#تقرير_خاص | القتل العمد للأقارب.. حلقات عنف مخيفة هل ينهيها القضاء؟

عدن24 | خاص

تزايدت خلال الفترة الأخيرة من هذا العام الجاري حوادث القتل والانتحار في معظم محافظات اليمن.
أسباب عدة أدت إلى لجوء البعض من أولياء الأمور للانتحار أو إعدام من يعولون، منها الأوضاع الاقتصادية التي احتلت المرتبة الأولى في دفع الشخص لارتكاب هذه الأعمال الإجرامية البشعة.
حالات عدة من القتل شهدتها صنعاء وإب وتعز والعاصمة الجنوبية عدن ومحافظة شبوة خلال الأيام القليلة الماضية.
وكان الجزء الأكبر من دوافع القتل الوضع الاقتصادي الذي عصف بالكثير من الأسر مستورات الحال، لكن ما حل بها هو تردٍ في الحياة المعيشية أوصل البعض إلى حد اللجوء للشوارع للتسول.
شهد العام الجاري 36 حالة قتل وحالتين شروع بالقتل، كما شهد منتصف العام الماضي 21حالة قتل، وهناك حالات عدة لم تبرز ملفاتها للجهات القضائية.. ليستمر مسلسل القتل الدموي المختلف في تزايد كبير جراء تقاعس الجهات المعنية في تنفيذ أحكامها وتعاملها مع هذه القضايا بكل شفافية ومسؤولية، حيث ماتزال هناك العديد من القضايا حبيسة الأدراج.
الوضع المعيشي البائس وانقطاع الرواتب وزيادة الإيجارات وانتشار الحبوب المخدرة كلها عوامل زادت من مشكلة القتل بين الأسر التي انتشرت مؤخرا وبصورة مخيفة كما قال مواطنون.
وما زاد انتشار هذه المشكلة غياب الوعي لدى بعض المواطنين من تبعات هذا العمل الإجرامي وكذا غياب دور منظمات المجتمع المدني في رفع مستوى الوعي لدى الأسر.

ظاهرة دخيلة

شهدت اليمن على المدى القصير تغيرات شتى وأحداثا متسارعة ومخيفة، تسببت في إضعاف المواطن المغلوب على أمره الأمر الذي جعلنا نسمع قصصا غير مألوفة لم نكن نسمعها إلا فيما ندر.
اليوم نتساءل كيف يتحول قلب الأبوة إلى وحش؟ كيف يتحول من الرحمة إلى القسوة؟، أو من الخوف على الولد إلى إزهاق روحه.
يقطر قلب الأب دماً وهو يباشر بجريمة في حق أبنائه، ليخط بدم أولاده كتابات لعل هناك من يقرأها، يكتب بها كلمات حزينة تعبر عن مقدار الأسى الذي مر به هذا القلب حتى أصبح لا يرى أمامه إلا الجريمة كحل مؤقت للتخلص ممن يحب، لسان حاله الموت لمن نحب خيرا له من سؤال الناس والتشرد في الأزقة وطرق أبواب المنازل.

في مدينة صنعاء اليمنية أقدم المدعو علي عبد الله حسن النعامي على جريمة هزت الشارع اليمني بقتله بناته الثلاث: ملاك (14 عاماً)، ورغد (12 عاماً)، ورهف (سبعة أعوام) بسبب خلافاتٍ مع زوجته.
وفي محافظة شبوة أقدم مواطن في منطقة جردان على إطلاق النار عشوائياً مستهدفاً عدداً من أفراد أسرته.
وأوضحت مصادر أمنية أن زوجة الجاني وأحد أقربائه قتلا في الحادث، وأصيبت طفلتان.
محافظة إب اليمنية هي الأخرى شهدت حالة قتل من نوع آخر، حيث أقدم شاب يدعى “حمزة” على قتل والده “أمين ناجي الجعشني” حيث سدد إليه خمس طعنات قاتلة بواسطة آلة حادة “ديسميس” وسط صدمة مجتمعية كبيرة واستياء واسع في أوساط المواطنين لهول الجريمة التي هزت المحافظة، في ظل فوضى أمنية تشهدها إب الخاضعة لسلطات مليشيا الحوثي الإنقلابية.
وفي مديرية المنصورة بالعاصمة عدن لقي رجل في العقد السادس من عمره مصرعه وابنه على يد ابنه الآخر صباح السبت الماضي.
وقام الشاب بفتح النار على والده وشقيقه فأرداهما قتيلين في الحال.

الحالة المعيشية

انتشار ظاهرة القتل بين الاقارب يعد من الحالات الوليدة في المجتمع والتي أصبحت تغزو العديد من الأسر محدودي الدخل الذين فقدوا دخلهم في هذه الفترة الأخيرة خصوصا بعد الأحداث التي عصفت بالبلاد حيث قال الاختصاصي الاجتماعي رائد جلعوم: “لم يعد اليمن السعيد كما عرف سابقا بل أصبح اليمن الحزين، فبعد أن انتشرت ظاهرة خطف الأطفال انتشرت عدوى القتل وأصبحت كل يوم تغزو بيتا في اليمن حتى يصحو المجتمع على فاجعة فهذا الأب يقتل بناته وذلك الأخ يقتل أخاه والزوج يقتل زوجته وكذلك القتل بين أبناء العم”.
وأضاف بأن “الفقر سبب رئيسي في ما نحن فيه فعند النظر إلى قضية قتل الأب لبناته فإن الفقر كان سببا في الخلافات الأسرية التي عندما تكثر في البيت اليمني كثيرا ما تؤدي إلى طلاق الزوجين وتشتيت أفراد العائلة فرحيل الزوجة والأطفال أي تهدم ما بناه الزوج خلال سنوات طويلة فلم يتحمل الزوج هذا الفراق فدفعه مزيج من المشاعر ما بين الحسرة والانتقام إلى قتل بناته، وفي بعض الأحيان تدفع كثيرا من الازواج إلى قتل اطفالهم وزوجاتهم خشية تشردهم في الشوارع حتى يلحق هو بهم وفضل الموت على الفراق ولكنه ذهب بهم إلى الفراق الأبدي”.
وأوضح أن “الفقر جعل الكل يفكر في نفسه فساد المجتمع نظرة الانانية والكراهية والبغضاء بين الاخوة في العائلة الواحدة فلم يعد الواحد يفكر الا في نفسه فتجدهم يتقاتلون على المنازل والأراضي أو الإرث، وهكذا الحال مع أبناء العم وباقي الأقارب”.. مبيناً أن “القتل يعد ظاهرة خطيرة جدا تمزق أوصال المجتمع”، متسائلاً” كيف للشخص أن يعيش في مجتمع يقتل فيه أفراد الأسرة الواحدة بعضهم؟ وكيف ستكون الحياة بين الازواج عند ابسط خلاف أن تلقى الزوجة واطفالها مصير القتل؟!”.
وتابع: “إن هذه الأيام تراود فكرة القتل بعض من ضاقت به الدنيا ولم يستطع توفير لقمة العيش لأطفاله، مشهد من مشاهد أفلام الرعب ولن تستطيع استيعابه من شدة قساوته.. وقد يتساءل البعض: ما الحل؟”.
وقال: “إن شريعتنا الاسلامية جاءت لتكمل مكارم الأخلاق فحرمت القتل والسرقة وكثير من الأعمال التي تفسد المجتمع وعلى الوالدين غرس تعاليم الدين الاسلامي الحنيف في اطفالهم وتمسكهم بها وغرس الصبر والقناعة فيهم”.
واختتم حديثه بالقول: “لا ننسى دور خطباء المساجد في تذكير الناس وحثهم على اتباع تعاليم دينهم الاسلامي وكذلك نصح الناس بالذهاب إلى الجهات المختصة لنظر في النزاعات وحلها والابتعاد على الحلول الدموية”.

غياب الوعي

من جانبها قالت المواطنة ندى جميل: “إن الانحطاط الأخلاقي وغياب الوعي عند البعض من الناس جعلهم يمارسون أنواع الطرق البشعة وذلك من خلال تعاطيهم للمذهبات العقلية المتنوعة”، مشيرة إلى أن “هناك أسبابا عدة جعلتهم يلجؤون إلى هذه الطريقة أبرزها الغلاء المعيشي الذي أنهك كاهل المواطنين لاسيما محدودو الدخل”.
وأضافت “إن عدم الايمان لدى البعض من الناس بأن الله هو من يدبر الأمور وهو الرزاق الكريم، اتخذوا هذه الطرق البشعة التي تتنافى مع ديننا الحنيف ويرتكبون ما حرم الله فعله خشية الرزق”.

وأوضحت أن “هناك بعض الناس يتركون أسرهم تعاني البحث عن لقمة العيش وهم منشغلون في كيفية الحصول على مبتغاهم من القات والسجارة والحبوب المخدرة المنتشرة بشكل كبير في الأسواق المحلية في ظل غياب الجهات الرقابية على هذه الآفة التي تحصد مزيدا من الأرواح البريئة”.. داعية تلك الجهات إلى القيام بواجباتها ومسؤوليتها تجاه هذه الظاهرة لضبط من يقوم ببيعها ومتعاطيها وذلك للحد من ارتكاب الجريمة، وهذه الأشياء التي ذكرناها آنفاً لعلها من أبرز أسباب انتشار ظاهرة القتل بين الأسر”.

أما المحامي خالد الأميري فقال: “إن ظاهرة القتل لم تكن منتشرة في السابق مثل هذه الأيام، والتي انتشرت بعد الحرب عام 2015وكنتيجة للحرب التي أدت إلى تردي الحالة المعيشة للكثير من الأسر، وكذا الظروف التي يمر بها المواطن في اليمن بشكل عام وخاصة أرباب الأسر القائمين على إعالة أفرادهم فأغلبهم يعانون من الحال المعيشي المتردي وضيق المكان الذي يأويهم مع عدم وجود الرواتب أو انقطاعها عن بعض الموظفين في اليمن شمالا وجنوبا”.
وأضاف: “إن هذه ظاهرة القتل في الأسر انتشرت بشكل كبير في المناطق الشمالية خاصة لأن مواطنيها وخاصة الموظفين يعانون انقطاع رواتبهم وهم يعولون أسرا مكونة من أفراد كثيرة وهم المسؤولون على توفير كل احتياجاتهم من مأكل وملبس ومشرب، وغياب كل هذه الأشياء الضرورية تؤدي في الأخير إلى ضغوطات كبيره على رب الأسرة”.
وأشار إلى أن “البعض منهم يسكنون في منازل إيجار وهذه مشكلة بحد ذاتها تضاف إلى قائمة المعاناة التي يتكبدها غالبية المواطنين، وكل هذه الأشياء تزيد من الضيق النفسي لدى البعض “ضعفاء النفوس” الذين يلجؤون إلى الانتحار بقتل أولادهم بصورة شنيعة”.

وقال “إن الحد من هذه الظاهرة يكمن في حل مشكلة انقطاع رواتب الموظفين في أقرب وقت ممكن حتى تستطيع تلك الأسر التي يعتبر الراتب هو دخلها الوحيد الذي من خلاله يستطيعون مواصلة العيش بكرامة دون الحاجة إلى الغير أو إقحامهم في مشاكل لا تحمد عقباها كما حصل في بعض الأسر.
ونسأل الله أن يجنب كل الأسر هذه الجرائم المخيفة الدخيلة على مجتمعنا”.
وفي ختام التقرير المأساوي الذي أدمى جوارحنا وقلوبنا قبل أن يبكي أعيننا يتلخص الحل في قول الله تعالى (ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق، نحن نرزقهم واياكم، إن قتلهم كان خطئاً كبيراً).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى