تقرير دولي: في الذكرى السنوية الأولى للهدنة الأممية في اليمن.. ماذا بقي منها؟

يصادف الثاني من أبريل مرور عام على إعلان الهدنة الأممية في اليمن بين الحكومة الشرعية والحوثيين، في ظل مؤشرات على وصول الجهود الدولية لتمديد الهدنة التي انتهت في أكتوبر من العام الماضي إلى نقطة حرجة، بالتوازي مع تصعيد عسكري وسياسي حوثي يهدف لفرض واقع جديد على الأرض بعيدا عن استحقاقات الهدنة واشتراطاتها.وفي مقال له بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لدخول الهدنة الأممية حيز التنفيذ لأول مرة، وصف المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ الهدنة بأنها مثلت “لحظة من الأمل لكونها انفراجه نادرة في دورة من العنف والتصعيد استمرت دون انقطاع تقريبًا على مدى ثماني سنوات”.وقال المبعوث الأممي إنه “بالرغم من انتهاء مدة الاتفاق، إلا أن الهدنة مازالت قائمة إلى حد كبير، ويستمر تنفيذ الكثير من بنودها حتى اليوم. إلا أن أهم ما بشرت به الهدنة هو تعزيزها لفرصة إطلاق عملية سياسية جامعة تهدف إلى إنهاء النزاع بشكل شامل ومستدام”.بعد عام لم يتبقّ من هذه الهدنة سوى بعض الآمال في أن ينعكس الاتفاق السعودي – الايراني إيجابا على الملف اليمنيوحذر غروندبرغ من انهيار الهدنة مشيرا إلى أنه “لا تزال هناك مخاطر كبيرة. فالتصعيد العسكري والاقتصادي والخطابي في الأسابيع الأخيرة يذكرنا بهشاشة إنجازات الهدنة إن لم ترتكز على تقدم سياسي نحو حل سلمي للنزاع”.وسرد المبعوث الأممي إلى اليمن في الذكرى الأولى لإعلان الهدنة، الجهود التي قام به على الصعيد العسكري والأمني والسياسي والاقتصادي، مشيرا إلى قيام مكتبه بإنشاء لجنة التنسيق العسكري التي تضم ممثلين عن الأطراف “لمساعدة الأطراف على التحضير لوقف إطلاق النار”.كما قام مكتبه على المسار الاقتصادي بإجراء حوار مع الأطراف والممثلين الفنيين لهذه الأطراف، ويشاور منظمات المجتمع المدني اليمنية، وخبراء مستقلين، ومؤسسات بحثية، والقطاع الخاص اليمني، والمؤسسات المالية الدولية “لتطوير حلول ممكنة لضمان الإدارة المسؤولة للموارد والإيرادات اليمنية، ولتطوير خيارات خاصة بتصميم آليات تمكن الأطراف من التحاور مع بعضهم ومع الشركاء الدوليين والإقليميين والخبراء الفنيين اليمنيين لمعالجة الأولويات الاقتصادية قصيرة وطويلة الأجل”.وسياسيا أضاف غروندبرغ “استمر عملي قبل الهدنة وأثناءها وبعدها مع الأطراف والجهات الفاعلة اليمنية الأخرى، وكذلك الجهات الإقليمية والدولية لبناء توافق حول إطلاق عملية سياسية جامعة، وقد استفاد هذا العمل من المساحة السياسية التي أوجدتها الهدنة ومن الزخم الإقليمي والدولي الجاري”.مرحلة فارقةاعتبر مدير مركز ساوث 24 للدراسات في عدن يعقوب السفياني أن الهدنة الأممية السابقة في اليمن مثلت مرحلة فارقة في الصراع الممتد منذ سنوات طويلة. وقال : “لقد نفخت الهدنة الروح مجددا في المسارات السياسية والدبلوماسية حيث تفاوضت الأطراف بعيداً عن لغة البندقية كما هو معتاد. رغم انقضاء مدّتها رسميا في أكتوبر، استمرت الهدنة طيلة الأشهر الستة الماضية ولكن مع مهدّدات خطيرة تصدّرها الحوثيون عسكريا واقتصاديا”.وتابع “من الواضح أن الهدنة فتحت الأبواب والاحتمالات بالنسبة إلى الأطراف الداخلية والإقليمية على حد سواء حيث برزت جهود موازية لما يقوم به المبعوث الأممي هانس غروندبرغ والأطراف الدولية الرئيسية، مثل المحادثات المباشرة بين الرياض والحوثيين”.وحول الظروف التي نشأت فيها الهدنة، أضاف السفياني “الهدنة لم تكن لتتحقق لولا التحولات الكبيرة في معسكر الشرعية اليمنية وتشكيل مجلس القيادة الرئاسي من قوى متناقضة اشترت الوقت لمحاولة تثبيت توازنات معينة عبر الهدنة التي استثمرها الحوثيون أيضا لترتيب صفوفهم وزيادة تسلحهم وفرض ما يشبه الحكومة والدولة المنفصلة في مناطقهم. ولقد استمرت الهدنة رغم انقضاء مدتها لاستمرار هذه الظروف نفسها بالنسبة إلى الأطراف اليمنية التي يتصل جزء كبير من قرارها بالرعاة والداعمين الإقليميين في طهران والرياض وأبوظبي”.وعن مآلات الهدنة استطرد “تكمل الهدنة بشقيها الرسمي وغير الرسمي أو المعلن وغير المعلن عاما، ولا يبدو أن هذا الوضع قد يتغيّر كثيرا خلال الفترة القادمة لأنه وضع ملائم للمزاج الإقليمي بشكل أساسي وكذلك المزاج الدولي المشغول بتوترات أهم في مناطق أخرى من العالم. مع ذلك، حالة اللاحرب واللاسلم وإن كانت تمثل إشارة مستمرة على وجود فرصة للحوار والسياسة إلا أنها أيضا قد تنقضي في أيّ لحظة ولقد وصل اليمن فعلا عدة مرات إلى حافة الحرب من جديد في أوقات متفرقة من العام الأخير”.ولدت مشوهةمن جهته قال الباحث السياسي اليمني محمد المخلافي إن الهدنة منذ لحظاتها الأولى ولدت مشوهةً كسابقاتها على حد تعبيره، وحول ما تبقى من الهدنة قال: “لم تلتزم جماعة الحوثي فيها بوقف شامل لإطلاق النار لكنها انحنت للرغبة الدولية في التهدئة خاصة مع اتجاه البوصلة الدولية إلى أوكرانيا. والقلق المتصاعد تجاه نشوب أي تصعيد من شأنه التأثير على أسعار الطاقة حول العالم يدرك اليمنيون كيفية تعامل الحوثي مع الهدن، فتوسُّعه على امتداد الرقعة الجغرافية التي يسيطر عليها لم يأت سوى عبر الاتفاقيات السياسية والهدن العسكرية دون وجود قتال حقيقي إلا فيما ندر”.وتابع “لم يتبقّ من هذه الهدنة سوى بعض الآمال في أن ينعكس الاتفاق السعودي – الايراني إيجابا على الملف اليمني كون إيران التزمت بالتخلّي عن التدخل في شؤون الدول الأخرى، وترجمة ذلك وقف دعم الحوثيين بالسلاح وفق ضمانات صينية، لكن الولايات المتحدة تحاول قول غير ذلك حيث تؤكد إحباطها لعدة محاولات لتهريب السلاح الإيراني إلى ذراعها الحوثية ولأكثر من مرة”.وفي تعليق بمناسبة الذكرى الأولى لإعلان الهدنة الأممية في اليمن أكد الباحث العسكري اليمني العميد محمد الكميم أن الهدنة كانت ومازالت من طرف واحد هو الحكومة اليمنية الشرعية.وأضاف “استغلت الميليشيات الحوثية الهدنة كعادتها وكنوع من تكتيكها الخاص الذي تستخدمه منذ 20 عاما، وفقا لسياسة الحروب المتقطعة، حيث تقبل بالهدنة عندما تكون في رمقها الأخير عسكريا وفي حالة ضعف وإنهاك شديدين وتحتاج إلى إعادة جاهزيتها من جديد لخوض جولة صراع جديدة. أي أن الهدنة بالنسبة إلى ميليشيات الحوثي جزء من إستراتيجية الحرب لا غير”.وحول رؤيته لمسار الهدنة التي تكمل عامها الأول، قال الكميم، “لوحظ خلال الهدنة الآلاف من الخروقات بل إنها وصلت إلى مرحلة التصعيد العسكري وخوض معارك مكتملة الأركان في كل الجبهات ونجح الحوثي في قضم بعض الأجزاء من الأرض في مأرب وشبوة مؤخرا، إضافة إلى استغلال الحوثي للهدنة في إقامة ستة عروض عسكرية ومناورة في الحدود السعودية واستمر في الحشد والتعبئة وتعزيز الجبهات، واستمر كذلك تدفق الأسلحة الإيرانية بشكل متواصل”.;يرى الباحث السياسي اليمني عبدالوهاب بحيبح أن الهدنة الهشّة كما يصفها لم تنعكس فعليا في الداخل اليمني، حيث أنها بحسب تعبيره “هدنة من جانب الحكومة الشرعية، التي تقدم التنازلات تلو التنازلات للميليشيا الحوثية التي لم تف بأيّ بند من بنود هذه الهدنة كرفع الحصار عن تعز وفتح الطرقات وغيرها، كما لم تكف آلة الحرب الحوثية عن هجماتها على مدن ومناطق سيطرة الشرعية”.حاجة دولية وإقليميةيؤكد بحيبح عدم وجود هدنة حقيقية بالمفهوم العسكري أو حتى السياسي. ويضيف “من وجهة نظري فإن قرار فرض الهدنة الهشّة في اليمن لا يأتِي في سياق المصلحة اليمنية، أو لبنة حقيقية لبناء سلام شامل في اليمن يعالج جذور الأزمة اليمنية ومسبّباتها، حيث ركّزت الهدنة على تأثيرات الحرب اليمنية على الإقليم، ولم تركز بشكل حقيقي على الصراع في الداخل اليمني والميليشيا لا تزال تشن عدوانها بشكل يومي منذ بداية الهدنة إلى اليوم في ظل صمت دولي”.وأوضح “لذلك من الواضح بأن الهدنة هي في الأساس مطلب أميركي – أوروبي بهدف تهدئة الوضع في اليمن من جانب الحركة الحوثية ومنع امتدادات حربها التي قد تطال حقول إنتاج الطاقة في الإقليم وتهديداتها للممرات المائية بدعم وإشراف إيراني في ظل ارتفاع أسعار الطاقة والأزمة الاقتصادية في العالم بسبب الحرب الروسية – الأوكرانية، لذلك يسعى الأميركيون والأوروبيون من خلال هذه الهدنة إلى ضمان تهدئة الوضع في اليمن من جانب الحوثيين، ولن يسمحوا بأي تهدد لأمن الطاقة العالمية في الخليج وباب المندب”.وتابع بحيبح “الميليشيا الحوثية – ومن خلفها إيران – تدرك جيدا هذه النقطة وتسعى من خلالها إلى إيجاد تسوية سياسية على الشكل الذي يخدم مصالح إيران ويفرض سيطرة ميليشياتها في اليمن وإن تحقق لها ذلك فمعناه نموذج لبنان يُرسَم بشكل آخر في اليمن”.ادعاء القوةعلى غرار العديد من الآراء، يعتبر الباحث السياسي اليمني محمود الطاهر أن الهدنة اليمنية هدنة من طرف واحد فقط، حتى بالرغم من انتهائها بشكل رسمي في أكتوبر الماضي، “إلا أن الحكومة اليمنية لا زالت متمسكة بها، فهناك تدفق للسفن التجارية إلى موانئ الحديدة دون انقطاع، والملاحة الجوية في مطار صنعاء الدولي لا تزال تعمل ووفق الاتفاق المبرم، والجبهات جميعها في حالة صد، على عكس الميليشيا الحوثية التي رفضت وترفض تنفيذها، فلم ترفع الحصار عن المحافظات، ولم توقف الحرب، وترفض تسليم المرتبات من عوائد جمارك وضرائب موانئ الحديدة”.ويلفت الطاهر إلى أنه “بعد عام من الهدنة الأممية، أظهر الحوثيون وأشاعوا أنهم أقوياء، وهزموا التحالف العربي والشعب اليمني، وهذه من أسوأ ما أفرزته الهدنة الأممية، إلى جانب تماهي العالم مع الميليشيا الحوثية”.وتابع “لم يستفد الشعب اليمني من الهدنة الأممية، فلا حصار حوثيا رفع، ولا رواتب دفعت، ولا مساعدات وصلت إليه، ولا كف الحوثي عنه الأذى، بل زاد من نشر إرهابه وأفكاره، فعادت غالبية الميليشيا المقاتلة إلى المدن والقرى لقتل الناس وارتكاب الأعمال الإرهابية ونهب الشعب، فأصبحت المناطق اليمنية التي يسيطر عليها الحوثي مجرد غابة لا قوانين تنظمها ولا أحكام تردع تلك الميليشيا”.تصعيد حوثيفي يعتبر رئيس مركز فنار لبحوث السياسات عزت مصطفى أن الهدنة انتهت واقعيا بالهجوم الواسع الذي يشنه الحوثيون باتجاه حريب ومأرب، مشيرا إلى أن التصعيد العسكري في هذه الجبهة يصل إلى مستوى العمليات العسكرية التي كانت مشتعلة قبل إعلان الهدنة العام الماضي ولم يختلف المشهد كثيرا عمّا كان عليه الوضع في المواجهات السابقة، حيث أن احتدام المعارك على محور لا يعني استجابة بقية المحاور لفتح النار من جهتها فمكونات الشرعية كانت وما تزال تعاني من عدم وجود غرفة عمليات موحدة تنسق العمليات القتالية لقواتها.ويضيف مصطفى “رغم أن المشهد العسكري اليوم يشبه ما كانت عليه الحرب في مديريات مأرب قبل إعلان الهدنة إلا أن المستغرب أن الحكومة الشرعية ما تزال لم تعلن عن موقف سياسي من التطورات العسكرية بالتوازي مع أن قواتها تتعامل مع هذه التطورات وكأنها ما تزال في وضع هدنة رغم رفض الحوثيين تمديد الهدنة منذ ستة أشهر”.وتابع “هذا الوضع يعيد عمليا المعارك على الأرض دون الاعتراف بحالة الحرب ودون الإقرار بتمديد الهدنة وهو ما يعطي ميليشيا الحوثي امتياز وضعية الهجوم دون أن تواجه أيّ ردة فعل مقابلة باستثناء محاولات صد هجماتها وهو ما يحمل قبائل مأرب والقوات المتصدية للهجمات الحوثية عبئا وتضحيات أكبر مما يفترض نظير الوضع غير الصريح للشرعية سياسيا وعسكريا”.

المصدر: العرب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى