انسحاب يتبعه انسحاب

مقال لـ د. أحمد عقيل باراس

قرار الرئيس الامريكي سحب قواته من سوريه برغم اعتراض وزير دفاعه على هذا القرار و تحفظ فرنسا و بريطانيا و دونما اكتراث بما يعني هذا الانسحاب على حلفائهم الكرد و على قضيتهم و يثبت يوما بعد يوم حقيقه تعامل الامريكان مع حلفائهم و هذا ليس غريبا عليهم فقد سبق و فعلو هذا الشي نفسه في العراق اذ تخلو عن كل القوى التي وقفت و تعاونت معهم و رحلو و لم ياخذوهم معهم حتى مترجميهم العراقيين تركوهم يواجهون مصيرهم لوحدهم ليسحلو في شوارع بغداد و الموصل و الانبار و قبله فعلو ذلك في افغانستان و فيتنام و لم يستثني الامريكان اي من حلفائهم سوى كانو دولا ام قاده ام قوى محليه سرعان مايتخلون عنهم بمجرد ان ينتهون من تحقيقهم لاهدافهم تخلو عن مبارك و بن علي و صالح بدون شفقه او رحمه و بدون ان يعطونهم حتى مكافاه نهايه خدمه تماما مثلما سبق وتخلى الامريكان عن الشاه و بينوشيه و باتستوتا و غيرهم .

ان الخاسر الاكبر في سوريه اليوم من الانسحاب الامريكي هم ( قسد ) قوات سوريه الديمقراطيه ( الكرديه ) التي تحالفت مع الامريكان في الحرب التي شنتها امريكا على الإرهاب و كانت هذه القوات راس الحربه في مواجهه تنظيم الدوله الاسلاميه و هزيمته و التي خسر الكرد فيها
الكثير من الدماء و بالرغم من محاوله فرنسا تبنيهم و تعويض غياب الدور الامريكي الا ان هذا التبني لا يعدو ان يكون استبدال حليف اجنبي بحليف اجنبي اخر ليصبح الكرد اخيرا و بعد كل هذه التضحيات التي قدموها و الثمن الذي دفعوه امام خيارين لا ثالث لهما فاما الخضوع للاتراك او الدخول في تفاهمات مع النظام السوري و في كلا الحالتين لن يحصل الكرد الا على اقل بكثير مما كانو يتوقعونه و لا يتوازى مطلقا مع التضحيات التي قدموها و الثمن الذي دفعوه .

مما سبق يتضح لنا انه مهما كانت ايجابيه الارتهان للخارج و حجم العطاء الذي يقدمه او الدور الذي يلعبه الا ان مساوئه اكبر فهو يؤثر تاثيرا كبيرا على القضيه التي يتبناها هذا الطرف المحلي او ذاك و تكون نتائجها على المدى البعيد ماساويه و كارثيه عليه . صحيح الدور الخارجي في الوقت الراهن مهم جدا لنجاح اي قضيه او دعوه ناهيك عن الانتصار لها الا انه ليس العامل الحاسم و اختيار الشريك او الحليف مهم فمن الظلم ان تجعل قضيتك كلها في سله واحده او تراهن على جواد خاسر . و اذا مانظرنا بتامل لخريطه التحالفات التي نشاءت انذاك في سوريه نجد امريكا و الغرب حلفاء الكرد . روسيا و ايران و حزب الله و الجماعات الشيعيه الاخرى حلفاء النظام السوري . تركيا و قطر و السعوديه حلفاء النصره و المنظمات الجهاديه و الجماعات السلفيه الاخرى .

و من خلال هذه الفسيفساء التي تشكلت في سوريه خلال سنوات الحرب و ماسفرت عنه هذه الحرب من نتائج حتى الان نستطيع قراءه المشهد حيث نجد ان القوى المتحالفه مع النظام السوري كانت اكثر صدقا وثباتا من القوى الاخرى التي تحالفت مع المعارضه السوريه . كانت روسيا و ايران و معهما حزب الله واضحين في مواقفهم فكانت هذه القوى تقاتل و قد كانت المعارضه على مشارف و في أحياء في وسط دمشق و هذا في حد ذاته كأن مغامره منها و صمدو جنبا الى جنب مع قوات النظام الى ان تمكنو من طرد المعارضه و استعاده جميع المواقع التي كانت بيد المعارضه و كل ماستطاعت هذه الدول ان تقدمه لهذه القوى المتحالفة معها من المعارضه هو فتح معابر امنه لها للخروج الى مناطق اخرى من سوريه غدت اليوم بالنسبه لهم غير امنه و لم يبقى امامهم الا ان يبحثوا لهم عن ممرات امنه للخروج من سوريه و لكن الى اين فهذه الدول التي رعتهم بالتاكيد لن تستقبلهم على اراضيها و ان فعلت فسيتم تجميعهم و ارسالهم الى دول اخرى يحتاجون اليهم فيها .

هذا المشهد الذي يحصل في سوريه يجعلنا نخاف ان يتكرر لدينا في الحاله اليمنيه و ان بطريقه مختلفه فماسفرت عنه مفاوضات السويد من نتائج و ما صدر عن مجلس الامن من قرار بشان الحديده يجعلنا و لنكن واضحين غير بعيدين عن تكرار الحاله السوريه فهذا القرار و هذه المفاوضات التي جرت بسرعه و اجبرت الشرعيه على خوضها ماكان لها ان تجري و لا ان يصدر قرار لولا تدخل حلفاء الحوثيين و ضغطهم و هذا يعود بنا الى اهميه اختيار الحليف و حلفاء الحوثيين هنا هم ايران فقط و رغم انها و حيده ( اي ايران ) و دورها في اليمن ليس بوضوح دورها في سوريه الا انها تظل لاعب رئيس في المنطقة فهي شئنا ام ابينا دوله محوريه و هي جزء من السياسه العالميه . فاذا كان الحوثيين كما يسميهم البعض وكلا ايران فان ايران ليست وكيله روسيا او امريكا او الصين و تتعامل في سياساتها في المنطقه من هذا المنطلق و بالتالي فان ايران و ان لم تستطع ان تقاتل مع الحوثي كما فعلت في سوريه فانها لن تسمح بهزيمه الحوثي و كل ماجرى من احداث اخيره على مستوى الحرب في اليمن و بالذات الحديده يصب في هذا الاطار فلا المال السعودي و لا علاقات المملكه القديمه و الازليه بهذه الدول الكبرى يستطيعا ان يقنعا هذه الدول بالسماح لها بتحقيق اول نصر حاسم و واضح في اول معركه حقيقيه تخوضها خارج حدودها .

و ختاما اذا كان الكرد هم الخاسر الاكبر في سوريه فاننا نتمنى الا نكون نحن الجنوبيين الخاسر الاكبر في حرب اليمن مع الفرق الكبير بين الحالتين و مستوى تعقيداتهما فقضيه الجنوب ليست بمستوى تعقيدات القضيه الكرديه لكن حجم التامر عليها اكبر فكل قوى الشمال الحوثيه منها و الشرعيه يهمها اخضاع الجنوب و يهمها ان يظل مسلوب الإرادة فعملو ومازالو يعملون بكل ما اوتو من قوه على الا تقوم للجنوب قائمه و امام كل ذلك لا يبقى امامنا الا ان نتمنى الا يتعامل حلفائنا معنا بنفس الطريقه و الاسلوب الذي جرى التعامل به مع الكرد او مع المعارضه السوريه نتمنى من حلفائنا ان يكونو مثل ايران و لو لمره واحده و الا يتبع الانسحاب الامريكي من سوريه انسحاب اخر في اليمن من حلفاء أمريكا .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى