ترامب لينهي حرب الكلام مع إيران وينقل الحرب لواقع القوة العسكرية المباشرة في تجاوز لم يعرفه الصراع الإيراني الأميركي سوى مرة واحدة خلال الحرب العراقية الإيرانية عندما ضرب الجيش الأميركي الزوارق الإيرانية في الخليج بما سمي آنذاك بحرب الناقلات في مضيق هرمز عام 1982.

الإيرانيون يجيدون حرب الكلام، ويجيدون أكثر من ذلك حرب الأعصاب ومع ذلك فإن الانتقال لهذا الحد غير المسبوق من المواجهة المباشرة يفرض قواعد اشتباك مختلفة بين الطرفين الخاضعين لتأثيرات الضغط، فالولايات المتحدة التي خذلت حلفاءها خلال حقبة الرئيس أوباما في الشرق الأوسط والعالم ليست هي الولايات المتحدة التي تمتلك القوى الدافعة لاستعادة الدور الأميركي في عالم ما بعد الحرب الباردة، وفي المقابل فإن الطرف الإيراني يدرك تماما أن مواجهة مفتوحة مع واشنطن وفقا لهذه المعطيات قد تعني خسارة لما قامت ببنائه في العقود الأربعة الماضية.

الاستقطاب السياسي لن يكون في مصلحة النظام الإيراني الذي عليه أن يتعلم من دروس التاريخ على تجارب كهذه فلم يكن الاتحاد السوفييتي وهو في سنوات قوته قادرا على ترجيح كفة مقابل الكفة الأميركية، ولعل رهانات الأنظمة العربية في صراعها مع إسرائيل تؤكد ذلك وهو ما يجب على الإيرانيين استيعابه عند هذه المواجهة مع الولايات المتحدة.

إلى أين ستذهب حدود المواجهة؟ وهل ستستعين إيران بسياسة الأبواب الخلفية لعقد صفقة مع البيت الأبيض؟ أم أنها ستواصل الحرب على الدم العربي عبر وكلائها في العراق واليمن وسوريا ولبنان؟.

الثابت الوحيد أن حرب الكلام انتهت وأن مرحلة أخرى بدأت بتوازناتها ومعطياتها وحتى بآفاقها الملبدة بكثير من أدخنة العواصم العربية المحترقة بأذرع إيران المتوحشة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى