تقرير خاص | الوادي الصامت غرب عدن.. هلاك جماعي بأبلغ صور الخذلان

سبعة أشهر وتزيد وهم ينقشون في سواد  الليل خيبات الأمل؛ يفترشون الصحراء، يتقاسمونها ليلا مع ثعابين الأرض وزواحفها بحثاً عن نسيم عليل يداوي جراحات أجسادهم الملتهبة من حرارة النهار؛ فساكنو منطقة “كود قرو” بمديرية البريقة حُرموا من التيار الكهربائي إثر الخروج المفاجئ للمحول  المغذي منازلهم عن الجاهزية؛ لتتوقف معه عجلة الحلول عن الدوران أمام كلفة بلغت نحو 30 مليون ريال يمني، قالت  مؤسسة الكهرباء: لا طاقة لنا اليوم على توفيرها؛ لتُجرِّع فصول العذاب على ضعفاء تقطعت بهم السبل، وأضحوا يتجرعون مرارة الخذلان مع كل عشية وضحاها.

“عدن 24” زارت (كود قرو) وتلمست معاناة سكانها وخرجت بجملة من الحقائق المؤلمة..

عدن24 | خاص

تقع منطقة “كود قرو” غرب مديرية البريقة التابعة لها، تحديدا في الوادي الصامت، وتبعد عن مركزها بنحو خمسة كيلو متر مربع، يتواجد فيها أكثر من 250منزلا، سكانها الأصليون يتوزعون على أراضيها  منذ حوالي 200عام، ويمتلكون  مراسلات ووثائق بريطانية ووثائق من مشايخ العقربي ومن قبل المحاكم بملكية أراضيها، بحسب المحامي عارف الحالمي، إلا أن سكان “قرو” ما يزالون في معاناة دائمة جراء حرمان منطقتهم من أدنى الخدمات في مجالات الصحة والمياه والكهرباء، وهم شريحة مسالمة  جلهم من ذوي الدخل المحدود رغم قربهم من مركز المديرية.

صفعة الكهرباء

منذ ما يزيد عن نصف عام وسكان منطقة كود قرو يعانون من انقطاع التيار الكهربائي عن منازلهم، إثر خروج المحول المغذي منطقتهم عن الجاهزية في بداية شهر رمضان المبارك  الفائت وحتى اليوم؛ ليقضوا ما تبقى من صيامه بين حرارة النهار صيفا وسواد الليل القاتم، والذي وقفت أمامه مؤسسة الكهرباء عاجزة عن الحلول لاستبدال المحول التالف نظراً لارتفاع الكلفة المقدرة بنحو 30مليون ريال يمني، الأمر الذي انعكس أثره سلبا على الأهالي المتشحة منازلهم بالظلام  الحالك، وعاشوا أيامهم ولياليهم بين لهيب الشمس وسهد الليل، تنهش أجساد أطفالهم أسراب البعوض، وهي مستلقية على رمال الصحراء لا تقوى على دفع مخاطر أصناف الزواحف والحشرات السامة في ليل لم يأنسوا بسكونه.

عناء البحث

يقول سكان المنطقة إنهم طيلة انقطاع التيار الكهربائي وهم يترددون على مكاتب السلطة المحلية في المديرية والمحافظة ومكاتب مؤسسة الكهرباء، إلا أن جميع جهودهم ومتابعاتهم وصلت إلى أفق مسدود، حسب قول أم عبدالله عضو لجنة الأهالي المكلفة بمعاملات ملف الكهرباء، والتي أوضحت بالقول: “نحن جزء من البريقة، لكن للأسف نعيش في عزلة وحرمان من أبسط الخدمات، واليوم لنا قرابة ثمانية أشهر بدون كهرباء بعد تلف المحول الخاص بنا، وقد بحّت أصواتنا وتورمت أقدامنا بين أروقة الجهات المختصة، وكل ما خرجنا به القول الصادم من مؤسسة الكهرباء بأن علينا توفير 28 مليون مواد المحول وفوقها ثلاثة مليون كلفة العمل!!”. وتساءلت أم عبدالله: “هل يعقل أن مواطنا بالكاد يحصل على قوت يومه باستطاعته توفير مبلغ كهذا؟ من المسؤول عن ذلك نحن أم دولة ننتمي إليها؟”.

وأضافت: “نحن وأطفالنا وكبار السن ننام على الطرقات، وتفشت بيننا الأمراض بسبب البعوض والزواحف، ألسنا بشرا ممن خلقهم الله ولهم حقوق على الدولة؟ ورغم هذا تقدمنا مبادرة أبدينا فيها استعدادنا للمساهمة بجزء من مبلغ التكلفة نستدين بعضه ونبيع كل ما نملك لأجل استعادة الكهرباء”.

المصير المحتوم

من جانبها قالت إلهام نظير، عضو فريق لجنة أهالي قرو: “مؤسسة الكهرباء أخذت المحول القديم وتوعدت بإصلاحه إلا أنها إلى اليوم لا هي أصلحته ولا أعادته لعلنا نجد من يتكفل بصيانته من فاعلي الخير.. وعندما طالبنا به ردت علينا بأن المنطقة تتغذى بالكهرباء عشوائيا!”.

واستأنفت نظير حديثها بحرقة: “بيننا من هو مصاب بالضغط والسكر وأطفال يعانون الربو ونساء طاعنات في السن لا يقوين على تحمل الحر، في الوقت الذي نعاني فيه من انعدام المياه المقطوعة هي الأخرى عن منازلنا منذ سنوات، نتحمل فيها عناء نقلها فوق رؤوسنا من مناطق بعيدة”.

كسر الخواطر

بركة أحمد، إحدى المسنات في كود قرو، أشارت إلى أن المنطقة معزولة خدميا وهي في قلب البريقة وتمر عبرها كل المنظمات وأهلها يعيشون على أحجار الجبال متسائلة: لماذا تتجاهل الدولة آدميتنا دون شفقة؟

الطفلة خديجة عبّرت عن معاناة الأطفال بقولها: “أنا طالبة في الصف السادس الابتدائي، وأقضي الليل أبحث عن ضوء لأراجع دروسي، وأذهب إلى المدرسة وثيابي متسخة لا أجد الماء لغسلها”.

وعود عقيمة

ملف المتابعات الخاص بمشكلة الكهرباء حصلت الصحيفة على نسخة منه ورد فيه توجيه من محافظ عدن إلى مؤسسة الكهرباء لمعالجة مشكلة منطقة كود قرو، إلا أن تلك التوجيهات ظلت حبيسة المكاتب والوعود والمماطلات كما يقول الأهالي.

الحل المستحيل!

مديرة إدارة الدراسات والتخطيط الفني بالمؤسسة العامة للكهرباء المنطقة الثالثة “نجاة عبد الواسع” بدورها أوضحت  بأنه بعد انقطاع  التيار الكهربائي عن منطقة كود قرو نزل الفريق الفني لمعاينة المشكلة، وتبيّن أن المحول الواقع في منطقة الدواجن والذي يغذي كود قرو أيضا قد خرج عن الجاهزية بسبب الأحمال المهولة؛ نظرا لتوسع العمران، الأمر الذي وضع المؤسسة والمنطقة أمام مشكلة معقدة، حيث وأن منطقة قرو تتغذى بالكهرباء بطريقة عشوائية، في الوقت الذي تمدد فيه البناء السكني، وهو ما يتطلب توفير شبكة جديدة وثلاثة محولات لما يقارب 300 منزل، لافتة إلى أن الكلفة التي حددها الفريق الفني والمقدرة بـ28مليون قيمة مواد محول واحد، ناهيك عن كلفة العمل المقدرة بثلاثة مليون، بينما كلفة توفير ثلاثة محولات وشبكة جديدة تفوق ذلك بكثير- حسب تعبيرها .

وأضافت عبدالواسع: “نحن نستشعر حجم معاناة الأهالي، ويحز في نفوسنا وضعهم الحالي؛ لكن للأسف وبكل صراحة مؤسسة الكهرباء غير قادرة بمفردها تحمل كل التكاليف، وقد طالعنا توجيهات محافظ محافظة عدن لكنها توجيهات مطاطية، وكان الأحرى أن تتحمل السلطة المحلية جزءًا من الكلفة مع مساهمة من الأهالي والبحث عن أي جهات أو منظمات داعمة، ومؤسسة الكهرباء على استعداد لتحمل ثلث الكلفة بعد أن يقدم الأهالي ملفات ربط عدادات رسمية للمنازل التي هي في الأصل في وضع معقد بسبب غياب التخطيط الصحيح، ومع ذلك مؤسسة الكهرباء ستتحمل الأعباء في سبيل تأمين الخدمة لمواطنين بسطاء من ذوي الدخل المحدود”.

وشددت عبدالواسع في ختام تعليقها على ضرورة تكاتف كل الجهات الرسمية والمجتمعية والبحث عن مصادر تمويل مشروع استعادة التيار الكهربائي لمنطقتي الدواجن وكود قرو.

ويبقى الحال

ويبقى حال البسطاء بعيداً عن مصادر السعادة في بلد لم يعد سعيداً – كما قيل عنه – وكيف للفقير الذي تمزقت حياته أن ينعم بالهناء وقد كُتب عليه أن يقضي نصف عمره أو كله بحثا عن الخبز والنور والماء وقطعة قماش تقيه حر العراء؟ كيف لمواطن أن يسعد وناهبو ثروات البلاد وخيراتها يصادرون حقوقه وأفراحه دون رقيب أو حسيب ويخيطون من بؤسه ثيابا ظاهرها العفاف وتخفي في باطنها قبح خصالهم؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى