رسالة مفتوحة إلى إخواننا في شقرة

كتب- أحمد عمر بن فريد
في (قرن الكلاسي) تتجمع منذ فترة زمنية ليست بالقصيرة جموع عسكرية تتبع ما يسمى بالشرعية اليمنية ويقع ضمن أهدافها بحسب ما يشاع ويصرّح به أركانها الوصول والهيمنة على مدينة عدن عاصمة الجنوب بقوة السلاح. ولأنّ هذه المهمة تكاد تكون مستحيلة النجاح عسكريا لأسباب عديدة، سنأتي على ذكرها، إضافة الى أنّ عواقبها ستكون وخيمةً جداً على مختلف الأبعاد، إلاّ أنّها في الأساس فكرة (شيطانية – خبيثة) تخلّقت في رحم بيئة موبوءة بالضغينة والكراهية، وتولّدت عن عقلية (مختلة – حاقدة) على الجنوب العربي وقضيته وشعبه وتستمد قدراتها وطاقتها التحشيدية من إمكانيات مادية وعسكرية أُتيحت لها من قبل التحالف العربي لغرض تحقيق أهداف عسكرية أخرى أعلن عنها التحالف يوم انطلاق عاصفة الحزم قبل خمس سنوات تقريبا، والتي قضت بدحر المشروع الإيراني من اليمن، الذي يهدد بشكلٍ فاعلٍ وقويٍ الأمنَ القوميَ للمملكة العربية السعودية على وجه الخصوص والأمنَ القوميَّ العربيّ بشكلٍ عام ناهيك عن اقتلاعه الكامل للنظام الكامل في صنعاء من جذوره والذي كان يمثّله عبدربه منصور هادي شكلياً.
فشلت هذه العقلية الحاقدة، التي يقودُها علي محسن الأحمر والتي تستقطب حولَها جموعاً غفيرة من المنتفعين وتُجّارِ الحروب، في تحقيق أيّ إنجاز عسكري يُذكر فيما يخص الهدف الرئيسي المعلن لعاصفة الحزم. فذهبت بعد ذلك وكنوع من التغطية على هذا الفشل الاستراتيجي نحو خوض “معارك جانبية” مع الطرف الجنوبي، الذي كان ولازال الطرف الأقوى والأكثر قدرة على تكبيد مليشيات الحوثي خسائر عسكرية في مختلف الجبهات. ولا أبالغ في القول أنّ هذا الفشل الذريع لقوات الشرعية اليمنية أو الجيش الوطني قد انعكس سلباً على السمعة الدولية لدول التحالف العربي على كافة المستويات.
لكنّ، من المفارقات العجيبة والغربية والتي ترتقي إلى حد “المسخرة” و “المأساة السوداء” في وقتٍ واحد، في الوقت الذي تُعزّز فيه هذه العقلية الشيطانية تواجدها عسكرياً في شقرة وبعض مناطق الجنوب العربي تكون قد تكبّدت في جبهات “فرضة نهم” و”الجوف” خسائر لم تخطر على بال أكثر المتفائلين من قوات الحوثي حتى وهم في حالة انتشاء فكري تحت طائلة تأثير القات وقت الظهيرة. ولقد شاهد العالم كله قوافل وأكوام مكدّسة من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة التي خلّفتها قوات الجيش اليمني إثر خسائرها الفاضحة في تلك الجبهات حتى باتت اليوم مليشيات الحوثي تدقُّ أبواب مدينة مأرب عاصمة المحافظة ولا يحول بينها وبين دخولها المدينة إلا ضربات القوات الجوية للتحالف العربي.
لكن هذا “العار الأسود” لم يكن كافياً لأن يشعر الجنرال العجوز الأحمر بشيء من الخجل ليس من نفسه ولا من الذين معه ولكن حتى من مضيفيه في الرياض، فذهب يدفع بقواته إلى حيث لا يتواجد الحوثي من مناطق يتواجد فيها الحوثي بكثافة في معادلة عسكرية لا يوجد لها مثيل في كل تاريخ الحروب! ويا للأسف لم نجد من التحالف العربي من يقول له بصوت مسموع وبعبارة مهذبة: ماذا تفعل يا رجل؟!
هذه الرسالة ليست خاصة بعلي محسن الأحمر الذي يمتلىء تاريخه بالحروب والدماء والدمار وهو آخر ما تحتاجه اليمن في هذه المرحلة بالذات ولكنني أوجهها الى إخواننا الجنوبيين “المغلوب على أمرهم” ضمن حشود قوات شقرة، ونحن نعلم تماماً أن الأغلبية الساحقة منهم لا يتواجدون هناك تعطّشاً لدماء إخوانهم الجنوبيين في الجهة المقابلة، وليس إيماناً بأهداف الحرب التي يقولون أنهم سيخوضونها في عدن، من أجل تعميد مبدأ ” الوحدة أو الموت” الذي كانوا ولازالوا ضمن ضحاياها، وليس حتى بدافع مناطقي مريض نعلم تماما أنه لم يعد له وجود إلا في عقليات قليلة من أصحاب الفيد والغنائم التي تستخدمه فقط للتحشيد البشري فيما هي تعمل على تكديس مئات الملايين في حساباتها البنكية في الخارج.
… إلى المواطن أو الجندي الجنوبي الذي تم تجنيده وترقيمه في شقره تأهّباً للدفع به الى محرقة جنوبية – جنوبية أقول له ما يلي:
أولا: شاهدت بكل تأكيد – كما أسلفت – حجم الأسلحة بمختلف أنواعها التي غنمها الحوثي في معاركه ضد قوات الشرعية في جبهات (نهم – الجوف – مأرب)، وسمعت وشاهدت عناصر مليشيات الحوثي وهي تُحصي تلك الغنائم العسكرية بتفاخر وتقول أنّها ستكفيها للحرب عشر سنوات قادمة! لكنّك بكل تأكيد لم تشاهد تقريبا قطرة دم واحدة لجندي من قوات الشرعية، لأنها ببساطة فضّلت أن تنسحب وتترك كل ما لديها من أسلحة غنيمة ثمينة في يد الحوثي، وربما سمعت كيف أنّ قوات الأحمر قد انسحبت من الحزم عاصمة الجوف ليلاً دون أن تخوض معركة جادة مع الحوثي! وشاهدت قبل ذلك صورة تجمع أمين العكيمي مع قيادات حوثية قبل أن تُسلّم لهم الحزم في جلسة سلام. هذا الرجل الذي يقول اليوم أن على قوات المجلس الانتقالي أن تسلِّم له عدن عاصمة الجنوب وهو الذي سلَّم الحوثي عاصمة محافظته الحزم التي كان هو محافظا لها! كلُّ هذا الذي حدث ويحدث أمامك أخي الجندي الجنوبي ألا يثير في ذهنك علامات استفاهم وغضب؟ ألا يدفعك هذا إلى التفكير الجاد في الأهداف الحقيقية التي يُراد لها أن تتحقق عبر دمك ودم إخوانك في الجهة المقابلة في عدن لا سمح الله! ألا يحزنك أن تُقتلَ أنت أو تَقتل بيدك أخاً لك في عدن حتى يأتي في آخر المطاف هذا العكيمي أو المقدشي او الأحمر كي يضع على رأسه تاج الانتصار فيما أنت تقف ضمن صفوف جنود الشرف الذي هو في جوهره صف جنود العار الخيانة!
ثانيا: لماذا في رأيك تتواجد هذه القوات الشمالية التي تتبع مليشيات حزب الإصلاح إلى جانبك في شقرة ولا تتواجد في مأرب أو تدافع عن الجوف؟! لماذا هي مهتمّة بما تسميه تحرير عدن أكثر مما هي مهتمة بتحرير صنعاء أو على الأقل تحرير الحزم عاصمة الجوف أو الدفاع عن مدينة مأرب المهددة؟! ألم تحاول ان تجد لنفسك جواب على هذا السؤال المحوري البالغ الأهمية!! هل حاولت ان تطرح هذه التساؤلات على القيادات الجنوبية التي جندتك ودفعت بك الى هذا الموقع الخطير؟ هل حاولت أن تتناقش معهم في هذا الأمر؟  حسناً.. أنا سأخبرك لماذا. الهدف من السيطرة على الجنوب عبر صراع (جنوبي – جنوبي) بدلاً من السيطرة على مناطق يحتلها الحوثي هو في الحقيقة هدف في غاية الذكاء والخبث في نفس الوقت.
إنه يا عزيزي استغلال رخيص لعوامل كثيرة جنوبية حتى تكون حطب الوقود للجسد الجنوبي المنهك الذي سوف يحترق بهذه النيران المستعرة بوقود قذر يُصبُّ عليها لتأجيجها، وحينما تخمد نيرانها وتكون الأجساد الجنوبية قد تفحمت وسط لهيبها وتكون العناصر الناجية من المحرقة قد أُنهِكت وملأتها جراحُ الأحقاد وضعفت حينها ستجد هذه العناصر الشمالية مخرجاً وحلاً سياسياً مع الطرف الآخر منهم “مليشيات الحوثي” ضمن جهود دولية لا يهمّها من احترق ومن مات ومن بقي من الجنوبيين فيها، ولن يهمّها قضية جنوب ولا هم يحزنون. وكل ما يهّمهم حينها هو ما يطلقون عليه دوليا بـ “انهاء النزاع “. وسوف يتسيّد الموقف يومها قوى سياسية وعسكرية تتبع حزب التجمع اليمني للإصلاح ومليشيات الحوثي الذي سيطلق عليها رسميا من قبل الجميع مسمى “أنصار الله”. وأما الجنوبيين الذي ساهموا في تلك المحرقة الغبية فسيلقى على قادتهم بالفتات من المال والمناصب وسيلقى على جنودهم بـ” فتات الفتات “. وكلّ ذلك مغموسا بمعاني الخزي والذل والعار. فهل هذا ما تسعى له وترجوه؟ وهل هذا هو الشرف والكرامة الذي تبحث عنه؟
ثالثاً: استنادا إلى ثانياً. وهو أصل المأساة وفصلها وهو النسخة الجديدة المكررة و”المسخرة” من نسخة حرب احتلال الجنوب صيف 1994، هي نسخة تعتبر النسخة الأقذر والأبشع، لأنها إن حدثت ستكون القاتلة التي سيصعب بعدها أن تتعافى الجراح التي اراد لها شيطان الشمال علي محسن الأحمر أن تصل الى العظم الجنوبي لتُوهنه بل وتهشّمه وستترك فيه علامات وشم لا تُمحى كنتها العار والهوان ومضمونها الغباء والسذاجة، والتي ستؤكّد ليس لنا وحدنا وإنما حتى للعالم من حولنا بأننا لسنا جديرين بهذا “الجنوب العربي” المعطاء، وأن من هو جدير به وبإدارته هو من تمكّن منه “عبرنا ” وعبر غبائنا مرتين. فهل بالله عليكم يوجد عار وهوان أكبر من أن تكون شريكا في هذه المؤامرة التاريخية على الجنوب؟!
إنّ هذه المأساة التي تخطط لها الشياطين يمكنني أن اصفها إن حدثت لا سمح الله بأنها “محرقة الجنوب التاريخية “. رغم ثقتي المطلقة بأنّ القوات الجنوبية المتمركزة في عدن تملك المقدرة الكاملة على رد العدوان بل وسحقه لأنها تمتلك الإرادة القتالية أولاً، ولأنّها تملك الحقَّ ثانياً، ولأنّها تملك السلاح الفتاك ثالثا. لكنّ الشيطان الذي يُخطّط للمحرقة يعلم أبعادها الحقيقية التي يُمكن صرفها إعلاميا بتأجيج بُعدها المناطقي مع كامل اعتزازنا بما تقوم به جيوش المقاومة الجنوبية في محافظتي شبوة وأبين من تقطيع أوصال هذه القوات الغازية.
رابعاً: نحن نعلم أن الآلة الإعلامية التي تساند جنرالات الحرب وخدّامهم في شقرة تبث بهستيريا موجات من الإشاعات المغرضة التي تهدف الى زيادة الاحتقان في النفوس والتشكيك في مشروعنا الجنوبي الوطني، وهذه مسألة طبيعية عليكم أن تُدركوها وتتيقّنوا منها وعليكم أنّ تدركوا أنّ هناك أطراف إقليمية ودولية تدعم هذا التوجه بكلِّ ما تملك من إمكانيات وهامش لوجستي متاح وهي (قطر – تركيا). لكن عليكم أن تُدركوا لمواجهة هذا الموجه الإعلامية القذرة الموجهة ضد مشروعنا الوطني ما يلي:
1 – إنّ المجلس الانتقالي الجنوبي لا يملك حاليا موارد الدولة ولا يديرها حتى يُمكن أن يحاسب على أي تقصير خدماتي هنا أو هناك. ولا زالت حكومة الشرعية هي التي تقبض موارد الدولة بما في ذلك الموارد النفطية والموانئ وتنهبها ولكم فقط بمنفذ الوديعة وموارد النفط والغاز والجمارك مثالاً على ذلك.
2 – إن الجنوب والشمال معا يعيشا مرحلة اللادولة. وهي مرحلة تكاد الفوضى والتخبط أن تكون هي التي تنظّم الحياة وتسيّرها، ومن هنا لا يُمكن أن نحكم على مستقبل الجنوب منطلقين من محددات هذه المرحلة الفوضوية.
3 – رغم أنّ حالة الفوضى هي السائدة وهي التي تدار من قبل حكومة الشرعية، إلّا أنه وبكل تأكيد تتواجد في قلب هذه الفوضى قوى تخلق منها حالات وأحداث مؤلمة مصطنعة لغرض إظهار الأسوأ في الجنوب.
4 – نحن لا ننكر أن هنالك أخطاء قد تحدث هنا أو هناك. فلسنا ملائكة ولا نعيش في مدينة فاضلة. لكن هذه الأخطاء التي قد تحدث لدينا، يحدث مثلها في أكثر دول العالم تطورا ورقيا وإلا لما كانت هنالك حاجة الى المحاكم والقضاء والقانون.
خامسا: نعلم تماما أنّ دافع العوز والحاجة المادية هي التي تدفع بكم الى الانخراط في هذه القوات العسكرية المتواجدة في حالة مواجهة مع الجنوب ومشروعه الوطني. فلا بأس من ذلك ..! خذوا رواتبكم فهي حقٌّ لكم وليس لأحد أن يمنّ بها عليكم، فهي في الأصل أتت من ثروات بلادكم أو هي من ميزانيات التحالف العربي ولم تأتي من ثروات علي محسن الأحمر المقدرة بمئات الملايين من الدولارات التي نهبها من ثروات الجنوب. تمتعوا بحقّكم في هذه الرواتب وتمكنّوا من الأسلحة التي تُمنح لكم، ولكن إيّاكم أن توجهوها الى صدور اخوانكم الجنوبيين بأي حال من الأحوال. وتذكّروا أنّ دماء الجنوبيين في عدن في الصراعات الماضية في أغسطس لم تُسفك أبدا وتغلبّت الحكمة الجنوبية على الجنون وكانت الكلفة البشرية قريبة إلى أدنى حدودها عكس ما كنت ترغب فيه قوى الشر التي تتبع الأحمر وأعوانه وعلينا جميعا مواصلة هذا النهج وعدم كسر قواعده.
سادسا: هي حقبة زمنية فاصلة نتحمل جميعا فيها المسؤولية ليس فقط في حماية مشروع وطني نحلم به جميعا، وإنما في حماية مستقبل وتاريخ ومصير يتأرجح ما بين أيدينا جميعا. فإمّا أن يَسقُط ونسقط معه جميعا وإمّا أن يبقى ونبقى معه كلنا. ونحن قد اخترنا أن نبقي هذا الحق حياً وهو لن يكون كذلك إلّا حينما نكون حريصين على حياتكم مثلما نحنُ حريصين على حياتنا. فهل وصلت الرسالة؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى