الشوبجي القائد الحزبي


كتب/ فضل الجعدي

الحديث عن الشهيد يحيى الشوبجي هو حديث عن قائد كاريزمي وهبه الله العديد من الصفات القيادية التي قلما توهب الا للندرة من الناس ، ممن تتوفر بهم العديد من السجايا والصفات والتي تؤهلهم ليكونوا قادة ، ولان الحديث في هذه الورقة يختص بالمحور الحزبي للشهيد الشوبجي فسوف احاول ان التزم قدر الامكان في موضوع الورقة ، رغم ان الحديث عن هامة نضالية كبيرة كالشهيد الشوبجي هو حديث متشعب ، عن الشوبجي الانسان وعن الشوبجي الثائر وعن الشوبجي المناضل وعن الشوبجي كشخصية اجتماعية وعن الشوبجي كمقاوم وعن الشوبجي كأب مكلوم …الخ

لقد كان الشهيد الشوبجي قائدا حزبيا من الطراز الاصيل الذي تشبع بروح ثورة الرابع عشر من اكتوبر وعاش انجازاتها على المستوى الوطني ، وعاصر النعطفات التاريخية لدولة اليمن الديمقراطي ، وتشكل فكر الشهيد وتوجهاته في اطار المبادئ والقيم التي افرزتها تلك المرحلة الثورية التي سادت في الجنوب ، مرحلة الدولة والنظام والقانون ، وكان الشهيد في طليعة العمل الحزبي كسكرتير اول للمنظمة القاعدية في قرية العبارا بمنطقة حجر مديرية الضالع ، وهي منطقة حدودية كانت لها ظروف استثنائية كونها واقعة في خط الدفاع الاول عن دولة الجنوب ، ولذلك والى جانب قيادته للحزب في تلك المنطقة اسندت اليه مهام كثيرة من ضمنها الاشراف على قوات حرس الحدود ومراقبة المهربين وتأمين المنطقة من اي اخطار ، فكان الشهيد في عمل دائم اضافة الى انه كان ايضا من ضمن قيادات لجان الدفاع الشعبي التي كانت مهمتها حل الاشكالات والمنازعات بين الناس في المنطقة ، ولقد ابلي الشهيد بلاء حسنا في تنظيم وقته بين هذا وذاك واكتسب مهارات القيادة الحزبية والمجمعية وعلى السواء ، وكانت المنظمة القاعدية في العبارا من انشط المنظمات القاعدية في تنفيذ المهام الحزبية واقامة المبادرات وتنظيم المسابقات الفكرية والى جانب ذلك العمل بتفاني كبير في تنفيذ كل المهام التي توكل اليها ، ولا غرابة ان تكون المنظمة القاعدية للحزب بقرية العبارا هي اول منظمة دشنت نشاطها بعد حرب 94 مباشرة وعقد اجتماع حزبي موسع في منزل القائد الشهيد يحيى الشوبجي ، في تحد كبير لسلطات الدين والقبيلة والعسكر .

لقد اتسم الشهيد الشوبجي بصفات القائد الحزبي الحقيقي وبالعديد من الخصائص والسمات والمهارات الفنية والإنسانية ، والقدرة على الإقناع والقدرة على العمل مع الآخرين عن طريق استخدام مبادئ العلاقات وتسخيرها لإيجاد جو عمل تزدهر فيه القيم والمبادئ ، عن طريق سماته الحسنة وعلاقاته الواسعة وصفاته التي نال بموجبها الاحترام والتقدير من الجميع ، داخل وخارج منطقته ولقد سخر نفسه لخدمة أبناء مجتمعه وكان صاحب مبادرات وتضحيات ، ذلك ان القادة دائما ما يتكبدون التعب والمشقة من أجل راحة الأخرين ، صادق فيما يقوله ، ولديه من الأخلاق ما أهله ليكون قدوة يحتذى به بين رفاقه وبين الجماهير .

كان الشهيد الشوبجي من مدرسة الحزب النضالية التي كافحت بكل الطرق والاساليب من اجل الوطن والانسان ، وكونه كان قائدا حزبيا فقد تحمل عناء الكثير من المشكلات التي كانت تنشأ ، خاصة ومنطقة العبارا كانت منطقة حدودية مع الشمال ، ولذلك كانت مهمته مضاعفة وقد بذل كثيرا من الجهود المثمرة لاستمرار عمل المنظمة خاصة بعد حرب 94 الظالمة التي افرزت واقعا مغايرا وضربت الاسس والمبادئ والاخلاقيات ، ودمرت كل اشكال الدولة وتجربة الجنوب الفريدة ، غير ان منظمة العبارا بقيادة الشوبجي ظلت استثناء ، وظلت تواجه ببسالة نظام عصابة يوليو الاسود ، ونجح الشوبجي في تحقيق انتصار سياسي كبير في انتخابات 2003 حين فاز في عضوية المجالس المحلية كمرشح للحزب الاشتراكي رغم تسخير كثير من موارد الدولة وامكاناتها وعسكرها لافشاله ، غير انه نال ثقة الناس وتمكن من احراز الفوز وبنسبة اصوات كبيرة ، وذلك يعود الى حنكته كقائد حزبي والى قدرته على حشد الجماهير رغم كل الظروف القاسية التي عاشها الناس بعد تلك الحرب القذرة ..

كان الشهيد الشوبجي يتحلى بمزايا القائد الحزبي وصفاته ، فقد كان على قدر من الثقافة وعلى اطلاع واسع ومعرفة جيدة بأحوال البلد السياسية ، وحظي باحترام وسطه الاجتماعي، وتمتع بشعبية جماهيرية ، وكان ذا ماض نظيف ، وسيرة وسلوك لا يختلف عليهما اثنان من النزاهة ومعاني الشرف والشجاعة والاقدام ، وكان متفهما للواقع الاجتماعي، وللعلاقات والحالة السياسية للبلاد ، وكان يسعى دائما لبناء علاقات جيدة مع الاخرين وبكل بوعي وجد لكسب وددهم وتعاطفهم مع ما يطرح ، ومد جسور التفاهم وزرع الثقة فيما بينهم ، والمناضلة السياسية معا في القضايا التي تهم الجميع كنقاط التقاء ومواجهة الأخطار وحل المشكلات .

عاش الشوبجي مأسي وآلآم نتائج حرب 94 برباطة جأش ، كقائد سياسي ، وعانى الكثير بحكم مكانته ، ولم ينطوي او يتوارى هروبا من الواقع المرير الذي افرزته الحرب ، لكنه ظل محافظا على دوره الريادي في تلمس هموم رفاقه ومشاكلهم والعمل على حلها والمساهمة في دعم كثير من رفاقه ، دعما ماديا ودعما معنويا ، واستمر في نشاطه كقائد حزبي متحملا كل الظروف والمشقات في سبيل انتصار القضية الجنوبية ، وحين اسندت له قيادة منظمة الحزب الاشتراكي بمديرية الضالع بعد انتخابه ونيله الثقة بمؤتمر عام المديرية ، حول المنظمة الى شعلة من النشاط والعمل الدؤوب رغم الامكانيات المحدودة ، وشكل فرق للنزول الى القرى والمراكز التابعة للمديرية لاحياء روح النضال في النفوس ، ودفع الناس الى رفض ممارسات سلطة عصابات يوليو الاسود ، وكونه كان يتمتع بفن القيادة والاقناع والمصداقية استطاع ان يكسر العزلة والحصار المفروض من قبل السلطات العسكرية في الضالع ، ونجحت المنظمة في ممارسة نشاطها وفعالياتها الحزبية وبشكل كبير جدا .

وعند انطلاق ثورة الحراك الجنوبي السلمية كان الشهيد الشوبجي في طليعتها واحد قادتها الفاعلين والمؤثرين ، مساهما في كل تفاصيلها وفعالياتها ومسيراتها ، ولعب دورا كبيرا في تحشيد الناس للمشاركة في كفاحات الحراك السلمي ، وفي المظاهرات الاحتجاجية ،وتحمل من جيبه الخاص مصاريف المواصلات والاكل لكثير ممن كانوا يشاركون في الفعاليات من رفاقه ، ومهمة نقلهم للمشاركة في محافظات اخرى كعدن وابين ولحج ، وكقائد حزبي متمرس كان يجيد فن التأثير وفن الحشد والهاب حماس الجماهير ، باذلا بعطائات سخية وكرم شديد ، وهي احدى الصفات الاصيلة التي تميز بها الشهيد واكسبته حب الناس وتقديرهم ، وفي احلك الظروف كان الشوبجي يوزع الامل والابتسامة على محياه ، ولم نراه قط يائسا او خائفا او مترددا ، حتى حين كان يتعرض للاعتقالات والسجون ، لا تفارق البسمة وجهه ولا يتسرب اليأس الى نفسه التي اتسمت بالارادة الصلبة في كل المنعطفات .

لقد تحلى الشهيد بالجرأة اللازمة وهي احدى صفات القائد الحزبي ، وكان واضحا في رؤيته أمام الآخرين ، نظيف اليد من النواحي المالية ، ونظيف السريرة ، غير حاقد ، بل كان التسامح هو ديدنه ، يشهد له بذلك كثيرون ، لا نقاط سوداء في صفحته ، تمتع بالمصداقية في حديثه ، وكان مرتبط عضويا بمحيطه الاجتماعي وابن بيئته التي انطلق منها دون تعال ، متواضع لا يتعالى لا على رفاقه ولا على الأخرين ، وحظى بقبولهم واحترامهم له ، وكان صاحب مبادرات ، دون تجاهل رفاقه ، أو تخطي المؤسسات الحزبية، وكان ينظر إلى الموقع كمسؤولية لا كامتياز وكأي قائد ناجح كان يعتمد على الرفاق الجيدين ، ويسعى لتقديمهم ، وفسح طريق الصعود أمامهم ، ولم يعتمد على العناصر الانتهازية، والأمعة ، والسهل الانقياد، فمثل هؤلاء يتلون بألف لون ولون، فاليوم هو معك، وغدا ضدك ، ولم يكن متراخيا ولا مجازفا متهورا ، وكان ديمقراطيا متحررا من الخرافة, وما إلى ذلك، متحضرا ومنفتحا للآراء المغايرة لأفكاره ومتفهما للتعددية ، ومؤمنا بالحوار وبناء جسور التواصل .

لقد صقلت التجارب والاحداث شخصية الشهيد ، فكان قائدا محوريا بكل ما تعنيه الكلمة ، وان خسارتنا اياه هي خسارة موجعة بكل المقاييس ، وان الحديث عن شخصية استثنائية كالشهيد يحيى الشوبجي سيظل دائما حديثا غير قادر على الغوص في اعماق الرجل المترع بالقيم والسمات والصفات والمواقف ، وان هذا ما هو الا غيض من فيض الرجل .

المجد والخلود لروحه

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى