استمرار الصراع يترك ملايين اليمنيين فريسة للجوع

في وقت يبعث فيه الهدوء النسبي الذي يسود اليمن منذ شهور الآمال في إمكانية بدء اتخاذ خطوات عملية على طريق حقن دماء مواطنيه، يتفق خبراء ومتابعون للشأن اليمني، على أن إحلال السلام الشامل في هذا البلد، هو السبيل الوحيد لتمكينه من الخروج من أزمته الكارثية متعددة الجوانب.
فالصراع الناجم عن الانقلاب «الحوثي» ضد الحكومة أواخر عام 2014، زج باليمن في أتون ما تُصنِّفه الأمم المتحدة بالأزمة الإنسانية الأسوأ من نوعها على مستوى العالم بأسره، خصوصاً بعدما وصل انعدام الأمن الغذائي بين اليمنيين، إلى مستويات متفاقمة غير مسبوقة.
وتؤكد تقديرات دولية مستقلة، أن نصف حالات الوفاة التي سُجِلَت في اليمن على مدار الأعوام الثمانية الماضية، والتي يقارب عددها 233 ألف حالة، تُعزى إلى الآثار غير المباشرة للصراع، من قبيل النقص الحاد في الغذاء، وتدني مستوى الرعاية الصحية، بجانب تدمير البنية التحتية بشكل شبه كامل.
ويحذر الخبراء، من أن تراجع حدة المواجهات نسبياً منذ الاتفاق في ربيع 2022 على هدنة أُممية مُدِدَت مرتين وانتهى سريانها رسمياً في أكتوبر الماضي، وإن ظلت قائمة بحكم الأمر الواقع، لم ينعكس بشكل كافٍ على الأوضاع المعيشية لملايين اليمنيين، الذين لا يزالون محاصرين، ما بين الصراع المستمر والمجاعة التي تُحدق بكثير منهم، سواء بسواء.
وفي تصريحات نشرها موقع «ناشيونال وورلد نيوز» الإخباري، شدد الخبراء على أن وضع الاقتصاد اليمني الذي دمرته الحرب، أسهم بشكل هائل في تردي الوضع الإنساني، لا سيما في ظل القيود المفروضة على الاستيراد، والتراجع الحاد في قيمة العملة المحلية، وتباين سعر صرفها، بين المناطق اليمنية المختلفة.
وإضافة إلى ذلك، أفضى ارتفاع أسعار الوقود والمواد الغذائية عالمياً، نتيجة للاضطرابات التي شهدتها السنوات القليلة الماضية، وعلى رأسها تفشي وباء كورونا واندلاع الأزمة الأوكرانية، إلى دفع ملايين اليمنيين إلى حافة المجاعة، بعدما فقد كثير منهم سبل الحياة الضرورية وفرص العمل، وهو ما يجعلهم عاجزين عن شراء احتياجاتهم من الطعام، حتى وإن كان متوافراً أحياناً في الأسواق.
وفي السياق نفسه، قادت اعتداءات جماعة «الحوثي» على المناطق الزراعية واستهدافها قوارب الصيد، وزرعها الذخائر والألغام الأرضية بالقرب من الحقول والشواطئ، إلى تراجع الإنتاج المحلي من الخضراوات والأسماك، وسط شح شديد في الخدمات الحيوية، وعدم توافر إمدادات كافية من المياه الصالحة للشرب.
ويبرز هذا الوضع الإنساني الصعب، أهمية اغتنام التراجع الراهن في حدة التوتر، لتسريع وتيرة الجهود الرامية لبلورة تسوية سلمية شاملة، تفتح الطريق أمام إطلاق عملية إنعاش اقتصادي، تساعد اليمنيين على مواجهة التحديات الحالية، والتعافي كذلك من تبعات سنوات الصراع، الذي يقترب الآن من إكمال عامه التاسع.
ويدعو الخبراء في هذا الصدد، إلى أن تقود الأمم المتحدة والوكالات الإغاثية التابعة لها، تحركاً جماعياً، يستهدف مد يد العون إلى اليمنيين المنكوبين بالصراع، بما يشمل منح تمويل مستدام للمنظمات الإنسانية المحلية، مع التركيز على دعم الفئات المجتمعية الأكثر هشاشة، وعلى رأسها النساء والنازحون.
وتأتي هذه الدعوات، في وقت تفيد فيه بيانات أممية، بأن الوضع الإنساني في اليمن، بات الآن أسوأ من العام الماضي، بعدما ارتفع عدد من يعانون من انعدام الأمن الغذائي هناك، إلى قرابة 19 مليون شخص، مقارنة بنحو 16.2 مليون خلال 2022، وسط مخاوف من أن يتحول ما يكابده اليمنيون، إلى ما يمكن أن يُوصف بـ «أزمة إنسانية منسية»، لا تلقى ما يجب من اهتمام، من جانب المجتمع الدولي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى