تقرير خاص| في اليوم العالمي للغة العربية.. لغة الضاد بين الماضي والحاضر

عدن 24| تقرير خاص

تُعدّ اللغة العربية ركناً من أركان التنوع الثقافي للبشرية، وهي إحدى اللغات الأكثر انتشاراً واستخداماً في العالم، إذ يتكلمها يومياً ما يزيد على 400 مليون نسمة من سكان المعمورة. 

وقد أبدعت اللغة العربية بمختلف أشكالها وأساليبها الشفهية والمكتوبة والفصيحة والعامية، ومختلف خطوطها وفنونها النثرية والشعرية، آيات جمالية رائعة تأسر القلوب وتخلب الألباب في ميادين متنوعة تضم على سبيل المثال لا الحصر الهندسة والشعر والفلسفة والغناء.

وتتيح اللغة العربية الدخول إلى عالم زاخر بالتنوع بجميع أشكاله وصوره، ومنها تنوع الأصول والمشارب والمعتقدات.

            تاريخ زاخر

يزخر تاريخ اللغة العربية بالشواهد التي تبيّن الصلات الكثيرة والوثيقة التي تربطها بعدد من لغات العالم الأخرى، إذ كانت اللغة العربية حافزاً إلى إنتاج المعارف ونشرها، وساعدت على نقل المعارف العلمية والفلسفية اليونانية والرومانية إلى أوروبا في عصر النهضة، وأتاحت إقامة الحوار بين الثقافات على طول المسالك البرية والبحرية لطريق الحرير من سواحل الهند إلى القرن الأفريقي.

             متى دخلت اللهجات على العربية؟

كان يُعتقد أن اللهجات العربية الحديثة تنحدر من الفصحى، إلا أن الدراسات التاريخية واللغوية منذ القرن التاسع عشر أثبتت أنها لهجة شقيقة لهم، وكلاهما تنحدر من اللغة العربية البدائية.

وقد كانت توجد عدة لهجات قبل الإسلام وبعده، فتطورت من بعضها اللهجات الحديثة (بتأثير من لغات أخرى)، وأخذت بعضها مكانة عالية ومنها تكونت العربية الفصحى المتعارف عليها في العصر الإسلامي.

وتعدد اللهجات كيان موجود عند العرب من أيام الجاهلية، حيث كانت هناك لهجة لكل قبيلة من القبائل، وقد استمر الوضع هكذا بعد مجيء الإسلام.

ومن أبرز الأسباب التي أدّت لولادة لهجات عربية مختلفة في القِدم هو أن العرب كانوا في بداية عهدهم أميين لا تربطهم تجارة ولا إمارة ولا دين، فكان من الطبيعي أن ينشأ من ذلك ومن اختلاف الوضع والارتجال، ومن كثرة الحل والترحال، وتأثير الخلطة والاعتزال، حدث اضطراب في اللغة كالترادف، واختلاف اللهجات في الإبدال والإعلال والبناء والإعراب.

ومن أبرز اللهجات والألفاظ التي كان ياحدث بها الناس الى جانب اللغة العربية الفصحى، عجعجة قُضاعة أي قلب الياء جيمًا بعد العين وبعد الياء المشددة، مثل راعي يقولون فيها: راعج، وفي كرسي كرسج.

وطمطمانية حِمْير، وهي جعل “إم” بدل “أل” في التعريف، فيقولون في البر: أمبر، وفي الصيام أمصيام.

وفحفحة هذيل أي جعل الحاء عينًا، مثل: أحل إليه فيقولون أعل إليه.

 وعنعنة تميم وهي إبدال العين في الهمزة إذا وقعت في أول الكلمة، فيقولون في أمان: عمان.

وكشكشة أسد أي جعل الكاف شينًا مثل “عليك” فيقولونها: “عليش”.

وقطْعةِ طيئ وهي حذف آخر الكلمة، مثل قولهم: يا أبا الحسن، تصبح: يا أبا الحسا، وغير ذلك مما باعد بين الألسنة وأوشك أن يقسم اللغة إلى لغات لا يتفاهم أهلها ولا يتقارب أصلها.

وقد كان التواصل بين أفراد القبيلة الواحدة يَتم بواسطة لهجتها الخاصة، أما عندما يَخطب شخص ما أو يَتحدث إلى أشخاص من قبائل أخرى فيستعمل حينها اللغة الواحدة المشتركة، وقد استمر الوضع هكذا بعد مجيء الإسلام. ويُرجح أن أغلب اللهجات العامية الحديثة تطورت بشكل كبير في زمن الفتوحات الإسلامية، نتيجة هجرة المسلمين العرب واختلاط لهجاتهم ببعض، وثم اختلاطهم مع المسلمين الجدد في بلاد الأعاجم (والتي أصبح العديد منها اليوم من البلدان العربية)، حيث بدؤوا بتعلم العربية لكنهم – وبشكل طبيعي – لم يَستطيعوا تحدثها كما يتحدثها العرب بالضبط، فتكونت لهجات كريولية متأثرة باللغات المحلية، وتطورت عبر القرون حتى تحوّلت إلى اللهجات العامية الحديثة.

              حاضر اللغة العربية

أفضى التقدم العلمي والاستخدام الواسع النطاق للغات العالمية مثل الإنجليزية والفرنسية إلى حدوث تغيرات عديدة في اللغة العربية، حيث أخذت هاتان اللغتان الأجنبيتان تحلّان تدريجياً محلّ اللغة العربية، سواءً كان في التواصل اليومي أو في المجال الأكاديمي.

وفضلاً عن ذلك، قلّ استخدام اللغة العربية الفصحى مع تزايد أعداد الذين اختاروا استخدام اللجهات العربية المحلية، مما ولّد حاجة متنامية إلى صون سلامة اللغة العربية الفصحى بجعلها تتماشى مع متطلبات المشهد اللغوي المتغير في يومنا هذا.

          ماهي اللغة العربية؟

عرّف العالِم ابن جني اللغة على أنّها مجموعة أصواتٍ يُعبّر بها كلّ قومٍ عن أغراضهم، وحيث إنّ الأقوام والأعراق تختلف في هذا العالم، فإنّ اللغات تبعاً لذلك تتنوّع وتختلف، وحتى يصل الأفراد لمرحلة التفاعل والتواصل فلن يستطيعوا ذلك ما داموا لا يشتركون بلغةٍ واحدة، إلا إذا حصلت ترجمة.

فنجد اللغة الفرنسيّة والألمانية والإسبانيّة والإنجليزيّة والعربيّة، وفي إطار الحديث هنا عن اللغة العربيّة فإنها تُعدّ لغةً مشهورةً ومنتشرةً عالميّاً، كما أنّ الناطقين بها كثرٌ في كل مكانٍ، وهي إحدى اللغات الساميّة، وهي واحدةٌ من أبرز اللغات وأصعبها وأكثرها ثراءً بالمفردات، وأكثرها اتّصافاً بالفصاحة، ولا يقتصر وجودها على البلدان العربيّة فقط، بل يمتدّ صدى تأثيرها إلى كلّ جزءٍ في العالم، فما يقارب الـ 400 مليون إنسانٍ يتحدّثها، وتكتسب اللغة العربيّة قداسةً كبيرةً بالنسبة للمسلمين لأنّها لغة القرآن الكريم، وهو الكتاب المقدّس عند المسلمين، ويبلغ عدد حروفها ثمانية وعشرين حرفاً، كما وتُكتَبُ من اليمين إلى اليسار بخلاف اللغات الأجنبية، مثل اللغة الإنجليزية والتي تُكتَبُ من اليسار إلى اليمين.

            علوم العربية

وتتنوّع علوم اللغة العربيّة بين علم البلاغة، بالإضافة إلى علم الصرف، وعلم النحو، وعلم العروض: وهو العلم الذي يختصّ بدراسة بحور الشعر التي يبلغ عددها ست عشر بحراً، وفق تقسيم الخليل بن أحمد الفراهيديّ واضع علم العروض، وعلم المعاني وعلم البديع وعلم البيان وعلم القوافي وغيرها، وقد كانت بين الأدب واللغة العربيّة علاقةٌ تكامليّة، فقد أثرته وحفظها، فاللغة غنيةٌ جداً بالمفردات والتراكيب الجميلة، ولولاها لما نتج أيٌّ من الأعمال الأدبيّة المختلفة، والأدب حماها من الضياع وحفظ اللغة الأصلية التي بدّدها اختلاف اللهجات، تبعاً لاختلاف المناطق، حتى في الأماكن الناطقة باللغة نفسها، فاللهجات تتنوّع ونجم عن ذلك ضياع للغة الأصلية، ووجودها فقط في مجالي التعليم والأبحاث العلميّة في الوقت الحاضر، بسبب اختلاط الشعوب، وبالتالي تأثيرهم السلبيّ بلغاتهم ولهجاتهم على اللغة العربيّة الفصحى، وتحريفها وتشويهها.

ومما يجدر ذكره أنّ اللغة العربيّة تُسمّى أيضاً بلغة الضاد، لأنّها اللغة الوحيدة على الإطلاق في العالم التي تحوي هذا الحرف “ض”، ولكتابتها عدة خطوطٍ أشهرها خطّ النسخ، وخط الرقعة، والخط الكوفيّ، وغيرها.

٢٠٢٠١٢١٧ ٢٠٥٦٤٣

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى