يا للهول . . من أين نأتي بميفعٍ آخر!!!


كتب/ عيدروس النقيب
كنت اليوم قد بدأت أشعر ببصيص من الابتهاج وأنا أسمع صوت الزميل الكاتب والمفكر قادري أحمد حيدر وهو يمزح بعد أن أصابني القلق عقب اتصالي به قبل 3 أيام وكان في وضع نفسي وصحي سيئ يثير الانزعاج، لكن ختام المحادثة كان صادما حينما أبلغني بخبر وفاة الزميل العزيز الكاتب والأديب والناقد الأدبي والسياسي، الأستاذ ميفع عبد الرحمن، فأفسد الخبر علي ما تمنيت من البهحة تلك البضاعة النادرة في زمن الحزن والحروب والتجويع والإرهاب.
كان ميفع يعاني من إصابته بجلطة في القلب منذ عدة أشهر وقد بقي في العناية المركزة عدة أسابيع وحينما أبلغنا بعض الزملاء بنبأ خروجه من العناي المركزة، تفاءلنا خيرا، لكن الأقدار لا تعترف بالمواعيد والتفاؤلات ولا تخضع للرغبات والتمنيات.
متابعتي للعزيز ميفع تعود إلى منتصف سبعينات القرن الماضي عندما أصدر أول مجموعة قصصية بعنوان “بكارة العروس” ونالت شهرة كبيرة، وأتذكر أنها فازت بإحدى الجوائز الأدبية على المستوى العربي، لكنها غطت مساحة واسعة من القراءات النقدية خصوصا وأنها في بعض قصصها تتناول عددا من القضايا التي يسميها البعض بـ”المسكوت عنها”، وجاء إصداره الثاني بعنوان “الاستحمام بماء ورد الفرح” ليضيف معطىً جديداً إلى المكتبة الأدبية في الساحة الجنوبية واليمنية.
منذ ذلك الزمن وأنا أتمنى أن ألتقي هذا المبدع الكبير، لكنني انتقلت للعمل في الأرياف وبعدها مباشرة للدراسة الأكاديمية في العاصمة البلغارية “صوفيا” وظللت كغيري أتابع كتاباته عبر الصحف والمجلات، وما زلت أتذكر مقالته الجميلة التي انتقد فيها بعض الظواهر السياسية في منتصف الثمانينات، والتي عنونها “تحسسوا رؤوسكم أيها الكبار”.
وبعد تخرجي ظللت أبحث عن طريقة للوصول إليه حتى جاءت مبادرة الزميل عمر صالح ثابت، الذي كان يعمل مع ميفع بنفس القسم في اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني، فالتقينا على عجل، لكن تواصلاتنا لم تنقطع، خصوصاً بعد تأسيس فرع اتحاد الأدباء والكتاب في أبين، وكانت المؤتمرات العامة والفعاليات الأدبية والمهرجانات الشعرية والقصصية واجتماعات المجلس التنفيذي في عدن وصنعاء محطات للقاءاتنا الدائمة، ولم نختلف قط في قضية أو موقف خصوصا حينما جرى التسلل إلى اتحاد الأدباء وتحويله إلى ملحق من ملحقات السلطة التي لم تدع هيئةً ولا مؤسسةً ولا منبراً إلا واستحوذت عليه.
كان ميفع ذا رأي حر إلى درجة الاستعداد للمواجهة، وكان يتمسك بالصدق مهما كانت تبعات هذا المسلك، وفي إطار اتحاد الأدباء تولى عددا من المهمات، منها رئيسا لعدد من الدوائر في المجلس التنفيذي لاتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين ورئيس فرع الاتحاد في عدن وفي كل الظروف والأحوال كانت روحه الإبداعية تزداد تألقاً وعطاءً بمرور الأيام والسنين.
عندما بلغني نبأ وفاته، حزنت وما أزال حزينا، وتساءلت معلقاً على بعض الكتابات التي نشرت خبر الوفاة: من اين يأتينا هذا البلاء؟
أين يخبئ كمائنه ليتربص بالشرفاء والمبدعين، ويتجنب المفسدين والعابثين.؟
هناك الكثير مما يمكن أن يقال عن هذا الهرم الإبداعي الكبير لكن الجيز يضيق والحزن يربك المشاعر فيسد الطريق على الفكرة والعبارة.
حزني عليك كبير يا ميفع.
أمعقول أن لا نراك بعد اليوم؟
لا أملك يا صديقي سوى أن أترحم على روحك وأصلي من أجلك متضرعاً إلى الله أن يتقبلك في مثواك الأخير آمنا مطمئنا في عالم الملكوت الرباني مغمورا بالرحمة والمغفرة والسكينة والنعيم الأبدي.
لن ننساك ما حيينا أيها الصديق العزيز.
صادق مشاعر العزاء والمواساة، لأسرة الفقيد ميفع وكل أهل وذويه وجميع الأسرة الأدبية في عدن وكل ربوع الوطن، ولكل محبي أديبنا الكبير أينما كانوا.
والحمد لله على السراء والضراء
إنا لله وإنا إليه راجعون

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى