التحرك الامريكي باتجاه الجنوب

كتب / أحمد مثنى :
تحرك واشنطن باتجاه عدن امر يثير الكثير من التساؤلات، 
شخصيا اميل كثيرا الى رأي مفاده بان امريكا كانت دائما لا تُقدِم على اي خطوه تجاه الجنوب الا عبر بوابة الرياض. 
لكننا اليوم وبعد تطورات عده ربما وجدت امريكا نفسها مضطرة للقيام بما هو ابعد من فتح قنصلية في عدن نرصد منها ما هو ظاهر على النحو التالي:

تحرك المملكة باتجاه موسكو وحسم سياساتها النفطية بعيدا عن واشنطن وشاهدنا الاصرار مؤخرا على خفظ النفط بقرار داخلي لمجموعة اوبك + ١. بالاضافة الى زيارة الملك ثم ولي العهد محمد بن سلمان لموسكو والتفاهمات الواسعة مع الرئيس بوتين والقيادة الروسية. 

 القمة الصينية السعودية على اثر زيارة الرئيس الصيني الى الرياض نهاية فبراير وحجم الاتفاقات التي ابرمت بين البلدين نقلت علاقات البلدين الى مستويات وابعاد استراتيجية اهمها تعاقدات شراء النفط السعودي والتبادل التجاري بالعملة الوطنية للبلدين ونقل الصناعات التحويلية لتمكين المملكة من التحول الى بلد صناعي وزراعي. 

نتفاجئ مؤخرا باتفاق المملكة-ايران برعاية صينية كحدث تاريخي مهم يسحب البساط من تحت اقدام واشنطن كحليف تاريخي للرياض. 

كل ذلك الى جانب مؤشرات جديه لانهاء الحرب في اليمن من خلال الحوار الثنائي المباشر بين المملكة مع الحوثيين اضافة الى الوساطة العمانية بعيدا عن الاشراف الامريكي المعتاد. 

ثم ان تحرك واشنطن باتجاه عدن ايضا له صله بتحرك قيادتنا برئاسة الاخ رئيس المجلس الانتقالي والوفد المرافق له في زيارة ثانية لموسكو اضافة الى تصريحات وزيارات قام بها سفير روسيا الى عدن ولقاءات قيادة المجلس الانتقالي بالسفير الروسي الجديد لدى اليمن. 

اذا فان تحرك واشنطن باتجاه الجنوب ورغبتها بفتح سفاره وهو فعلا امر اتى مفاجئ للكثير ولكنه في اعتقادي اتى نتيجة لمقدمات شهدناها في الزيارات المكوكية للسفير الامريكي الجديد ستيفن فاجن لدى اليمن ولا شك بان رغبة واشنطن لفتح قنصلية في عدن امر جاد وربما يتماشى مع رغبة ابوظبي بفتح سفارتها في عدن كأمر استباقي مع المملكة. 

برأيي تحرك الامريكان باتجاه الجنوب ياتي من باب تحذير الجميع والمملكة بالذات بان امريكا لن تسمح لاحدا تجاوزها او اغفال دورها في اليمن والجنوب بالذات وهي التي عينت مبعوثا خاصا لها لدى اليمن وان اي حلول لانهاء الحرب في اليمن لابد ان تأتي عبر واشنطن كما هو حال اعلانها الذي اتى من واشنطن من قبل السفير السعودي عادل الجبير من داخل مقر سفارة المملكة. 

لا شك بان هناك تغيرات في المشهد الدولي ما تؤدي الى تغيير في طبيعة العلاقات والتحالفات في منطقتنا والتي من المحتمل ان تكون ساحة للتنافس بين الدول الكبرى والجنوب لن يكون بعيدا عن تلك الاستقطابات لكونه يتمتع بموقع جغرافي يحوي اهم مضايق العالم خليج عدن وباب المندب. 

ومن هذا المنطلق فلن تبقي واشنطن تحركها تجاه اليمن مرهون برضى الرياض كما كانت تنطلق في سياستها تجاه اليمن تقليديا عبر بوابة الرياض.  

اما لماذا هذا التوقيت فالامر ليس مستغرب فقد تابعنا تحركات وتصريحات السفير الامريكي فاجن منذ تعيينه سفيرا في اليمن وشاهدنا زياراته المتكررة الى عدن وحضرموت والمهره وظهوره على طوربيد يتبع البحرية في قاعدتها في عدن فلم تكن تلك الزيارات سوى مقدمات لدراسة الاوضاع في الجنوب عن كثب والى اين تذهب موازين القوى مستقبلا.  امريكا دائما حذره في تحركاتها وتضع الجانب الامني في مقدمة الامور عندما يتعلق الامر بمواطنيها ولهذا لم تكن لتقدم على هذه الخطوة اذا كانت واشنطن فعلا لاتزال ترى بان الاوضاع الامنية في الجنوب غير مستقرة. 

ان مصلحة شعبنا الجنوبي مستقبلا تحتم على قيادتنا ان لا تنجذب باستعجال تجاه الاستقطابات الدولية وان تبقى الحكمه سائدة في اقامة علاقات شراكة متوازنه تحفظ بلادنا من تبعات اي تحالفات جديده في المنطقة اخذين بعين الاعتبار تجربة دولتنا السابقة جمهورية اليمن الديمقراطية وان تكون الاولوية في تقوية الروابط الاخوية مع اشقاءنا العرب وفي المقدمة المملكة العربية السعودية ودولة الامارات وسلطنة عمان والكويت وقطر ومصر العروبة وان تبقي باب العلاقات مفتوحا بين الشرق والغرب مع الكل وفقا للمصالح والمنافع المشتركة. 

  • (دبلوماسي سابق مقيم في الولايات المتحدة الامريكية) 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى