تقرير خاص|سياسة تجهيل مُتعمدة لتدهور التعليم في الجنوب

عدن 24| تقرير: خاص

التعليم هو اللبنة الأولى التي يقوم عليها بناء الإنسان، فإذا صلح التعليم صلح المجتمع، ولا يمكن لأي مجتمع أن يتقدم ويتطور مهما امتلك من ثروات إذ لم يكن التعليم فيه متطور ومتقدم ومواكب لمتطلبات العصر، لا يمكن أن يتقدم أي مجتمع بدون الاهتمام ببناء الإنسان من خلال التعليم السليم.  

وكان التدريس والقطاع التربوي قبل الوحدة أقوى مهنة علمية في الجنوب، فكان خريجو الثانوية العامة فيه يعادلون علميًا خريجي الجامعات في الوقت الحاضر وما فوقها.
  
غير أن الوضع تغير وتبدل بعد قيام الوحدة في عام 1990م، حيث مُورس شتى أنواع التجهيل للطلاب والطالبات في عموم مدارس المديريات والمحافظات الجنوبية، وبرغم تواجد آلاف المعلمين فيها إلا أن كثيرا منهم لا يؤدون مهنتهم بأمانة، وربما يعود ذلك إلى نقص رواتبهم وسياسة التجهيل للتي تُمارس ضدهم.

 لمحة عن التعليم قبل الوحدة

لقد كان التعليم في عدن ودولة الجنوب بشكل عام، يعد ثورة بذاتها، وكان التعليم مجاني في كافة المراحل، يتم دفع ثمنه عن طريق النظام الضريبي العام.

وشكل التعليم في الجنوب ثورة على الموروث  الاجتماعي وبشكل خاص في مجال تعليم الفتاة، وأرتفع إلى أعلى المستويات،  وربط ذلك بحقها بالمشاركة في العمل، وحفظ مكانتها الاجتماعية كشريك فاعل في عملية التنمية، كما أن حملات محو الأمية وتعليم الكبار أحدثت طفرة ملموسة في رفع الوعي المجتمعي بين أوساط واسعة في المجتمع الجنوبي وخاصة في عدن ولحج.

وكانت من دولة الجنوب أول قاضية تخرجت من مدارس عدن قبل الوحدة مع اليمن، ، وأول طيارة و أول مذيعة، وذلك كان على مستوى الخليج.  

 
وفي عام 1985م أعلنت منظمة اليونسكو بأن جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية تحتل المرتبة الأولى في دول شبه الجزيرة العربية من حيث التعليم، وأن نسبة الأمية تساوي 2 % من عدد السكان.

       التعليم بعد الوحدة

شهد ت العملية التعليمية في الجنوب تدهور واهمال كبير، بعد الوحدة، من جانب الحكومات المتعاقبة على الحكم ويكاد يكون المجتمع العدني والجنوبي بشكل عام المجتمع الوحيد الذي يوجد فيه فرق شاسع بين مستوى الأم  والبنت حيث نجد الأم التي أتيحت لها فرصة التعليم  قبل الوحدة مع اليمن مستواها أفضل من البنت التي درست مناهج الوحدة اليمنية والتي من المفروض أنها تطورت مع مواكبة العصر إلى الأفضل وليس العكس.

وتجد الجدة والأم والعمة والخالة تجيد عدة لغات أفضل من ابنتها التي درست مناهج مابعد الوحدة.

ولا توجد دولة في العالم يتراجع فيها تقدم التعليم إلى الأدنى بل يكون العكس من ذلك يتقدم ويتطور ويواكب متطلبات العصر، آلا اننا عندما ننظر إلى الوضع التعليمي في عدن والجنوب عامة، نرى الجمود الذي أصاب العملية التعليمية، وهذا الجمود جعل من عملية التعليم في عموم المحافظات الجنوبية، مجرد عملية روتينية، والمطلع على مناهج التعليم في عدن قبل وبعد  الوحدة، سيلاحظ الفرق الشاسع في كل النواحي، ليس فقط على مستوى المناهج بل إن تردي عملية التعليم طال كل شيء .

    أسباب انهيار التعليم في الجنوب

مسببات تراجع وتردي مستوى التعليم في الجنوب، كانت ممنهجه  عمداً من قبل أنظمة الحكم، فلم يحدث تطوير للعمل التعليمي او اعادته كما كان قبل الوحدة.

وأغلب المدارس لا يوجد بها مدرسين منتظمين بحكم إشكالية الرواتب حيث تعتبر أقل  بكثير مقارنه ابلن دولة الجنوب، بل إن أغلب المدرسين في الأرياف يتم دفع مرتباتهم من أهالي الطلبة المغتربين.

وما نراه من تدهور وانهيار في السلك التعليمي في الجنوب مقارنة مع ماكان عليه قبل الوحدة خاصة في العاصمة عدن، يفصح عن سياسة التجهيل المتعمدة من قبل النظام الذي اقصى الجنوب من كل شي، وذلك كي ينشأ جيل جاهل لا يطالب بحقوقه ولا ينهض بدولته.

      ما ابقته الوحدة قضاء عليه الحوثي

منذ بداية النزاع في مارس 2015م، خلّفت الهجمات التي تعرض لها أطفال المدارس والمعلمين والبنية التحتية التعليمية آثاراً مدمرةً على النظام التعليمي في البلاد كلها وعلى فرص الملايين من الأطفال في الحصول على التعليم.

وقالت منظمة اليونيسف، أن تضرر المدارس وإغلاقها يُهددان فُرص الأطفال في الحصول على التعليم مما يجعلهم عرضة لمخاوف كبيرة فيما يتعلق بحمايتهم.

ولقد مثّل انقطاع رواتب موظفي الخدمة المدنية أحد أكبر التحديات والذي كان له ولا يزال الأثر البالغ على إمكانية الأطفال في الحصول على التعليم في اليمن، ولم يحصل ما يقرب من ثلاثة أرباع معلمي المدارس الحكومية في 11 محافظة على رواتبهم على مدى أكثر من عامين، دراسيين مما تسبب في تعطيل العملية التعليمية لحوالي 3,7 مليون طفل في هذه المحافظات.

       إضراب المعلمين

هذه الحالة دفعت نقابة المعلمين اليمنيين إلى تنفيذ إضراب مطلع عام 2020، بمشاركة عشرات آلاف الأساتذة في مدارس التعليم الأساسي والثانوي، ما أدى إلى حرمان أكثر من 200 ألف طالب وطالبة من حقهم في التعليم.

وشمل الإضراب معظم المحافظات الجنوبية، لا سيما عدن ولحج والضالع وأبين وشبوة ووادي حضرموت.

وقوبل هذا الإجراء بعقد اجتماع دعا إليه رئيس الوزراء معين عبد الملك، مع ممثلي نقابات المعلمين ووزارة التربية والتعليم، أكد خلاله ضرورة انتظام واستمرار العملية التعليمية والتربوية، ووضع مصلحة الطلاب وحقهم في التعليم فوق كل الاعتبارات، في هذه المرحلة الاستثنائية الصعبة التي تمر بها البلاد.

وقد دعت الأمم المتحدة، إلى إعادة صرف مرتبات 160 ألف معلم يمني، المنقطعة منذ عام 2016.

وقال بيان مشترك صادر عن منظمتي “يونيسف” و”يونسكو”، بمناسبة اليوم العالمي للمعلمين “ندعو إلى استئناف دفع رواتب ما يقرب من نصف المعلمين اليمنيين والموظفين في المدارس”.

البيان تطرق إلى ما وصفه بـ”الوضع المزري في اليمن”، بما في ذلك الصراع المستمر والكوارث الطبيعية وتفشي الكوليرا والحصبة وشلل الأطفال والفقر.

وهو ما أدى إلى خروج أكثر من مليوني طفل من المدرسة، كما أن 5.8 ملايين طفل، كانوا مسجلين في المدارس قبل جائحة كورونا هم الآن عرضة لخطر التسرب.

وذكر أنه “مع تعليق دفع الرواتب وتعرض المدارس للهجوم باستمرار، اضطر عديد من المعلمين إلى إيجاد مصادر بديلة للدخل لإعالة أسرهم”.

وناشدت المنظمتان أطراف النزاع في اليمن العمل من أجل تحقيق السلام للسماح بالتعافي والعودة إلى الحياة الطبيعية بخاصة للأطفال، الذين عانوا من العواقب المأساوية لنزاع ليس من صنعهم.

       انهيار قطاع التعليم

البيان حذر من خطورة الواقع التعليمي في اليمن، وأكد أنه “من المرجح أن يؤدي مزيد من التأخير إلى الانهيار التام لقطاع التعليم والتأثير على ملايين الأطفال اليمنيين، بخاصة الفئات الأكثر تهميشاً، كما الفتيات”.

وأثرت الحرب الدائرة في البلاد منذ نحو ست سنوات بصورة مباشرة على قطاع التعليم، حيث يواجه حوالي 200 ألف مُعلم صعوبات معيشية جمة بعد توقف رواتبهم. وما ضاعف الأزمة هو التدهور المستمر لقيمة العملة الوطنية (الريال) مقابل سلة العملات الأجنبية الأخرى، إذ كان متوسط راتب المعلم يبلغ قبل اندلاع الحرب نحو 350 دولاراً، فيما يقدر اليوم بنحو 130 دولاراً فقط.

نتيجة ذلك، قالت “يونيسف”، في بيان لها مطلع العام الدراسي الحالي 2019 – 2020، إن مليوني طفل يمني خارج المدرسة، بسبب العنف المتواصل في البلاد، مشيرة إلى أن الصراع حرم ملايين الأطفال من الحصول على التعليم، بما في ذلك ما يقرب من نصف مليون تسربوا من الدراسة منذ تصاعد النزاع في مارس (آذار) 2015.

ولفتت إلى أن “3.7 ملايين طفل آخرين بات تعليمهم على المحك، حيث لم تُدفع رواتب المعلمين منذ أكثر من ثلاثة أعوام”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى