وتبقى معضلة الجيش الوطني هي الأبرز

كتب: د.عيدروس النقيب

تحول “الجيش الوطني” كتسمية، وكمفهوم إلى أحجية أو فزورة عصية على التعريف والفهم، ومن ثم التوصل إلى اتفاق يقنع الجميع أو لنقل القوى السياسية الحية في الجنوب والشمال، بمن هو هذا الجيش ومن هي قياداته، وما هو تاريخه وما هي مؤهلاته ليكون “جيشاً” حقيقيا، و”وطنياً” فعلياً، ومؤهلاً للتعبير عن الوطن ومصالح أبنائه والتصدي للتحديات المنتصبة أمام الوطن.

هناك ثلاثة وربما أربع تفسيرات لـ”الجيش الوطني” الذي يتغنى به الجميع: فالإخوان في التجمع اليمني للإصلاح الذين طوقوا الشرعية بمجرد وصولها إلى الرياض ولحاقهم بها واحتوائها، يرون في مئات الآلاف من الأسماء (الحقيقية والوهمية) التي زجوا بها في سجلات ما القوات المسلحة هي “الجيش الوطني”، الوحيد والحقيقي، ويعرف الجميع أن هؤلاء جاءوا بهم من ميادين الاعتصامات، وعند “كتبتهم”، كانت “الضُمية” تتم على أساس المعيار الحزبي فقط، أي أن مليشيا الإصلاح هي فقط في نظرهم “الجيش الوطني” ولا جيش غيرها، حتى قوات الحرس الجمهوري التي تجمعت في الساحل الغربي، يستكثرون عليها أن تكون جيشا وطنيا ويطلقون عليها “جيش المخلوع”.

الجنوبيون بعامة لا يرون جيشا وطنيا حقيقيا إلا القوات الجنوبية التي ظلت بمنأى عن أي قعل أو حضور على مدى ربع قرن (من 7/7/ 1994م) بعد تدمير الجيش الجنوبي في حرب 1994م، لكنها (أي القوات الجنوبية) وعندما حانت لحظة الحقيقة قدمت وبالتعاون مع الشباب الجدد من المقاومين وبدعم وإسناد قوات التحالف العربي ، قدمت ما أبهر العالم، ودحرت قوات التحالف الانقلابي في أقل من مائة يوم إلى ما وراء حدود الجنوب المتعارف عليها عشية 22 مايو 1990م، وما تبقى تفاصيل لا داعي للخوض فيها.

وما ينطبق على الفريقين ينطبق على الإخوة في حزب المؤتمر الشعبي العام (الملتحقيين بالشرعية بعد 4 ديسمبر 2018م) فـ”الجيش الوطني” بالنسبة لهم هم أولائك الأفراد والقادة الذين قبل بهم الإخوان الإصلاحيين في إطار (جيشهم الوطني) إلى جانب قوات حراس الجمهورية في الساحل الغربي وربما بعض الألوية المقيمة في حضرموت منذ 1994م التي تنقسم بين الولاء لعلي محسن والمقدشي ومن ورائهم حزب الإصلاح، وبين انتظار الإجهار بجيش وطني آخر يتبع المؤتمر الشعبي العام وأحمد علي وطارق وغيرهم.

ولا يمكن أن ننكر أنه حتى الحوثييين ومؤتمرهم الشعبي العام في صنعاء لديهم (جيشهم الوطني) المكون من مقاتليهم القادمين من صعدة، ومن التحق بهم من قوات الطيران والحرس الجمهوري والأمن المركزي، وألوية المشاة والميكا والهندسة ممن لم يقبل بهم الإخوان في مأرب، أو ممن تنقلوا بين من مأرب إلى صنعاء والعكس.
إذن لدينا جيشان وطنيان شرعيان ، كلاهما شمالي، وهما ورثة جيش 7/7/ الذي غزاء الجنوب واستبعد كل حضور عسكري وأمني جنوبي، وثالث حوثي لا يختلف عن هذين الجيشين الوطنيين من حيث الموقف من الجنوب والجنوبيين، ولدينا جيش وطني جنوبي هو امتداد للقوات المسلحة الجنوبية الذي جرى تفكيكها وتدميرها وقتل كفاءاتها، جسديا ومعنويا، وما التحق بقياداته من شباب تواق للحرية والكرامة والدفاع عن الجنوب أظهر في حرب 2015م ومحاربة الإرهاب ما لم يطهره الجيش ذو خبرة نصف قرن من القتال والعسكرية.

جذر المعضلة أن قادة الجيوش الثلاثة ومن وراءهم القوى السياسية التي يعبرون عنها لا يعترفون بجريمة 1994م بحق الجنوب، ولا يقرون أن الجنوب بقي قرابة ربع قرن خارج أي معادلة عسكرية وأن له الحق في التعبير عن نفسه من خلال مؤسسته العسكرية، كما لا يعترفون أساسا بوجدود قضية جنوبية، لها تعبيراتها السياسيية والأمنية والعسكرية وآفاقها المستقبلية، وهذا هو نقطة الخلاف بيننا وبينهم.
وعندما يقولون لا بد من دخول “الجيش الوطني” إلى عدن هم يقصدون لا بد من إعادة احتلال عدن مرة ثالثة من قبل جيوشهم الثلاثة، وقد لاحظنا كيف ابتهجوا أيما ابتهاج لحادثة قصف مطار عدن الدولي أثناء هبوط طائرة اليمنية التي كانت تقل حكومة الشراكة، وراحوا يكرررون . . . . . .ألم نقل لكم أن أبناء الجنوب غير قادرين على حماية المطار والعاصمة؟؟ أكثر من عشر محافظات شمالية سقطت بيد الحوثيين في أقل من أسبوع دون إطلاق رصاصة واحدة، سقطت بمجرد إشهار الكلاشنكوف وأيحانا بدون طلقة حتى من مسدس، كل هذا السقوط و”الجيش الوطني” موجود والحكومة والرئيس قيد الاحتجاز، دون أن تثور لهم ثائرة ولم يغاروا من كل هذا.

إنني أتحدث عن الجيوش الوطنية “الشرعية” أما “الجيش الوطني” الحوثي فالنقاش حوله يطول لكنه هو الآخر ليس له من الوطنية إلا المفردة التي استهلكت في اليمن حتى صار البعض يعتبرها شتيمة، وصار لدينا من يقول “فلان نصاب لكنه وطني” ، والمسؤول الفلاني أو الوزير الفلاني فاسد “لكنه وطني” وقس على ذلك العديد من الألقاب التي أطلقت على الكثير من الوزراء والقادة.

ما ذكرني بهذا هو حديث صديقي وزميلي النائب المحترم والوزير السابق الدكتور نجيب سعيد غانم وهو يتحدث إلى قناة الجزيرة ويؤكد أن سبب حادثة مطار عدن هو عدم السماح لـ”الجيش الوطني” بالدخول إلى عدن، و”الجيش الوطني” الذي يقصده صديقي المهذب والودود جداً، هو الجيش الذي سلم كل محافظة الجوف وثلاثة أرباع محافظة مأرب ونصف محافظة البيضاء ومديرية نهم وما جاورها للحوثيين في معركة لم تدم يومين ولم تطلق فيها سوى عشرات القذائف معظمها في الهواء.

نعترف أن قوات الجيش الوطني الجنوبي هي أقل عددا من “جيوشكم الوطنية” وربما أقل خبرة ومهارة، ومعظم أفرادها وقادتها يمضون أشهرَ دون مرتبات لكنهم لم ولن يسلموا نقطة عسكرية واحدة للحوثيين، ولن يقبلوا أن ينسحبوا إيثاؤاً للسلامة ويتركوا أسلحتهم ومطابخهم ومخازنهم ومعسكراتهم للحوثييين.

أما موضوع الطائرات المسيرة والصواريخ بعيدة المدى، فهي مثلما أطلقت على عدن أطلقت على مكة والرياض وحفر الباطن، فالمجرم المحترف ليس لديه أسهل من تنفيذ الجريمة.

فلا تعايروا عدن وأهلها ولا تتشفوا بالمقاومة الوطنية الجنوبية لنجاح الحوثي في تنفيذ جريمته فقد نفذ أضعافها برغم حضور “جيشكم الوطني” الذي لا ترونه أسداً إلا في عدن والجنوب فقط، بينما يتحول إلى نعامة في مأرب ونهم والجوف.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى