حرب 1994 انتجت سياسة خارجية يمنية “أحادية الشطر”

بقلم: مروان هائل

قبل 26 عامًا مضت استسلمت النخبة والقبائل في الشمال لمشاعر الانتصار في الحرب على الجنوب؛ وأسرها مفاهيم “نهاية التاريخ الجنوبي”، و “عالم أحادي الشطر والقبيلة “، وحالت النزعة الانتصارية دون إجراء تقويم رصين لحجم المهام التي لم يتم حلها، مما أدى إلى ظهور فكرة وهمية مفادها أن استقرار النظام والدولة سيحدث تلقائيًا تقريبًا ودون جهود مضنية أو تنازلات مع المعارضين القدامى والجدد، وسرعان ما جاء هذا الانتصار بثمن باهظ ليس فقط مع مجموعة من الأزمات والصراعات الداخلية، وإنما كذلك فشل ومشاكل “خارجية “.

العلاقات الدولية للجمهورية اليمنية مع الخارج بعد حرب 1994 كانت تدار من منظور نظام وعقلية المنتصر في الحرب “الجمهورية العربية اليمنية”، ضاربة عرض الحائط بمفهوم الشراكة مع الجنوب وبالمجتمع اليمني المكون من خليط شمالي وجنوبي ونظام طبقات بدرجات متفاوتة يمتلك مستويات مختلفة من العادات والتقاليد والهيبة والمهنية والدينية والعرقية توحدها الروابط الأفقية والعمودية.

بعد تلك الحرب الغادرة لم تضع الدبلوماسية اليمنية في اعتبارها ولقاءاتها مع ممثلي الدول الأخرى أي اعتبار أو وزن للجنوب وشعبة، ولا للحالة المزاجية الجديدة هناك، بسبب الشعور الفوقي للمنتصر في الحرب والضعف العلمي والثقافي لغالبية الكادر الدبلوماسي والتلاعب في القاعدة المادية للسياسة الخارجية، التي كان يجب تعويضها وتطويرها عن طريق زيادة المزايا في أبعادها غير المادية.

اليوم هناك كثير من الساسة وسفراء اليمن لم يتجاوزوا عالم وجدانهم القبلي الشطري وتبعيتهم للنظام السابق “ج ع ي” ولم ينفصلوا عن البيئة السياسية والثقافية للنظام السابق، ولم يتغلبوا على التفكير النمطي المعتاد لديهم “الشيخ، القبيلة، الهبر”، وعندما تقرا كتاباتهم وتغريداتهم ينتابك شعور بأنك أمام دبلوماسيين وساسة بنكهة واضحة من “ج ع ي”.

الممارسات الشطرية للدبلوماسية اليمنية واستمرارها في إهمال القضية الجنوبية حتى الآن، ما هو إلا “غطاء” لمخاوف من مطالب فك الارتباط الجنوبي، الذي فتح شهية الاستقلال لأقاليم في الشمال تمتلك خصوصية ثقافية وتقاليد وعادات مستقلة وطموح مماثل للجنوبيين، وتسعى منذ وقت بعيد للاستقلال عن هيمنة وبطش رجال الهضبة بساستها ودبلوماسييها، الذين أصبحوا يحبسون أنفاسهم من خلال التشديد على مصطلح الوحدة ومراقبة ما يجري في الجنوب بحذر، مع الإكثار من البكاء و البيانات والتصريحات حول التضحية من أجل الوحدة خشية من مطالب الحكم الذاتي في الشمال.

السكان في الجنوب والشمال إخوة سواء بالوحدة أو بدونها، وهم الآن في نهاية دورة تاريخية من التغيير، وعدد من الاتجاهات التحويلية لا تزال تكتسب زخما، ولن تظهر نتيجة تأثيرها بالكامل إلا بعد الانتقال إلى هذه التحولات، التي لن تنتظر طويلاً، ولكن ستكون مؤلمًة وضرورية للغاية للجميع، ليس فقط لأولئك الذين اعتبروا الخاسرين بعد حرب 1994، ولكن أيضًا لأولئك الذين اعتقدوا أنهم الفائزين، ولا زالوا يجهلون أن ثورة المعلومات الإلكترونية جعلت إخفاء قضايا الشعوب ضرب من الخيال.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى