صراع “الولاية” و”الحاكمية”: اليمن بين مطرقة الحوثي وسندان الإخوان

كتب / محمد علي رشيد النعماني
“من لم يؤمن بولاية آل البيت، فهو ناكث عن بيعة الله” – من خطابات عبدالملك الحوثي
“الحاكمية لله، ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون” – سيد قطب
بهاتين العبارتين المتقابلتين، تتجلى حقيقة الصراع اليمني في بعده الأعمق: ليس صراعاً على السلطة فحسب، بل على من له الحق الإلهي أو التشريعي في حكم الناس.
الحوثيون من جهة، والإخوان المسلمون من جهة أخرى، يخوضون معركة يتخفى فيها الصراع على الحكم خلف غطاء ديني مشبع بالمقدس. في جوهر هذه المعركة، تكمن عقيدة الاستحواذ الإقصائي، التي تُلغي الآخر وتُضفي على الذات صفة الحاكم بأمر الله.
بين جبال صعدة وسهول مأرب، وبين شعارات “الصرخة” و”الإسلام هو الحل”، يحتدم صراعٌ فكري وسياسي في اليمن تتجاوز جذوره الجغرافيا والمصالح، ليغوص عميقاً في مفاهيم دينية مؤدلجة، تستبطن مشروعاً للسيطرة الكاملة على الحكم تحت غطاء العقيدة.
الحوثيون من جهة، والإخوان المسلمون (ممثَّلين في حزب الإصلاح) من جهة أخرى، يخوضون معركة يتخفى فيها الصراع على السلطة المطلقة وراء خطاب ديني مشبع بالمفاهيم العقائدية مثل “الولاية الإلهية” و”الحاكمية الربانية”. في جوهر هذه المعركة، تقبع عقيدة الإقصاء التي تستبيح الآخر باسم “الخروج عن طاعة الله”.
“الولاية عند الحوثي: الحق الإلهي المغلَّف بالنسب”
يستند الحوثيون إلى عقيدة الولاية بمفهومها الجارودي، والتي تمنح “آل البيت” حق الحكم والسيادة السياسية والدينية دون منازع. فـ”القائد” بالنسبة لهم ليس مسؤولًا أمام الشعب، بل ظلٌّ لله على الأرض، مفوض بحكم الأمة لأنه من نسل النبي عليه الصلاة والسلام. هذا التصور يمنح عبدالملك الحوثي، ومن سبقه ممن يسمونهم “أعلام الهدى”، سلطة لا تحدّها دساتير ولا مؤسسات.
كل من يعارض هذا الحق المصطفى، في نظرهم، هو خارجٌ عن سبيل الله، ويستحق “الزجر والجهاد”. بهذا التبرير الديني، خاض الحوثيون حربًا شاملة ضد الدولة اليمنية ومكوناتها، متجاوزين مفاهيم الدولة الحديثة، ومعتمدين على خطاب ديني يعيد إنتاج نموذج “الإمام الحاكم بأمر الله”.
“الحاكمية عند الإخوان: التشريع لله والطاعة للطليعة”
في المقابل، يرفع الإخوان المسلمون شعار “الحاكمية لله”، المستمد من فكر سيد قطب، والذي يُكفّر النظم القائمة على القوانين الوضعية، ويصفها بـ”الجاهلية”. يُعيد هذا المفهوم تعريف شرعية الحكم، حيث تصبح مرهونة بتطبيق الشريعة وفق تصورات الجماعة، وتُحتكر سلطة التفسير والتنزيل بيد “الصفوة المؤمنة”.
ففي أدبيات حزب الإصلاح، لا شرعية لحكم لا يُطبّق الشريعة الإسلامية، ولا مكان لمن يخالف هذا المسار سوى في صفوف “العصاة” أو “المنحرفين عن الإسلام”. وبهذا الخطاب، تم تبرير الاستحواذ السياسي، ومحاولة أسلمة الدولة، ورفض خصومهم تحت لافتة “رفض الحكم بغير ما أنزل الله”.
“قواسم مشتركة تحت راية التكفير”
رغم التناقض الظاهري بين الخلفية الزيدية الحوثية والخط السني الحركي الإخواني، إلا أن كلا الطرفين يتقاطعان في أربع قضايا مفصلية:
- احتكار تمثيل الإسلام: كل طرف يدّعي أنه الممثل الشرعي الوحيد للإسلام، وما عداه باطل أو ضال.
- نفي السيادة الشعبية: الشعب ليس مصدر السلطة، بل “الولي” أو “الحاكم بشرع الله”.
- تكفير الآخر السياسي: المعارضون ليسوا خصوماً بل “مارقون” أو “خارجون عن الطاعة”.
- استخدام الدين كغطاء سياسي: العقيدة تُوظَّف لبسط النفوذ، لا لترسيخ القيم أو حماية الإنسان.
“اليمنيون بين فكّين”
في ظل هذا الصراع المؤدلج، يجد اليمنيون أنفسهم بين مطرقة “الولاية الإلهية” التي تصادر حقهم في المواطنة، وسندان “الحاكمية” التي تنزع عنهم حق المشاركة السياسية ما لم يخضعوا لمشروع الجماعة.
وبدلًا من بناء دولة مدنية تعددية، يتحول الدين في يد الطرفين إلى أداة قهر، ووسيلة لشرعنة الإقصاء والعنف، والتلاعب بمصير شعب عانى كثيرًا من كوارث الحرب والتمزيق والفساد.
“هل من طريق ثالث”؟
بات واضحاً أن اليمن بحاجة إلى مشروع وطني يتجاوز الطائفية والتوظيف السياسي للدين، ويؤمن بأن السيادة للشعب، والدين لله، والحكم بالعقل والقانون. مشروع يؤسس لدولة تسع الجميع، دون ولاية جينية أو طليعة مؤمنة.
فمن لم يرَ في “الولاية” سوى وسيلة توريث للحكم، ومن لم يجد في “الحاكمية” سوى وسيلة للوصاية على الناس، يدرك أن كليهما يؤديان إلى الدمار، ولو باسم الدين.