من الميدان إلى واشنطن … الجنوب يعود إلى الخارطة الدولية


كتب / محمد علي رشيد النعماني
في الثالث من مايو 2025، دوّى صوت الجنوب في قلب العاصمة الأمريكية واشنطن، حين أعلن المجلس الانتقالي الجنوبي افتتاح بعثته التمثيلية هناك، في خطوة مفصلية لا تُقرأ فقط من زاوية التمثيل الخارجي، بل كتحول استراتيجي يضع قضية الجنوب في واجهة الاهتمام الدولي.
إنها ليست مجرد لافتة جديدة، بل عنوان لمرحلة جديدة. البعثة، التي استكملت جميع إجراءاتها القانونية، باتت الآن تتمتع بوجود رسمي في “الكابيتول هيل”، حيث تُصنع السياسات وتُرسم إستراتيجيات المستقبل. وهذا بحد ذاته إنجاز يحمل في طياته دلالات سياسية عميقة، أهمها: أن الجنوب لم يعد قضية هامشية في دهاليز الدبلوماسية، بل بات يُخاطب العالم من موقع الفاعل، لا من موقع المتلقي.

“رسالة سياسية للعالم: الجنوب شريك مسؤول”

تأتي هذه الخطوة ضمن رؤية واضحة للمجلس الانتقالي الجنوبي في الانفتاح الخارجي، وبناء جسور تواصل مستدام مع القوى الدولية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية. فبعثة واشنطن ليست فقط أداة تواصل، بل نافذة لعرض تطلعات شعب الجنوب في السلام، والاستقرار، وبناء دولة مدنية حديثة قائمة على الشراكة والعدالة وحق تقرير المصير.
هذه المبادرة تحمل رسالة للعالم: نحن هنا، لدينا مشروع سياسي واضح، وقضية عادلة، وشعب صامد يطالب بحقه في الحياة الكريمة والحكم الرشيد. وهي كذلك رسالة للأمم بأن الجنوب قادر على أن يكون ركيزة للاستقرار الإقليمي والدولي، لا مصدر قلق أو فوضى.

“مكاسب استراتيجية متعددة”

يمثل وجود مكتب دائم للمجلس في واشنطن مكسباً إستراتيجياً على أكثر من صعيد:

•الاعتراف الضمني: فمجرد القبول الأمريكي بفتح مكتب تمثيلي يُعد خطوة اعتراف غير مباشر بمشروعية المجلس كممثل سياسي لشعب الجنوب.

•الاقتراب من دوائر التأثير: سيكون للمجلس صوت مسموع في الكونغرس الأمريكي، ومراكز الأبحاث، والجاليات، وكلها أدوات ضغط ناعمة تصنع الفرق.

•تعزيز الحضور الجنوبي دولياً: سيفتح هذا المكتب الباب أمام مكاتب مماثلة في عواصم أخرى، ويُكرّس حضوراً سياسياً ثابتاً للجنوب على المسرح العالمي.

“خطوة في مسار طويل… لكنها حاسمة”

لن نُغالط أنفسنا بالقول إن هذه الخطوة نهاية المطاف، لكنها دون شك بداية طريق جديدة، يعاد فيها بناء صورة الجنوب في الخارج بعيداً عن تشويهات إعلام الخصم، وبعيداً عن العزلة المفروضة لسنوات. لقد أصبح الجنوب – عبر المجلس الانتقالي – صاحب رؤية، وصاحب مشروع، وصاحب صوت لا يُمكن تجاهله.
إنها لحظة تعبئة وطنية تستوجب من الجميع، في الداخل والخارج، الالتفاف حول هذا الإنجاز التاريخي، ودعمه بكل الوسائل. فعندما يدخل الجنوب إلى الكابيتول هيل، لا يستجدي اعترافاً، بل يفرض حضوره بثقة، ويشُق طريقه بجدارة نحو مواقع التأثير وصُنع القرار.

“دعوة للوعي والتلاحم”

إننا، اليوم، أمام مسؤولية مضاعفة: أن نُثبت للعالم أن الجنوب لا يملك فقط قضية، بل يملك أيضًا نُخبه الواعية، ورجاله الصادقين، وشعبه الذي لا يساوم على حقه. فلنكن على قدر اللحظة، ولنجعل من بعثة واشنطن بوابة عبور نحو مرحلة التحرر الكامل وبناء الدولة الجنوبية القادمة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى