اتفاق الرياض والانتخابات الأمريكية


كتب / جمال بدر العواضي
يقول الثائر والمفكر الأمريكي مارتن لوثر كينج والذي قاد اشهر حركات الحقوق المدنية في تاريخ الولايات المتحدة: لن يبقى الناس المقموعون على حالهم إلى الأبد إذ أن التوق للحرية يتجلى في نهاية المطاف . معنى المقولة ان المقموعين المضطهدين ينتقلون مع مزيد من الاضطهاد والاذلال من مرحلة الاستسلام والانكسار والصوت المنخفض الى مرحلة الرفض والثورة وبالتالي المقاومة، وكلما كانت المقاومة اكثر صدقا ونقاء كان النصر حليفها. اقتحام الجنوب عام 2015م والمقاومة الشرسة التي ابداها الجنوبيين ضد الحوثيين حتى قبل اعلان التحالف الحرب والدماء التي سالت والشهداء الذين سقطوا جعلت الهوة أكثر اتساعا بين الشمال والجنوب وبالتالي اصبح لدينا معطيات جديدة افرزها الواقع الاجتماعي والسياسي في الجنوب الذي عاش فترة ما بعد 1994م حتى 2015م على أساس مفهوم الشمال المنتصر والجنوب الخاضع المهزوم.
لعب حزب الإصلاح دورا كبير في حرب 1994م وقاتل في صفوفه جنوبيين كما قاتل مع علي عبد الله صالح قيادات جنوبية احتضنها بعد احداث 1986 في الجنوب ولجأت اليه بعد هزيمتها وعلى رأسها عبدربه منصور هادي الذي عينه لاحقا نائبا للرئيس ليضاف للحرب طرفان احدهما يقاتل برغبة الانتقام والعودة للسيطرة من جديد والأخر الإسلامي اعلن تكفير الشعب الجنوبي بأكمله ساعيا بعد اقتحام عدن نشر ثقافة التطرف والتكفير حيث قامت عناصر التنظيم بتدمير الاضرحة والمقابر وبدأ بعضهم يدعوا الى هدم المعابد اليهودية والهندوسية والكنائس التاريخية التي تقع في أماكن مختلفة داخل عدن كما قاموا بتغيير أسماء المدارس والمعاهد الى أسماء قيادات إسلامية بهدف التحضير لسيطرة دينية متشددة على غرار خلافة مصغرة بعد ان أوحى لهم صالح بذلك كنوع من المكافأة بعد اقتحام عاصمة الجنوب عدن في 1994م الا انه لم يمكن الجماعة من تحقيق هدفها لاحقا وكان هذا احد أسباب بدايات الخلاف معهم حيث تم الحد من تطلعاتهم مؤقتا بعد الهجوم الانتحاري الذي تبنته القاعدة على المدمرة الامريكية يو اس اس كول والذي أدى الى مصرع اكثر من 18 امريكي واصابة 38 بجروح وكان سيؤدى الى رد فعل عسكري عنيف وغاضب من قبل الولايات المتحدة الا انه تم تهدئة الأمور بعد تعهدات حكومية بمزيد من الإجراءات الأمنية ضد الجماعات الإسلامية المتطرفة والتي يقع كثير منها تحت عباءة حزب .
الغرض من هذا السرد التاريخي المختصر هو الإشارة والتوضيح ان السيطرة على الجنوب حلم اخواني قديم أعاد التحالف العربي إحياءه من جديد من خلال دعم هذه الجماعة بالمال والسلاح تحت مظلة ما يسمى جيش وطني والذي في حقيقته عبارة عن مليشيات عسكرية وقبلية مسلحة موالية لحزب الإصلاح ظلت تنتظر الفرصة المواتية للانقضاض على الجنوب من محافظة مأرب ليصبح القتال جنوبا هو الهدف الرئيسي وليس تحرير صنعاء من الانقلابيين الحوثيين .
الرئيس عبد ربه منصور هادي الذي يعتبر عمليا منتهي ولايته لكنه يحظى بشرعية دولية يستمدها من قرار مجلس الامن الدولي 2216والذي وضع اليمن تحت البند السابع تحول الى أداة بيد الاخوان المسلمين الذي تحالف معهم بعد ان استوعب تماما انه لم يعد مقبول في الداخل الشمالي او الجنوبي ليصبح همه الأوحد البقاء على كرسي السلطة لأطول فترة ممكنة مهما كانت هشة وهلامية.

إدارة بايدن ومعطيات الواقع الجديد وتوقعات بعودة مبادرة كيري حول اليمن :
يعتقد كثير من قيادات حزب الإصلاح ان الإدارة الامريكية الجديدة القادمة وفوز الديمقراطيين ستصنع فارق كبير لصالحهم على التحالف العربي الذي يعتقدوا انه برعايته اتفاق الرياض واعترافه بالمجلس الانتقالي الجنوبي وقف حجر عثرة امام طموحاتهم نحو التوسع جنوبا والسيطرة على المنافذ البحرية والموارد النفطية والغازية باعتبار الحوثيين في الشمال يعانون من حصار حقيقي ورقابة شاملة على تحركاتهم من قبل التحالف العربي وبالتالي التحرك جنوبا والسيطرة عليه قد يعززمن بناء قدرة عسكرية واقتصادية ضمن نطاق استراتيجي واسع مما يمكنهم لاحقا من الاستغناء عن شرعية هادي والانفراد بالسلطة .
من المهم التذكير ان مبادرة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري طرحت في عهد ألرئيس الديمقراطي السابق أوباما والتي كانت تتضمن الانفتاح على الجميع ومن ضمنهم الحوثيين في اطار منهج شامل سيتضمن في مرحلته الأولى تشكيل سريع لحكومة وحدة وطنية، وانسحاب (الحوثيين) من صنعاء والأماكن الأخرى وتحويل الأسلحة الثقيلة من أيدي الحوثيين وحلفاءهم إلى طرف ثالث (لم يحدده)، على أن تحترم حكومة الوحدة الوطنية الحدود وعدم تهديد دول الجوار.
الا ان الحوثيين لم يتعاطوا بإيجابية مع المبادرة لتأتي الانتخابات الامريكية وتتغير الإدارة الديمقراطية الى إدارة جمهورية جديدة برئاسة ترامب الذي وضع جانبا جميع المبادرات والملفات التي ادارها او عمل عليها الديمقراطيين في عهد أوباما ومن ضمنها مبادرة كيري لإحلال السلام في اليمن.
من المتوقع بعد فوز جو بايدن وعودة الديمقراطيين الى الحكم ان يعاد احياء مبادرة كيري مع إضافة مهمة سيتعامل معها كقوة جديدة استطاعت ان تفرض وجودها السياسي والاجتماعي والعسكري وهي المجلس الانتقالي الجنوبي وبالتالي لن يكون امام الرئيس هادي وشركائه في حزب الإصلاح سوى الاختيار بين امرين :
اما التسريع بتطبيق اتفاقية الرياض وتشكيل الحكومة بشراكة حقيقة للمجلس الانتقالي او ان يتوقعون عودة شرسة لمبادرة كيري تفرض عليهم الحوثيين كشريك الى جانب الانتقالي والاعداد لانتقال سلس للسلطة وإلغاء شرعية هادي.
اود التنبيه هنا ان موقف الحوثيين قد يتغير نحو القبول بالمبادرة خاصة وان النظام الايراني مستعد لإظهار بادرة حسن النوايا للإدارة الأمريكية الجديدة في مقابل العودة للاتفاق النووي.
يعني باليمني ارضوا بواحد قبل ما يفرضوا عليكم اثنين ويمكن ثلاثة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى