صحيفة دولية: تصعيد الحوثيين في البحر الأحمر يفاقم أزمات الأردن

عدن24| العرب:

دفع استهداف الحوثيين للملاحة الدولية في البحر الأحمر وباب المندب الأردن إلى اتخاذ إجراءات عاجلة من شأنها أن تفاقم أزماته، في وقت يعاني فيه الأردنيون من غلاء أسعار المواد الاستهلاكية وتدني مقدرتهم الشرائية.

واستهدفت جماعة الحوثي اليمنية أكثر من مرة مدينة إيلات على البحر الأحمر جنوب إسرائيل بصواريخ باليستية وطائرات مسيّرة؛ ردا على حرب إسرائيلية مدمرة ومتواصلة ضد الفلسطينيين في قطاع غزة منذ 7 أكتوبر الماضي.

ومع قصر المسافة بين إيلات ومدينة العقبة الأردنية، سواء من البر أو البحر، فإن هذا الوضع يعني أن المملكة لن تقف مكتوفة الأيدي تجاه أيّ تهديدات من شأنها المساس بأمنها وسلامة أراضيها.

وتبعد إيلات عن العقبة 16 كيلومترا، ويرتبطان بمعبر وادي عربة (معبر إسحاق رابين من جهة إسرائيل)، وهما مدينتان ساحليتان على خليج العقبة في البحر الأحمر.

وفي الأسابيع الماضية، أعلن الحوثيون إطلاق صواريخ وطائرات مسيّرة على “أهداف عسكرية (إسرائيلية) في منطقة أم الرشراش (الاسم العربي لإيلات) جنوب فلسطين المحتلة”.

كما استهدفوا بصواريخ ومسيّرات سفن شحن في البحر الأحمر تملكها أو تشغلها شركات إسرائيلية أو تنقل بضائع من إسرائيل وإليها، “تضامنا مع غزة”.

وفي 27 ديسمبر الجاري، قال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، خلال لقائه قادة البحرية وجنود في إيلات، إن بلاده سترد على أيّ هجوم يستهدف المدينة.

تأثير سلبي كبير
يقول الباحث في شؤون الشرق الأوسط عمار عبدالحميد إن “التعدي على السفن وإطلاق المسيّرات أثّرا على ميناء إيلات وأديا إلى حالة شلل تقريبا في الميناء الذي يشكل حوالي 5 في المئة من تجارة إسرائيل، وأثرا فعلا على اقتصادها”.

ويضيف عبدالحميد “إسرائيل تمتلك موانئ أخرى على البحر المتوسط، أما الأردن فالمنفذ البحري الوحيد هو العقبة القريبة جدا من إيلات، وبالتالي ما يحدث يؤثر بشكل سلبي وكبير على المملكة”.

وأوضح أنه “من الناحية الاقتصادية، ارتفعت أجور الشحن عبر البحر الأحمر بشكل كبير وزادت كلفة التأمين على الشحنات البحرية، وهذا سيضغط على الاقتصاد الأردني ويزيد الأسعار على المستوردات، ومنها النفط، ويرفع كلفة الصادرات الأردنية كثيرا”.

وتابع “ناهيك عن الخطر الذي قد يتسبب بإغلاق باب المندب (تمر منه 40 في المئة من التجارة الدولية)، وخاصة أن بعض الشركات العالمية في مجال النقل بدأت فعلا في تغيير مسارها إلى (طريق) رأس الرجاء الصالح (حول أفريقيا)، وإذا تصاعدت الهجمات فقد تؤثر على السياحة أيضا، والتي استثمر الأردن فيها المليارات من الدولارات”.

وقال وزير السياحة الأردني مكرم القيسي، في 26 ديسمبر، إن “الأزمة التي يمرّ بها الأردن والتداعيات السلبية على الاقتصاد الكلي وعلى قطاعات كثيرة منها قطاع السياحة؛ جراء العدوان الإسرائيلي الغاشم على أهلنا في غزة وفلسطين المحتلة، ليست الأولى التي يتعرض لها خلال العقود الماضية”.

ولفت إلى أن عدد زوار المملكة خلال الـ11 شهرا الماضية بلغ نحو 5 ملايين و937 ألف زائر، بارتفاع 29.2 في المئة، مقارنة بالفترة ذاتها من 2022، وبنسبة 19.6 في المئة مقارنة بالفترة ذاتها من 2019.

وأضاف القيسي أن الدخل السياحي لنفس الفترة بلغ حوالي 4 مليارات و894 مليون دينار (6 مليارات و892 مليون دولار)، بزيادة 30.5 في المئة مقارنة بالفترة ذاتها من 2022.

وأما عن الجانب السياسي والإستراتيجي، فاعتبر عبدالحميد أن “التهديد الحوثي، والذي تحول إلى واقع أمني خطير، يؤثر على المديين القريب والبعيد، ويعطي الحلف الإيراني قدرة أكبر كثيرا على التأثير”.

وأوضح أن “المملكة ودول المنطقة العربية، وخاصة دول الخليج ومصر، أصبحت مضطرة للتفاوض مع الحلف الإيراني بما يملكه من أدوات في اليمن، تتمثل بالحوثي، وفي سوريا ولبنان تتمثل بالميليشيات”.

ويرى عبدالحميد أن “إيران تحاول أن تملأ فراغ المنطقة بحكم الواقع الجيوساسي الجديد فيها، من خلال تثبيت نفسها كقوة إقليمية كبرى، لاسيما مع وجود أذرعها التنفيذية”.

وشدّد على أن هذه الأذرع “تشكل كابوسا أمنيا وحضاريا للدول العربية من جهة والاحتلال الإسرائيلي وما يفعله من تدمير للبشر والحجر في غزة من جهة أخرى”.

وبالنسبة إلى ما يمكن أن يفعله الأردن، تحدث عبدالحميد عن “العمل الجاد وبكل قوة على وقف الحرب على غزة والتعاون الجاد مع الدول العربية، لسحب ورقة مساندة المقاومة في غزة من الحوثيين، الذين استغلوا ما يحدث ونجحوا في التأثير في الاقتصاد الاسرائيلي وشغلوا ماكينتهم الإعلامية”.

ورأى أن “الحوثيين، ومن ورائهم إيران، وجهوا رسائل في أكثر من اتجاه، أولها إلى القوى الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، بأنهم قوة مؤثرة ولا بد من الاستمرار بالتفاوض معهم، وأثبتوا أنهم فاعل سياسي وعسكري”.

وأما رسالة الحوثيين الثانية، وفقا لعبدالحميد، فقد “وُجهت إلى الشعوب العربية والمسلمة المتعاطفة بشكل هائل مع غزة، فقد انفرد الحوثيون بمظهر المقاوم والمعين لفلسطين، وبالتالي المزيد من الاختراق الإيراني لهذه الشعوب واستغلاله لتأسيس أذرع جديدة في مناطق أخرى”.

وشدد على أنه “لا بد من عمل إعلامي كبير يُظهِر ما تفعله الدول العربية من أجل غزة، ويبين في الوقت ذاته الحقائق والنوايا السياسية للحوثي وداعميه”.

كما دعا عبدالحميد “الأردن ودول الخليج ومصر إلى استخدام كل الإمكانات للضغط على الجانب الغربي لوقف الحرب (في اليمن) خاصة أن الغرب سّهل وتساهل كثيرا مع الحوثي”.

ومنذ 20 شهرا، يشهد اليمن تهدئة لحرب اندلعت قبل نحو 9 سنوات بين القوات الموالية للحكومة الشرعية، مدعومة بتحالف عسكري عربي تقوده الجارة السعودية، ومليشيات الحوثيين المسيطرة على محافظات ومدن منها العاصمة اليمنية صنعاء (شمال) منذ 2014.

ومضى عبد الحميد قائلا “لا بد من إنشاء ورش عمل لإدارة الأزمة والتعاطي معها على أساس إستراتيجي وليس آنيا؛ فالأمن العربي على المحك، ووضع خطة للتعاطي الجماعي مع الجانبين الإيراني والإسرائيلي بشكل جماعي، بما يفيد في استقرار المنطقة والحل العادل للقضية الفلسطينية”.

وشدد على ضرورة “إعادة قراءة المشهد السوري والبدء بالعمل الجدي والفاعل في الموضوع السوري، وبالتالي وقف التمدد الإيراني (يدعم نظام بشار الأسد في سوريا) والانفلات الأمني والسياسي في سوريا، بما يمثله من خطر على الأمن العربي”.

إجراءات قاسية

اضطر الأردن إلى تشديد قيود تصدير وإعادة تصدير سلع غذائية أساسية بسبب ارتفاع تكاليف الشحن في الآونة الأخيرة، بفعل أزمة البحر الأحمر، التي تركت آثارا سلبية على الأعمال واللوجستيات.

وقال وزير الصناعة والتجارة والتموين يوسف الشمالي في بيان الخميس الماضي إن بلاده “منعت تصدير وإعادة تصدير مجموعة من السلع، بعد توصية من مجلس الأمن الغذائي، بسبب ارتفاع تكاليف الشحن الناتج عن التوترات في البحر الأحمر”.

وتخشى الحكومة من أن تتسبب التكاليف الباهظة لواردات السلع الأساسية بسبب احتمال ارتفاع أسعارها في الأسواق العالمية جراء تداعيات الأزمة في البحر الأحمر على سلاسل الإمدادات في إعادة توسيع فجوة العجز التجاري.

وبحسب القرار الحكومي، يشمل الحظر سلع الأرز والسكر والزيوت النباتية (زيت الذرة، زيت عباد الشمس، وزيت النخيل، وزيت الصويا)، دون تحديد موعد لوقف العمل بالقرار.

ويبدو الأردن واحدا من الدول الكثيرة التي تتأثر بالأزمات الخارجية بالنظر إلى هشاشة اقتصاده واعتماده الشديد على المساعدات من البلدان الغنية وفي مقدمتها الولايات المتحدة، فضلا عن القروض من المؤسسات الدولية المانحة.

والتوترات التي تشهدها الملاحة عبر البحر الأحمر أجبرت بعض الشركات العالمية الكبيرة على وقف نشاطها الملاحي حتى إشعار آخر، نتيجة لتردي الوضع الأمني.

ومن بين هذه الشركات، شركة بريتيش بتروليوم وشركة أم.أس.سي وعملاق الشحن الدنماركي ميرسك ومنافسته الفرنسية سي.أم.أي – سي.جي.أم.

وبعد نحو شهر على بدء الحوثيين استهداف السفن الإسرائيلية أو التي تنقل بضائع من إسرائيل وإليها، أعلن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن الأسبوع الماضي مبادرة لتشكيل قوات متعددة الجنسيات باسم “حارس الازدهار”، بهدف “ردع الهجمات في البحر الأحمر”.

واستولى الحوثيون في نوفمبر الماضي على سفينة الشحن غالاكسي ليدر المملوكة لرجل أعمال إسرائيلي، في البحر الأحمر، واقتيادها إلى الساحل اليمني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى