أزمة جنوب اليمن.. الخيارُ العسكري يتراجع

عدن24 | يعقوب السفياني

تُشّكل الأزمة في جنوب اليمن بين الحكومة اليمنية التي تسيطر عليها جماعة الإخوان المسلمين، والمجلس الانتقالي الجنوبي، منعطفاً تاريخياً هاماً قد يحدد ملامح الخارطة السياسية القادمة في المنطقة. هي أزمة ترتدي ثوبا “قشيبا” للنزاع التاريخي الممتد لثلاثة عقود من الزمن بين قوى الحراك الجنوبي، الهادفة لاستقلال الجنوب، وتكتلات وحدة 22 مايو/ آيار، إلا أنّ متغيرات كثيرة طرأت على الأرض، موازين القوى تبدلت واستطاعت قوى الحراك الجنوبي – مندمجة مع قوى وطنية وأصولية جنوبية – أًن تُحدث نقلة نوعية في مسار استقلال الجنوب، عبر تشكيل المجلس الانتقالي الجنوبي، بأطره السياسية والدبلوماسية والعسكرية المتينة.

معارك عدن.. الأزمة اتخذت بُعداً آخر

فمنذ تشكيله في مايو 2017، استطاع الانتقالي الجنوبي إحراز انتصارات كبيرة على حساب الحكومة اليمنية، وهو ما تسبب في انفجار أزمة سياسية أخرى في البلد الملتهب، إضافة إلى الأزمة في الشمال مع الجماعة الحوثية وحلفائها من المؤتمر الشعبي العام والقبائل. بدأ النزاع جنوباً يأخذ منحى أكثر عنفاً بعد مناوشات عسكرية خفيفة ما لبثت أن تحولت إلى نزاع عسكري شامل انتهى بطرد قوى الحكومة اليمنية من العاصمة “عدن” والمحافظات المجاورة لها، أعقاب اغتيال القائد العسكري البارز منير اليافعي في 1 أغسطس 2019 في عدن، ثمّ تطور النزاع إلى مستوى أكثر تقدماً عندما نجحت قوى الحكومة اليمنية مسنودة بقبائل من محافظات شمالية دخول محافظة شبوة، وطرد «النخبة الشبوانية» – الموالية للانتقالي- من المحافظة، والتقدم صوب محافظة أبين، البوابة الشرقية لعدن، نهاية الشهر نفسه.

سعت أطراف الأزمة جنوباً – الحكومة اليمنية بشكل متزايد – إلى حسم الأزمة عسكريا، وأضحى الخيار العسكري الخيار الأكثر واقعية بالنسبة لهذه الأطراف، وكنتيجة حتمية لهذه الإستراتيجية، اندلعت المعارك مجدداً وبشكل أكثر عنفاً، حاولت الحكومة اليمنية مرات عديدة التقدم صوب محافظة عدن، متخذة من محافظة شبوة المحاذية لمعقل الحكومة – محافظة مأرب – منطلقاً لحملاتها العسكرية على عدن، إلا أنّ الحرب التي اتخذت من محافظة أبين مسرحاً لها في مايو هذ العام، كانت سجالاً بين الحكومة اليمنية والانتقالي الجنوبي، لتتحول في الأشهر الأخيرة إلى استنزاف كبير لقوى الحكومة، فقدت فيه قيادات من الصف الأول، إضافة إلى المئات من الأفراد، وهو ما كبح جماح النزعة الحكومية لدخول عدن على متن الدبابة، وأضحى الخيار العسكري أقل فاعلية بالنسبة للحكومة، إن لم يكن شبه معدوم .

الأمل بحل سياسي للأزمة أصبح أقوى

على خطوط متوازية مع الحرب على الأرض، بُذلت جهودٌ كبيرة من المملكة العربية السعودية، المترأسة للتحالف العربي – اللاعب الإقليمي الأقوى في اليمن والوصي الأممي على البلد -. جهود المملكة الحثيثة هدفت لإيجاد آفاق أخرى لإنهاء الأزمة جنوباً، بعيدا عن الخيارات العسكرية المدمّرة، تفاوض طرفا الأزمة في إحدى مدن المملكة لأسابيع، فيما عرف لاحقا باسم “مفاوضات جدة”، التي تمخض عنها اتفاق الرياض، إلّا أن الأخير دخل في نفق مظلم بالتوازي مع التصعيد العسكري في أبين لأشهر، قبل أن يلوح نور في نهاية النفق يبشر بحل سياسي للأزمة، خصوصاً مع تراجع الخيار العسكري لطرفي الأزمة على حد سواء.

شَمل اتفاق الرياض شق سياسي وآخر عسكري وأمني. يتمثّل الشق السياسي بحكومة مناصفة بين الجنوب والشمال. شكّلت هذه “المناصفة” إحدى أهم العقبات على طريق إعلان هذه الحكومة الجديدة، قبل أن يتم حلّها – وفقا لتسريبات. أما الشق العسكري للاتفاق فينصّ على سحب متبادل للوحدات العسكرية، ودمج كافة التشكيلات الأمنية والعسكرية تحت وزارات موحدة ضمن الحكومة الجديدة، ويعتبر هذا الشق من الاتفاق مثار شكوك وريبة كثير من المراقبين، حول مدى التزام طرفي الأزمة به، إلا أنه أكثر احتمالا، خصوصا مع قرب انفراج الأزمة سياسيا، وتشكيل الحكومة.

احتمالات الفشل

تُشير بعض التنبؤات السياسية إلى احتمال كبير لفشل اتفاق الرياض، وإجهاض العملية السياسة جنوبا، والعودة بالأزمة إلى نقطة الصفر. إضافة لانعدام الثقة المتبادلة بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي، ومع شيوع حالة من الحذر الشديد والتوتر الأمني والعسكري في نقاط النزاع، إلا أنّ المخاوف الأكثر من فشل اتفاق الرياض تمثله التنبؤات نفسها! صُنّاع القرار في طرفي الأزمة يُطالعون التنبؤات المبنية على افتراضات وبعض معطيات الواقع، وهذا يُنذر بتحوّلها إلى “التنبؤ المحقق لنفسه” كما تحدث عنه “آرنست ناجل”، وهو التنبؤ الذي لا يكون له صلة بالواقع ولكن يتم التصرف بناء عليه، فيتحقق ذلك التنبؤ نتيجة للإيمان به وليس نتيجة للحقائق. المخاوف تتزايد من احتمالية سلوك صُنّاع القرار في طرفي الأزمة مناخاً يُفضي لتحقق تنبؤ فشل اتفاق الرياض.

ماذا بعد نجاح اتفاق الرياض؟

في أحسن الأحوال، سينجح اتفاق الرياض في حل الأزمة جنوباً، ولو بشكل جُزئي، إلا أنّ الاتفاق لا يعني بالضرورة نهاية الأزمة إلى الأبد. فمع شمال تحكمه حكومة ثيوقراطية على النمط الإيراني “ولاية الفقيه”، وتدخلات إقليمية متزايدة باطراد في الآونة الأخيرة، تبدو الأزمة اليمنية أبعد ما تكون عن الحل.

ومن التساؤلات الملحّة التي تضع نفسها: ماذا بعد اتفاق الرياض؟ هل سيتم استئناف عملية المفاوضات التي ترعاها الأمم المتحدة بين أطراف الأزمة اليمنية؟ والسؤال الأكثر أهمية، ما دور الانتقالي الجنوبي في هذه المفاوضات؟ هل سيذهب الانتقالي الجنوبي ضمن قوام الحكومة الشرعية أم سيذهب كطرف ثالث فاعل ويملك قوة عسكرية كبيرة على الأرض؟ هل سيستمر مشروع الدولة الإتحادية والأقاليم الذي تُسوّق له الحكومة الشرعية، وهو المشروع الذي يرفضه الانتقالي جنوباً والحوثي شمالاً؟

أسئلة كثيرة تُحددها المراحل القادمة وتبقى الإجابة عليها في الوقت الراهن مجرد تكهنات، إلا أن الشيء الحقيقي والمؤكد الآن هو استحالة الحل العسكري للأزمة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى