شظايا الضربات الانتقامية الأميركية تطال بايدن.. كيف حدث ذلك؟

أثارت الضربات الأميركية التي استهدفت أكثر من 85 موقعا تابعا للحرس الثوري الإيراني والكتائب المتحالفة معه في العراق وسوريا، تساؤلات بشأن التأخير المتعمد في شن هذه الضربات، التي ربما أتت بعكس النتائج التي كان يتمناها الرئيس جو بايدن.

واعتبر مراقبون ومحللون عسكريون، في حديثهم لموقع “سكاي نيوز عربية”، أن الضربات الأميركية سيكون لها الكثير من التداعيات على أمن المنطقة في الفترة المقبلة، بالتزامن مع تصاعد الصراع وتعدد جبهات القتال، وهو ما تخشى معه الإدارة الأميركية عملًا عسكرياً مباشرًا مع إيران والجماعات المتحالفة معها، تحسبًا لاتساع رقعة المواجهة في وقت تدنو الانتخابات الأميركية من مراحلها الحاسمة.

لكن المراقبون في ذات الوقت، أشاروا إلى أن تلك الضربة “أقرب إلى الدعائية”، التي ترغب واشنطن من خلالها في حفظ ماء وجهها بالتصدي لإيران بعد الهجوم الذي طال قاعدتها العسكرية، لكن حساباتها كانت “محددة” ولم تكن موسعة بالدرجة التي توقعها الأميركيين؛ تفادياً لإثارة رد الفعل الإيراني “فتخرج الأمور عن السيطرة”.


يأتي ذلك في الوقت الذي اعتبر رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، أن “التحالف العسكري بقيادة الولايات المتحدة بات يهدد الأمن والاستقرار في العراق”، عقب الضربات الأميركية التي أسقطت 16 قتيلا، بينهم مدنيون، و25 جريحًا.


 ماذا حدث؟

نفذت القوات الأميركية “ضربات انتقامية”، ردًا على الهجوم المميت في الأردن أدى إلى مقتل ثلاثة جنود أميركيين وإصابة نحو 40 آخرين، حيث استخدمت الغارات الجوية أكثر من 125 ذخيرة دقيقة التوجيه، مع العديد من الطائرات التي تشمل قاذفات بعيدة المدى انطلقت من الولايات المتحدة، وشملت المنشآت التي تم قصفها “عمليات القيادة والسيطرة”، بحسب بيان للقيادة الوسطى الأميركية.
قال الرئيس الأميركي جو بايدن إن الرد الأميركي بدأ وسيستمر في الأوقات والأماكن التي تحددها الإدارة الأميركية، لكنه أشار مع ذلك إلى أن بلاده لا تسعى لصراع في الشرق الأوسط أو أي مكان آخر في العالم.
أشارت وسائل إعلام سورية إلى أن “العدوان الأميركي” استهدف عددا من المواقع بمناطق صحراوية في سوريا وعلى حدودها مع العراق أوقع قتلى ومصابين.

قال البيت الأبيض إن الولايات المتحدة أبلغت العراق قبل شن ضربات جوية على 3 مواقع تخص فصائل داخل البلاد.
في المقابل، نفى رئيس الوزراء العراقي، قيام الولايات المتحدة بالتنسيق للضربات الجوية مع الحكومة، ووصف تلك المزاعم بأنها “أكاذيب”، مجددا رفض العراق أن تكون أراضيه ساحة لتصفية الحسابات.
وأفادت تقارير وأنباء بارتفاع عدد القتلى والجرحى جراء الضربة الانتقامية الأميركية ضد أهداف لفصائل مسلحة مدعومة من إيران إلى 34 قتيلا وأكثر من 25 جريحا في كل من سوريا والعراق، وفق مصادر.
جدل التوقيت  

وبشأن توقيت الضربات والتأخر الأميركي في تنفيذها، قال مدير مركز التحليل العسكري والسياسي في معهد هدسون، ريتشارد وايتز، في حديث لموقع “سكاي نيوز عربية”، إن افتقاد تلك الضربات لأهم عناصر التحرك العسكري وهو “المفاجأة”، قد يرجع الانتظار حتى إعادة جثث ثلاثة من أفراد الخدمة القتلى إلى الولايات المتحدة، وكذلك إعطاء إيران الوقت لنقل مواطنيها في العراق وسوريا بعيدًا عن الأذى حتى لا تكون هناك مواجهة مباشرة بين الولايات المتحدة وإيران”.
ما حدود التأثير؟

الخبير العسكري، مالك الكردي، يرى أن الضربات الأميركية طالت القواعد والنقاط الإيرانية وفقا لبنك الأهداف لدى القيادة الأميركية المحمّل لديها على الخرائط حتى قبل 5 أيام من موعد تنفيذ بدء هذه الضربات.

هذا الأمر، حسب الكردي: “يؤكد أن التصريحات الأميركية خلال الأيام السابقة كانت تشير بوضوح إلى اتجاهها نحو ضرب المنشآت دون إلحاق الأذى الكبير بالأفراد، وتحذير المليشيات لسحب عناصرها، وكذلك سحب الأسلحة والعتاد الممكنة وإعادة انتشارها بوقت قصير”.

وأشار إلى أن نتيجة لذلك “جاءت الضربات مركزة على مستودعات الأسلحة وأماكن تمركز المليشيات، واقتصار الإصابات البشرية على بعض عناصر الحراسات وبعض القيادات العسكرية في مقرات العمليات”.

وبالنظر لكون تلك الضربات جاءت في معظمها على المنطقة الشرقية، وتحديدا معسكرات ونقاط التمركز في منطقة البوكمال والميادين؛ فيتوقّع المحلل العسكري أن هذا يتيح توسيع دائرة نفوذ واشنطن في قاعدتها في التنف، لتتوسّع شمالا لإغلاق الممر الذي تستخدمه المليشيات في تواصلها المفتوح مع إيران عبر العراق.

إلا أن الكردي يصف نتائج الضربات على وضع المليشيات حتى الآن بالمحدود، ولم يؤثّر على بنيتها وعلى قدراتها القتالية التي ما زالت تحتفظ بها كاملة، لكن يتوقف الأمر على ما ستسفر عنه الضربات خلال الأيام المقبلة.

مأزق بايدن يتعمق

الخبيرة الأميركية المختصة في الشؤون الدولية والاستراتيجية، إيرينا تسوكرمان قالت لموقع “سكاي نيوز عربية”، إن الولايات المتحدة استغرقت وقتا للنظر في خيارات مختلفة للرد على هجوم قاعدة الأردن، لكنها في هذا الإطار تشير إلى أن إدارة بايدن تواجه معضلة لأنها لا تزال تعتقد أن الرد القوي للغاية على إيران سيؤدي إلى تصعيد إضافي أو حتى مواجهة مباشرة مع إيران، وهو ما تسعى إلى تجنبه في عام الانتخابات.

وأضافت أن “جزء من السبب هو القلق الأقل بشأن مستوى قوة إيران وقدرتها على الضرر، وهو أقل بكثير مقارنة بالولايات المتحدة، ثم رد الفعل المحلي من أنصاره الديمقراطيين حيث يفقد بايدن بالفعل الدعم بين الناخبين الرئيسيين”.


وأوضحت تسوكرمان أن بعض الديمقراطيين أنفسهم انتقدوا ردود الولايات المتحدة على عدوان الحوثيين، ويعتقدون أن الإدارة تتصرف خارج نطاق سلطتها من خلال عدم السعي للحصول على موافقة الكونغرس، كما ينتقد آخرون على نطاق أوسع موقف الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، لذلك فإن جزءا من التردد في سياسة بايدن الخارجية يرجع إلى القلق بشأن هذه الاعتبارات والنقد الداخلي داخل حزبه.

بعبارة أخرى، فإن رسائل بايدن في المنطقة موجهة إلى الداخل الأميركي، بحسب تسوكرمان، بحيث حيث يحتاج إلى دعمه لإعادة انتخابه بقدر ما هو موجه نحو إيران، ولسوء الحظ، فبينما تعتقد الولايات المتحدة أن الأمر قد يستغرق الكثير من الوقت الذي تحتاجه لدراسة رد مدروس وفعال ومتناسب، تنظر إيران إلى أي تردد على أنه تعبير عن ضعف الولايات المتحدة”.

وترى أن “التردد الأميركي” يمثلًا ضعفًا لبايدن على أرض الواقع، قائلة: “في الواقع، كما نشهد بالفعل، كلما كان رد الولايات المتحدة أضعف، كلما دعت إلى المزيد من العدوان، وبنفس القدر من الأهمية، سواء مع الحوثيين أو إيران نفسها أو وكلاء آخرين، فإن الولايات المتحدة لا تأخذ في الاعتبار أن ضرباتها لن تنجح إلا في وقف التوسع في عمليات إيران”.

وتابعت: “من خلال التحذير، فقدت الولايات المتحدة ميزة استراتيجية تتمثل في المفاجأة، وأعطت أذرع إيران فرصة لسحب آلياتها الأكثر قيمة من المناطق المستهدفة”.
هجوم جمهوري

عضو الحزب الجمهوري والمحلل السياسي الأميركي ماك شرقاوي، أشار في حديث لموقع “سكاي نيوز عربية”، إلى أن بايدن يضع نصب عينيه الانتخابات الرئاسية، مضيفًا: “بايدن في موقف لا يُحسد عليه وهو يستقبل جثامين 3 جنود أميركيين، فهي ليست المرة الأولى حيث استقبل قبل ذلك جثامين 13 جنديا قتلوا في الانسحاب غير المنظم من أفغانستان، وبالتالي هناك محاولة لاسترضاء الرأي العام الأميركي بالرد الانتقامي عبر تلك الضربات”.

وأشار إلى وجود انتقادات متعددة من قادة الحزب الجمهوري لعدم اتخاذ رد مناسب بعد هجوم قاعدة التنف، وحتى بعد الضربات فهناك انتقادات لأن الرد كان ضعيفًا ولعدم استهداف طهران ذاتها”.

وأشار “شرقاوي” إلى أن التأخير في الرد كان على رأس الانتقادات، على الرغم من كونه جاء متأخرا لحسابات جيوسياسية كثيرة؛ لتجنب الدخول في مواجهة مباشرة مع إيران لأن بايدن لا يرغب في ذلك ويسعى فقط لمنع استهداف القوات الأميركية، حيث لا يريد توسيع جبهات القتال حتى لا يمثل ذلك ضغطا على إسرائيل وتحسبا من “الانتقام الإيراني”.

تضارب.. وقلق

وعلى هذا النحو، اعتبر الخبير الأميركي المتخصص في الشؤون الأمنية والإستراتيجية، سكوت مورغان، في حديثه لموقع “سكاي نيوز عربية”، أن هناك تضارباً أميركياً فيما يخص تأخير الرد على الهجوم الذي طال القاعدة العسكرية بالأردن، مضيفًا: “فيما يتعلق بالتأخير في الرد، سمعت إجابتين مختلفتين، فالبعض داخل الإدارة يشير إلى أن ذلك بسبب الأحوال الجوية، لكن كانت هناك تقارير تشير إلى أنه تم اختيار التوقيت بحيث لا يؤثر ذلك على الأسواق وخاصة سوق النفط”.

وأشار “مورغان” إلى أن الإدارة الأميركية تخشى بالفعل من تصعيد الموقف في المنطقة، وتعمل على تجميد الجبهات قبل اقتراب الانتخابات، متابعًا: “قد يؤدي الأمر إلى صراع أكبر محتمل، إذ رأينا بالفعل وكلاء إيرانيين يهاجمون المصالح الأميركية في العراق في غضون ساعات من الضربة، وبالتالي إذا كانت هذه الضربة لردع إيران، فقد ينتهي الأمر بالفشل، حيث يمكن للصراع طويل الأمد أن يطال كلا الطرفين بتداعيات فادحة”.

لكن الخبير المختص بالشؤون الأمنية يعتقد أنه “إذا استمرت الهجمات الإيرانية ووكلائها في المنطقة على المصالح الأميركية، وتمكن الرئيس بايدن من الرد بقوة، فقد يساعد ذلك في الواقع في حملة إعادة انتخابه مجددا”.

وقال: “ومع ذلك، فإن عدد الحوادث التي وقعت قبل الهجوم والتي أسفرت عن وفيات أميركية، تبدو أن هذا أمر يحتاج إلى رد قوي”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى