“حمل السلاح” ظاهرة دخيلة تهدد استقرار الجنوب

عدن 24 /  مريم بارحمة :

تعاني معظم دول العالم من مشكلة حمل السلاح، وبخاصة الدول النامية، فظاهرة حمل السلاح من الظواهر المعقدة والشائكة في الوطن العربي خاصة بالسنوات الأخيرة. ومع ذلك تتصدر الولايات المتحدة الأمريكية قائمة الدول في حمل وتجارة وحيازة السلاح وتأتي اليمن في المرتبة الثانية.

وفي الجنوب بدأ حمل السلاح بعد حرب صيف 1994م، وتنامت هذه الظاهرة بشكل ممنهج بعد حرب 2015م، وأغرقت العاصمة عدن والجنوب بالأسلحة؛ لنشر الفوضى والجريمة.

 إن ظاهرة حمل السلاح المرخص وغير المرخص والتجوال به في الشوارع والتباهي به ظاهرة دخيلة على مجتمعنا بالجنوب، فقد كانت دولة الجنوب دولة نظام وقانون وكان يُجرم حمل السلاح حتى في الأرياف فكانت العاصمة عدن ومحافظات الجنوب نموذجًا للسلام والأمان والتعايش السلمي والرقي، وكانت مدن وشوارع الجنوب خالية من مظاهر التسلح.

 فما أسباب انتشار السلاح بالعاصمة عدن ومحافظات الجنوب؟ وكيف يمكن للجهات الأمنية الحد من انتشار وحمل السلاح؟ وما أكثر محافظات الجنوب التي تعاني من مشاكل حمل السلاح؟ ولماذا؟ وما آثار حمل السلاح على الأفراد والمجتمع؟ وما العواقب التي يحصدها الأفراد الذين يحملون الأسلحة في الشوارع العامة والطرقات وبالزي المدني؟ وما هي الحلول والمعالجات التي يجب على المجتمع ووسائل الإعلام اتخاذها للحد من ظاهرة حمل السلاح بمحافظات الجنوب؟

 للإجابة عن هذه التساؤلات كانت لنا عدة لقاءات مع قيادات جنوبية سياسية واجتماعية وإعلامية، فإلى التفاصيل.

ظاهرة غير حضارية

لمعرفة أسباب انتشار السلاح بالعاصمة عدن ومحافظات الجنوب يقول الأستاذ محمد أحمد ذياب باعوضة، عضو مستشار المجلس الانتقالي الجنوبي لـ”الأمناء”: “ظاهرة السلاح في المدن منتشرة بكثرة وهي ظاهرة غير حضارية ولها خطورة على المجتمع، ومن أسبابها ضعف الأمن وعدم حماية المواطن، ويلجأ المواطن إلى حمل السلاح للدفاع عن نفسه وعن ممتلكاته”.

الحرب على الجنوب

ويوضح الناشط السياسي الأستاذ محسن حسن فريد أسباب انتشار السلاح في عدن والجنوب قائلا: “يعود انتشار السلاح إلى أسباب سياسية وثقافية واجتماعية واقتصادية. من الأسباب السياسية: عدم تفعيل القوانين، واستمرار الحرب على عدن والجنوب وظهور التطرف والاعتماد على السلاح لتنفيذ مخططاتهم، ودخول شرائح بشرية إلى عدن لها مقاصد عدائيه لتحطيم المدنية وازالتها، وتكدس الأسلحة بكل أنواعها في المنازل والتشجيع الخاطئ للشباب بحمل السلاح تحت مبرر حماية الشخصيات دون حصولهم على تدريب كافي، وظهور شخصيات باسم شيوخ وعقال ووجهاء وغيره ولهم مرافقون مسلحون، وتعدد الجهات المانحة للتراخيص، وانتشار البسط على الأراضي ساعد في تكوين قوى مسلحة تنتمي لأفراد. ومن الأسباب الثقافية: ثقافة القوة لحل أي خلاف وترك القوانين والأعراف الإيجابية، كما أن ظاهرة حمل السلاح أصبح ثقافة الشباب، وضعف دور المؤسسات المختصة والجامعات والمراكز الثقافية، وظاهرة الثأر، ونقل ثقافة الشمال للجنوب، ووجود المعسكرات داخل المدن بدون توجيه الأفراد بعدم حمل السلاح خارج المعسكرات باستثناء المهمات، وتغاضي بعض نقاط التفتيش عن الأسلحة. ومن الأسباب الاقتصادية: وجود أسواق لبيع السلاح، والبطالة وعدم التوظيف، ومن الأسباب الاجتماعية: تفكك كثير من الأسر بسبب الوضع المعيشي وغياب دور المجتمع”.

سحب السلاح

ولمعرفة كيف يمكن للجهات الأمنية الحد من انتشار السلاح يقول الإعلامي محضار أحمد المعلم: “على الحكومة وبكل أجهزتها الأمنية والعسكرية إشراك السلطات الثلاث التشريعية والقضائية والتنفيذية وتنفيذ حملات يشارك فيها الجميع، ووضع مدة زمنية ما بين ثلاثة إلى ستة أشهر لبيع وإخراج الأسلحة من العاصمة عدن ومدن الجنوب ووضع عقوبات شديدة وقوية لكل من تسول له نفسه إدخال السلاح للمدن الرئيسية ومصادرة السلاح بعد المدة المحددة والسجن للمخالفين. ولابد من الصرامة في هكذا قوانيين والحفاظ على السكينة العامة وعلى أرواح الناس باعتبارها قضية وطنية”.

الأمن قدوة المجتمع

 وتتحدث الناشطة المجتمعية الأستاذة ابتسام عبدالله صالح سعيد العقربي قائلة: “يجب على الجهات الأمنية عدم حمل السلاح والتجول به في الأماكن العامة وخارج مهامهم العملية؛ حتى يكونوا قدوة حسنة للمواطن، واستمرار حملة منع السلاح بجهود متواصلة. ولا نريد حملة آنية، نريد عملا متواصلا في متابعه منع السلاح والتجول به سواء مرخص أو غير مرخص، وتقع المسؤولية على رجال الأمن والمواطنين بالتبليغ عن أي ظاهره من ظواهر حمل السلاح أو المتاجرة به، وتفعيل دور القانون في محاسبة كل من يخالف ذلك، واتخاذ الإجراءات القانونية الرادعة وذلك لن يتحقق إلا بالوقوف إلى جانب الأمن؛ لأن المسؤولية تقع على الجميع، كواجب وطني وأمني حتى يتحقق هدف منع حمل السلاح وبيعه في العاصمة عدن وجميع محافظات الجنوب”.

تعليمات صارمة وغرامات

بينما الأستاذة زهرة صالح علي سالم، سكرتارية المرأة والطفل في اللجان المجتمعية بمديرية الشيخ عثمان تضيف: “على الجهات الأمنية القيام بواجبها الأساسي وهو تأمين المجتمع، ويجب مصادرة أي سلاح ووضع تعليمات صارمة وغرامات كبيرة ولن يكرر المسلحين حمل السلاح مرة أخرى، وتكثف الدوريات لاستتباب الأمن والأمان والاستقرار في كل مكان ولا تتهاون في ذلك”.

مخلفات الحرب

وبخصوص أكثر محافظات الجنوب التي تعاني من مشاكل حمل السلاح يقول أ. محسن فريد: “أكثر محافظات الجنوب ينتشر فيها السلاح هي العاصمة عدن ولحج والضالع وأبين وشبوة؛ لأنها كانت ساحة حرب وأصبح السلاح شيء طبيعي إلى جانب الأسباب السابقة، أما حضرموت لا زال المواطن محافظًا على مظاهر المدنية”.

قوى معادية

بينما يرى الأستاذ محمد باعوضة أن أكثر محافظات الجنوب العاصمة عدن ومحافظة شبوة، لافتاً إلى أن بعض أسباب الجرائم في العاصمة عدن ناتج عن تحريض الشباب من بعض القوى السياسية المعادية للجنوب من أجل زعزعة الأمن والاستقرار في عدن، وعدم تطبيق الأحكام القانونية ضد الخارجين عن النظام والقانون، بينما انتشار الجرائم وحمل السلاح في شبوة بسبب الثارات القبلية، وضعف أجهزة الأمن في مكافحة الجريمة ويلجأ المواطن لأخذ حقه بيده.     

استخدام لغة القوة

وعن آثار حمل السلاح على الأفراد والمجتمع تقول أ. زهرة صالح: “الآثار التي يترتب عليها حمل السلاح كثيرة منها أن يلجأ الشخص لقتل أو جرح الخصم بدلًا من التخاطب معه لحل المشكلة، وأيضا قد يكون حامل السلاح مطمع من قبل جماعة للاستيلاء على سلاحه وقد يدفع حياته ثمنًا لذلك، ومن الآثار أيضًا المظهر الغير حضاري وإثارة الرعب والخوف في نفوس العامة تحسبًا لحدوث أي طارئ في الشارع يتحول بعدها إلى كارثة وغيرها من الآثار السلبية الدخيلة على مجتمعنا”.

السلاح لغة الخطاب

بينما توضح أ. ابتسام العقربي بالقول: “من الآثار تفشي الجريمة وأصبح السلاح في حالات الغضب أو الخلاف لغة الخطاب؛ مما يسهل ويؤدي إلى نهب ممتلكات الغير عن طريق التهديد والقتل”.

التنظيمات الإرهابية

بدوره الإعلامي محضار يضيف: “من آثار حمل السلاح مخاطر كثيره منها: تقويض الأمن والاستقرار، وإقلاق السكينة العامة وإثارة القضايا الجنائية والقتل عند أبسط القضايا الخلافية بين المواطنين والسبب وجود الاسلحة بيد المواطنين. ولا ننسى ان انتشار السلاح يساعد المنظمات الارهابية لتنفيذ مخططاتها الإرهابية والاجرامية وتصفية الوطنيين والشرفاء من نشطاء ومسؤولين ومدنيين وأمنيين وعسكريين، ولانتشار السلاح استفادة القوى اليمنية لإغراق الجنوب في دهاليز الفوضى والاقتتال الداخلي واثارة النعرات والعصبيات”.

تعميق الفساد

ويتحدث أ. محسن عن العواقب التي يحصدها الأفراد الذين يحملون الأسلحة في الشوارع العامة والطرقات وبالزي المدني قائلا: “العواقب كثيرة منها: إزهاق الأرواح البريئة، وخلق الفوضى، وإقلاق السكينة العامة، وإرباك دور الأمن، وهروب الاستثمار، وتعطيل مصالح الناس العامة والخاصة، وتعميق الفساد الأخلاقي، وخلق مبررات لظواهر شاذة مقيتة”.

تهديد الأمن والاستقرار

ويؤكد أ. محمد باعوضة قائلاً: “من العواقب ارتكاب الجرائم وانتشار الفوضى وتهديد الأمن والاستقرار في البلاد، ونأمل من السلطات الأمنية تنفيذ قرار منع حمل السلاح وعقوبة من يخالف القرار، ولتكون جميع مدن الجنوب خالية من حمل السلاح وبمظهر حضاري، ننصح كل مواطن بأن لا يحمل السلاح ويكون إلى جانب الأمن لمحاربة الجريمة قبل وقوعها”.

استمرار الحملات

ولكشف الحلول والمعالجات التي يجب على المجتمع ووسائل الإعلام اتخاذها للحد من ظاهرة حمل السلاح بمحافظات الجنوب ترى أ. زهرة أن “الحلول المترتبة على المجتمع تكمن في مساعدة الجهات الأمنية بالإبلاغ على حاملين السلاح في الشوارع والأماكن العامة وغير العامة كما يجب على المجتمع عدم التعاطف والتغاضي بهذا الأمر أو التدخل في عمل الجهات الأمنية أثناء حملتها بالحد من انتشار السلاح، والأهم أن تكون هذه الحملات الأمنية مستمرة وآلا تنتظر حدوث كارثة إنسانية وبعدها تنزل الحملات والمداهمات، مضيفة:” أما بالنسبة لدور الإعلام فعليه عمل توعوي عبر وسائله المتعددة مع اظهار الكثير من الوثائق والأدلة التي حصلت على أرض الواقع، كما يجب على الجانب الإعلامي وضع ملصقات فيها مواعظ وصور وشعارات وعبارات تحد من  حمل السلاح  وما يترتب عليه من مشاكل وكوارث”.

تكاتف الأمن والمجتمع

 بينما تؤكد أ. ابتسام بالقول :”المعالجات تكمن في تنظيم العمل بين الأمن والإعلام وأئمة المساجد والمواطن؛  فالمسؤولية تقع على عاتق الكل الأمن وأفراد المجتمع، مضيفة:” وليكون للإعلام دور فعال في الحد من انتشار السلاح وارتكاب الجريمة وذلك من خلال وسائل الإعلامية المتعددة الأدوار؛ لكي توصل الرسالة للجمهور من خلال برنامج توعوية تسهم في تغيير سلوك أفراد المجتمع ونبذ ظاهرة حمل السلاح فهي ظاهرة دخيلة في مجتمعنا الجنوبي”.

دور الإعلام محوري

ويؤكد الإعلامي محضار بالقول: “وسائل الإعلام هي السلطة الرابعة والواجب إشراكها في المعترك الوطني وسوف تلعب دورا كبيرا ومحوريا في تنوير وتوعية المجتمع بخطورة السلاح داخل المدن والكوارث التي كان السلاح اللاعب الرئيس فيها، ووضع الخطط البرامجية للإذاعات المحلية والتلفزة والصحف بكل أشكالها الورقية والإلكترونية، وكلنا ثقة أن هناك كوادر إعلامية تستطيع أن تلعب دورا كبيرا في إقناع المواطنين بعدم حمل السلاح”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى