مناضلو الثورة: بعد تحقق الاستقلال ساهمنا في بناء الوطن من جديد

  • المطهافي: تأثرت بجدّي الذي رفض تسلّط السلطنة وكنا في الجيش ندعم الثوار سراً
  • سريب: انطلقت من الشعيب وشاركنا في عدد من المعارك في الضالع بقيادة علي شائع
  • المسلمي: إبان الكفاح المسلح كل البيوت في عدن كانت مفتوحة لإخفاء الثوار عن عيون الإنجليز

عدن 24 – خاص

يعيش اليوم شعب الجنوب أعظم ذكرى نضال الأجداد والآباء، التي كتبت ودوّنت بدمائهم، وسجلها التاريخ بأحرف من نور، ولعل ثورة الرابع عشرمن أكتوبرالتي انطلقت من جبال ردفان الشماء في 1967م قد مثلت أعظم درس في التضحية والفداء لنضال أولئك الذين حملوا أرواحهم على أكفهم منذ أن استشهد المناضل راجح بن غالب لبوزة مع مغيب شمس يوم انطلاقة الثورة.

واليوم تختزن ذاكرة الثائر والمناضل الجنوبي في شريط ذكرياته الكثير من المآثر البطولية ومقدماتها التي ألهبت حماس الجماهير التي كانت تتوق للحرية والكرامة والاستقلال وإقامة دولة حرة على ظهر تراب الجنوب الأبي.

هناك من المناضلين الذين كان لهم شرف البطولة والفداء وممن كانوا في خنادق النضال والثورة ضد الاستعمار التقيناهم واستأنسنا بأحاديثهم الهادئة التي سردوا فيها كثيراً من المحطات النضالية، وهذا هو المناضل العميد المتقاعد محمد سعيد سالم المطهافي الحميري، والذي استهل حديثه إلينا بسرد بعض الحكايات لأحداث شكلت إحدى مقامات الثورة، وقد تأثر بها منذ نعومة أظافره في تلك القرية الهادئة والتي تعرف بالمطهاف في سلطنة الواحدي بمنطقة ميفعة في شبوة، ويحكي تأثره بشواهد حية عاشها أثناء مقاومة ومواجهة جده المناضل الشيخ سالم سعيد المطهاف الحميري لطغيان السلطنة وصلف الإنجليز.

ويقول المناضل محمد سعيد المطهاف: “تعود بي الذاكرة إلى الوراء كثيراً، ومنذ الصغر ومن قرية المطهاف في ميفعة بشبوة أتذكر تماماً عندما بدأت الخلافات بين جدي الشيخ سالم بن سعيد الحميري سلطنة الواحدي، وكانت هناك مشاكل كثيرة قد حصلت على أساس يريدون جدي سالم أن يكون جزءًا من السلطنة، لكنه رفض وقال: نحن مشيختنا مستقلة”.

  • سألناه: لماذا رفض؟

أجاب: “رفض لأنه يريد استقلالية كاملة لمنطقته ولم يقبل أن يكون تابعا نهائيا، وعرضت عليه عدة خيارات، واستدعاه البريطانيون وأبدوا استعدادهم ليعملوا له ميناء في عرقة، وقالوا له: سنعطيك كرت لشراء ماتحتاجه من السوق الحرة مقابل أن يكون لك مشيخة مستقلة لفترة على أن توقع معاهدة مع البريطانيين، إلا أن السلطنة بدأت في خلق مشكلة في بلحاف”..

ويقول مستذكرًا كثيرًا من تفاصيل هذه الحكاية: “أهل العظم (وهم من القبائل التي لها شأن رفيع في شبوة) لم يوالوا السلطنة؛ بل كانوا مؤيدين لجدي الشيخ سالم الله يرحمه، فقد منعوا القوافل التي تذهب إلى بلحاف ثم عزان والحوطة، فقام السلطان وأرسل شخصا يدعى الدقين من أهل باديان، وقال له: با تقدر تجيب القافلة من عند أهل العظم؟ قال له: نعم؛ لأن بينهم حلف، ونزل في 150 جملا، وتقطّعوا له أهل العظم ومنعوه، وحصلت معركة كبيرة جدا على إثرها أخذ أهل العظم القافلة، ثم بدأت الأمور تتطور إلى شعارات أهل العظم برمي منطقتهم وهي (الحامية)، وفعلا رموا الحامية ودمروا عليهم أغنام ونخيل”.

القبائل يسقطون طائرة بريطانية

ويضيف المناضل محمد سعيد المطهاف: “وكانت قد سقطت طائرة بريطانية مابين حصن بلعيد وعرقة، فيها طياران، وهذه كانت لبّ المشكلة.. طبعا كانت هذه غلطة ارتكبتها القبائل، فوجدوا الطيارَين أحياءً، اللذين استسلما فيما بعد، لكن الجماعة ماقبلوا الاستسلام وقتلوهما وقطعوا يد أحدهما وأحضروها إلى المطهاف، فقد استنكر جدي هذا العمل وقال لهم: هذا عمل غلط لو أسرتموهما وأحضرتموهما سوف نتفاهم مع البريطانيين وسنحقق بهما أشياء كثيرة جدا.. قالوا: هذا الذي حصل، ثم خرجت مرشا من عدن بقيادة الضابط البريطاني كاردنليك، وعندما وصلوا إلى هناك طالب الكاردنليك بتسليم الجناة الذين عملوا هذا العمل والقبائل رفضت.. حاول جدي سالم والبريطانيون على أساس الوصول إلى حل، ثم حكموا عليهم بمئتي ألف ريال فرنسي وستين بندقية وطلبوا تعهدا من جدي سالم ليتصالح القبائل مع البريطانيين وأن يسمح للقوافل أن تمر بأمان، وضمن لهم جدي سالم هذا، وانتهت هذه القضية الخاصة بالطيارين، ثم حصل بعدها أن السلطنة بعثت برسالة إلى جدي سالم على أن يأتي ويقدم الولاء وكان في السلطنة الأستاذ محمد محيرز، عم المؤرخ عبدالله محيرز، وعلى كل حاولوا وطلبوا من بريطانيا تأديب هذا الرجل فشعر جدي سالم بخطورة الوضع، فدعاه البريطانيون إلى عدن وحضر للتفازض معهم، وهناك حذره أحد أبناء المنطقة يعمل في الجيش من أنه إذا لم يوافق على كل الشروط سيتم اعتقاله، فهرب إلى دار سعد آنذاك ولجأ السلطان العبدلي”.

طرحنا على المناضل العم محمد المطهافي عدداً من الأسئلة في سياق سرده لهذه الحكاية التي تدرّج من خلالها ليتحدث عن بعض المحطات النضالية..

  • هل كانت هذه الخلافات والمشاكل مع السلطنة وبريطانيا تشكل مقدمة لانتفاضة أبناء شبوة آنذاك وبالتحديد أبناء المطهافي في ميفعة ثم لاندلاع ثورة 14 أكتوبر؟

والله اعتبروها تلك الأيام انتفاضات، فعندما لجأ جدي سالم إلى البيضاء وكان قبلها إلى تعز وكان يخاطب الإمام على أساس يمدهم بالدعم ليعود إلى أرضه ويحررها، ولكن الإمام تجاهل الأمر، ثم قال له: سألجأ إلى أي دولة أخرى، ثم لجأ إلى السعودية، حيث بدأت تُصرف لهم من نجران أسلحة وذخائر، بعد ذلك استدعاه الإمام وطلب منه التوجه إلى البيضاء، فسلمه رسالة إلى عامل البيضاء محمد عبدالله الشامي، فكانوا يستلمون أسلحة ويتجهون إلى الجنوب ويستهدفون المراكز العسكرية للإنجليز.

  • ماذا عن التحام الثوار الجنوبيين في جبهة جنوبية عريضة لمواجهة الاحتلال البريطاني آنذاك؟

كان كثير من الثوار الجنوبيين يتجمعون في البيضاء يأتون إليها من بيحان ودثينة ومناطق جنوبية عدة، وكانوا يطلقون علينا بالشوعة، وكنا نفتخر بهذه الأسماء، وهم يقصدون بأننا متمردون خارجون عن السلطة والقانون.

  • كيف كان وقع اندلاع الثورة عليكم وتفاعلكم معها في منطقة ميفعة بشبوة؟

مع انطلاقة ثورة 14 أكتوبر، وكان عمري حينها 20عاما، التحم المناضلون الثوار ببعضهم البعض من مختلف المناطق والمراكز، وبدأت تتوسع رقعة الثوار والمد الثوري إلى عموم الجنوب، في شبوة وأبين والضالع ويافع وحضرموت وعجن والصبيحة وكثير من المناطق الجنوبية الأخرى..

  • كيف كان يتم التنسيق فيما بينكم؟

كانت هناك قيادات محددة في كل الوحدات العسكرية، وأنا كنت قد انضممت للجيش، فكانت كل وحدة عسكرية فيها مجموعة خاصة سرية، وكنا نتواصل مع القيادة، ثم بعدما تحقق الاستقلال بدأت الجبهة القومية تسيطر على كامل الجنوب وبدأنا كلنا ننخرط فيها ونُساهم قدر مانستطيع في بناء الوطن من جديد.

  • عندما جئت إلى عدن في1961م ما الذي دفعك للالتحاق بالجيش؟

عندما جئت إلى عدن في عام 1961م التحقت للعمل في شركة سي سي ثم التحقت بالجيش وكنا نشعر أن ذلك هو المصدر الوحيد الذي سيساعدنا في تأدية واجبنا الوطني في حماية بلدنا.

  • ماهي المواقف النضالية التي تتذكرها خلال فترة الستينيات في مواجهة الاستعمار البريطاني؟

والله في تلك الأيام كان هناك توجيه وتوعية مكثفة تحثنا على ضرورة قتال البريطانيين وشن حملات عسكرية عليهم، غير أننا كعسكريين كنا في البداية محايدين لا نستطيع أن نقوم بأية هجمات؛ لكن كثيرا من الثوار كانوا يقومون بعمليات كثيرة في عدد من مناطق عدن.

  • أنت ومجموعة من زملائك درستم في بريطانيا.. ماذا كان تخصصكم؟

أول حاجة عندما ابتعثنا – وكان قد رشحني محمد أحمد موقع وأبوبكر تينة قائد أركان الكتيبة التي كنت أعمل فيها، وأنا كنت ضمن الدفعة الأولى، وعندما ذهبنا إلى بريطانيا بعد ثلاثة أشهر جاءت الدفعة الثانية، وكان من ضمنها عبدربه منصور هادي وسالم أحمد مسيبع إلى نفس المدرسة -درسنا اللغة ثم انتقلنا إلى الكلية واستمرت الدراسة حوالي سنتين.

  • ماهي المهام التي أوكلت إليكم بعد العودة إلى عدن؟

عندما عدت إلى عدن طلبني قائد الكتيبة الثانية عبد القوي بن محمد المفلحي وكنا نتعاون مع الثوار، وكنا نحن في الجيش أهم الداعمين للثوار فكتيبتنا كانت تدعم كل المناضلين والثوارالذين كانوا في جبهة الضالع ومنهم في قيادتها علي أحمد ناصر عنتر وعلي شائع هادي وصالح مصلح قاسم وعبدالله مطلق وسيف حمود ومجموعة كبيرة.. وكنا نتواصل في الدعم السري لهم بالذخائر، وفي الوقت نفسه ننسق بينهم لتنفيذ كمائن ضد الإنجليز.

وأتذكر أنه في المرة الأولى جاء علي عنتر إلى الضالع ومعه مجاميع كثيرة جدا ووقع خلاف بينه وبين علي بن علي الذي شكل جبهة التحرير وعلي عنتر في الجبهة القومية، وفي أحد الأيام حصل نزاع بينهما في مطار الهيلو كبتر، وتدخلنا نحن الكتيبة الثانية في فض النزاع فيما بينهما وبقي علي عنتر في الضالع وانسحب علي بن علي إلى جحاف والمناطق الأخرى.

  • ماذا تقول عن ثورة 14 أكتوبر؟

هي ثورة حقيقة.. إنها ثورة الجنوب وأساس استقلاله، فكانت الجامعة التي جمعت كل المناضلين والانتفاضات التي سبقت، والتي انطلقت باستشهاد لبوزة رحمه الله، والجميع يفخر بهذه الثورة وانطلاقتها من جبال ردفان الشماء، وجاء الاستقلال كثمرة من ثمار الثورة، وكنا طبعاً لانطمح بالمناصب بعد الاستقلال، فكنت في البداية أركان حرب الكتيبة الثانية، وقبلها كنت أركان الخطوط الأمامية في بيحان للحفاظ على الحدود وعلى المناطق ونؤدي دوراً جديًا ومخلصًا، ولم ننحرف عن مبادئنا، ثم انتقلت إلى الكلية العسكرية التي بنيناها، وكان قائد الكلية محمد عوض الزوكا والأركان عبدربه منصور هادي، الرئيس الحالي، وكان معنا في السرايا علي ناصر هادي والكحيلي ومجموعة، أما أنا فكنت رئيس فرع التدريب ومعي صالح الوحيشي وجميل مكاوي ومحمد حسين مسيبلي الله يرحمه، وواصلنا بناء الكلية العسكرية بناءً سليماً.

  • كيف تنظر إلى حاضر ومستقبل الجنوب؟

أنا متفائل جدا جدا، وأعتقد أنه ستصلح الأمور، وأن الأمور تتحسن وستعاد إلى نصابها، وستفتح لنا صفحة جديدة بعيدا عن الكراهية والمناطقية والتهميش والإقصاء، فيكفينا صراعات ودماءً، وأتمنى بفارغ الصبر استعادة الدولة الجنوبية الحديثة وإعادة بنائها على أسس حديثة متينة، أما نحن فسنكون تحت خدمة شبابنا ووطننا الجنوبي الحر في أي وقت يطلب منا أداء أي عمل وطني”.

غادرنا منزل المناضل العميد المتقاعد محمد سعيد سالم المطهافي بكثير من الفخر والاعتزاز والأمل الذي امتزج بالألم، لما رأيته ولمسته من جحود ونكران تعرض له هذا الرجل الشهم الذي يقترب من الثمانين من العمر، وشعرنا بغصة تزعجني لحاله وحال أمثاله من المناضلين لإهمال الساسة والحكام خلال سنوات مضت.. على كلٍ سلمنا عليه وانتقلنا إلى مناضل آخر كانت له أدوار ليست بالهينة ولا تقل شأنا عن أدوار المناضل المطهافي وأمثاله من المناضلين والثوار الأشاوس.

“سريب” والبداية من الشعيب

إنه المناضل العميد المتقاعد/ أحمد صالح أبو بكرسريب، وهو من الشخصيات الوطنية المناضلة، كانت لها صولات وجولات في حرب التحرير إبان الكفاح المسلح في الجنوب العربي، وقد التقيناه وتحدث قائلا: “من عام 1948م في الضالع الشعيب ــ بني مسلم قرية كلثوم، وهي القرية التي بدأت منها مشواري النضالي منذ الصغر، فقد التحقت عند قيام ثورة 14 أكتوبر بثوار الجبهة القومية بقيادة صالح حسين راشد، وصالح مصلح قاسم، وأحمد صالح هجان في جبهات الشعيب والقرى المجاورة لها في عامي 64م و65م.

 

“شائع” والفرقة المتجولة

ويضيف سريب: “وكانت لي مشاركات نضالية في حرب التحرير في مناطق عدة في الجنوب، منها منطقة الشيخ عثمان بعدن، وفي لحج بكرش والمسيمير منذ استهلالة عام 67م بقيادة علي شائع هادي، والذي قاد كذلك الفرقة المتجولة، والتي كثفت مع بقية ثوار الضالع من هجماتها على القوات الاستعمارية وهذه الفرقة هي قتالية مشتركة”.

ويقول لمناضل سريب: “إنني قد التحقت كذلك بالقوات الشعبية في منطقة الشعيب بالضالع بقيادة مطهر مسعد، وبعد الاستقلال الوطني المجيد في الـ30 من نوفمبر التحقت بالجيش الوطني الجنوبي جندياً، تلا ذلك مشاركتي في عدة معارك للذود عن حياض الوطن الجنوبي آنذاك، وكنت قائد كتيبة وقائد لواء بالنيابة، ثم قائدا لمعسكر بدر بقرارات وزارية من وزير الدفاع هيثم قاسم طاهر عام 1994م.

وقبل ذلك كنت أيضا قائد فصيلة بصلاح الدين، وحصلت على دورات الترقيات المختلفة من نقيب إلى رائد القادة والأركان في صلاح الدين عام 84م بعد أن حصلت في 73ــ 74م م على دورة قائد مدفعية لواء في (الاتحاد السوفيتي سابقا).

وأنا كذلك مهندس لسلاح المدفعية والجو؛ إذ عملت على تأسيس وحدات مدفعية ودفاع جوي من الصفر بنجاح منقطع النظير، ولخبراتي القتالية تم اختياري في المشاركة في حرب أثيوبيا خلال عامي 77م 78م وحصلت على وسام المشاركة في أثيوبيا آنذاك، ثم حصلت على وسام الإخلاص من رئيس مجلس الشعب في الجنوب في منتصف السبعينيات من القرن الماضي. ونظير تفوقي القتالي الذي عُرفت به في معارك عدة دفاعا عن حياض الجنوب، جرى تقديري وتكريمي بعدة ميداليات، منها ميدالية التفوق القتالي في عام1983م وكنت ضمن قيادات اللواء 30في صحراء: شبوة ـ حضرموت ـ المهرة، ثم القوى الجوية والدفاع الجوي ــ المنطقة الثانية ــ عدن آنذاك، وعينت قائدا للقاعدة الجوية في شبوة ــ عتق عام 1992م”.

واختتم حديثه إلينا قائلا: “في 2014م صدر قرار جمهوري رقم /8/في 15/2/2014م للترقية والتسوية بالراتب، وحتى اليوم حبر على ورق، لكن المكافأة كانت إحالتي إلى التقاعد برتبة عميد وراتب متدنٍ لا يزيد عن 62 ألف ريال يمني”.

ودعناه وانتقلنا إلى المناضل العميد المتقاعد محمد ناصر المسلمي، وسألناه، خلال لقائنا معه، عدداً من الأسئلة، ورد إلينا بكل صراحة وإليكم حصيلة لقائنا..

  • المناضل محمد المسلمي أهلا بك.. حدثني عن بداياتك النضالية؟

أولا نحن نتشرف بما عملناه من أجل الوطن لا لمصلحتنا، لأن الوطن فوق كل شيء.. بدأت مشواري النضالي منذ عام 1963م؛ حيث ذهبت مع مجموعة من الثوار إلى تعز والبيضاء في الشمال واستلمنا أسلحة وعدنا إلى الجنوب فقاتلنا الاستعمار البريطاني، ولقد هب الناس من كل مناطق الجنوب للدفاع عن هذه الثورة التي انطلقت من جبال ردفان الشماء، فلسنا وحدنا من شارك في انطلاقة الثورة ودافع عنها، وكان كل منا يؤدي واجبه الوطني حسب استطاعته والظروف والمناطق والمناخ الذي يعيش فيه.

  • ماذا تقول عن هذه الثورة؟

ثورة 14 أكتوبر كانت هي المحطة الرئيسية والأساسية لضرب الاستعمار، كان فيها جيش التحرير وكذلك القطاع الفدائي في الداخل، الذي كان ينفذ عمليات من الداخل، والمنتمون إليه يعتبرون انتحاريين، وكان جيش التحرير يهاجم المعسكرات في الخارج في كل المناطق، هذه الثورة سبقتها انتفاضات في كل مناطق الجنوب، ولا ننسى الدور الذي قامت به جبهة التحرير، فهي أيضا ناضلت ضد الاستعمار وكان الهدف واحد وهو استعادة الجنوب، فبريطانيا شكلت حكومة اتحاد الجنوب العربي والذي استثنى حضرموت والمهرة وسقطرى، الأمر الذي أثار الثوار، ثم استمرت الثورة إلى أن تحقق الانتصار في الاستقلال في الـ30 نوفمبر 1967م. وعلى فكرة كان هناك تنسيق بين الثوار، ونتذكر أنه عندما تشتد المعارك فيما بينهم كانت كل البيوت في عدن مفتوحة لإخفاء الثوار عن عيون الإنجليز، وكانوا يرتبون لهم عملية الاختفاء من بيت إلى آخر، وهذه ميزة نادرة وقعت في عدن، وأبناء عدن يشكرون عليها والذي يريد أن يهمشهم أو يضيع تاريخهم هو ضيع تاريخه، وفي عدن كان الأهالي الذين منهم لم يستطع أن يقاوم بالسلاح قاوم باحتضان الثوار وإخفائهم ونقلهم من عمارة إلى عمارة عندما يطوق عليهم الإنجليز، أما بالنسبة للخلافات فقد حصل خطأ تمثل بإقصاء الأحزاب، وهذه من أخطائنا ينبغي أن نتحمله.

  • في 1958م جرت أكبر مظاهرة في منطقة الشيخ عثمان م/عدن.. أين كنت في تلك الفترة؟

أنا لم أكن متواجدا في عدن حينها، وإنما كنت في الشمال وبالتحديد في تعز نتنقل منها إلى البيضاء، وأتذكر أن الإمام كان يموّن الثوار بالسلاح وكان التموين من البيضاء.. أما بالنسبة لتلك المظاهرة كان فيها ارتباك.

  • كيف تفاعلتم معها وكيف كان وقعها لديكم؟

في 58م كانت الملكية موجودة، وكانوا يمدون السلاح لأصحاب الريف، وهناك قام جيش التحرير بمهاجمة المعسكرات، وقبل أن يكون جيش التحرير كانت انتفاضات، وقد شهدتها الواحدي في ميفعة وبيحان بشبوة وفي لودر بأبين وفي يافع قادها محمد عيدروس، ثم حرب وانتفاضة في حطيب واستمرت إلى يوم الاستقلال في 30 نوفمبر 1967م، وكان فيها جبل يسمى بجبل العرّ، قتل فيه إنجليزي وقررت بريطانيا بأن يتم رمي هذا الجبل في كل يوم أحد، حتى يوم الاستقلال.

  • يوم اندلاع الثورة أين كنتم؟

نحن بعد اندلاع الثورة شاركنا في عدة مناطق منها عدن وأبين وحضرنا مع مجاميع في ردفان؛ لأننا كنا هاربين في الشمال وشاركنا مشاركة حسب قدرتنا، وبعد أن اندلعت الثورة أصبح الكل مؤمن بقضية طرد الإنجليز وعملائهم؛ لكن في هذه المسألة اختلفت الرؤى، فهناك من كان يريد استقلالا بدون كفاح مسلح، لكن الآخرين رفضوا هذا الرأي فصممت جبهة التحرير والجبهة القومية على الكفاح المسلح.

  • العميد المسلمي هل من كلمة أخيرة؟

نعم؛ علينا أن نلملم الجراح وأن نعمل سويا من أجل استعادة الدولة الجنوبية؛ وبالمناسبة نحن قدمنا نصيحة خلال لقاء جمعنا مع عدد من قيادات المجلس الانتقالي وطلبنا منهم أن يعملوا كل ما بوسعهم لاستيعاب الجنوبيين من أصحاب القدرات الذين يريدون بالفعل أن يسهموا في بناء الدولة الجنوبية المرتقبة وأن يحرصوا على عدم تكرار أخطاء الماضي وعليهم أن يرفضوا مطلقا الترويج للأفكار التي تسعى إلى أشاعة الفرقة بين أبناء شعب الجنوب، فأمل كل الجنوبيين بالمجلس الانتقالي الذي فوضه الشعب من أجل غد أفضل.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى