“حضرموت” المدينة التي تنام على براميل من النفط والبارود

كتب / أحمد مطرف :

كانت حضرموت ولا زالت نقطة الانطلاق والارتكاز في العمل الوطني بفعل دور أبنائها الذين وفروا مناخاً مناسباً تأهلت معه حضرموت لقيادة الجنوب في معارك الاستقلال والثورة، ثم في تحريرها من قبضة ورثة جينات الاستبداد والإقصاء والاستعباد التي تهاوت أصنام أسيادها في صنعاء وتصدعت أركان عروشها.

لعل المحتلين الجدد يرون في حضرموت فرصة لملمة شتاتهم واستعادة مناخات وأجواء زعاماتهم يمكن أن تنفسح فرصة أكبر وينفتح المجال لخيال فعال في مجرى إعادة اختراع صنعاء جديدة على قاعدة الوحدة اليمنية، متناسيا حجم الدمار الذي أحدثها زلزال ما يسمى بالوحدة ورموز طغاتها المحتلين للجنوب التي دفعت بالأمور إلى أسوأ المنحدرات وفجرت قنابل وألغام القيعان والأعماق وأسفرت عن تضاريس بشعة في تشظيها وبما تحتويه من تشكيلات عسكرية كشفت عن وجهها الإرهابي المعادي للجنوب ومعها طابور من المنتفعين وعلى نحو يبدو معه “المحتل الجديد” الحاكم السابق وكأنه لم يستنفد بعد كل حيله الشيطانية في جعل البلاد جبلًا من شظايا، لا يتشكل منه بناء، سوى ما كان على شاكلة مثلث برمودا، حيث ضبابية ولغز السطح وعدوانية الأعماق.

اللافت أن هؤلاء “المحتلين” ساهموا بقصد ومن غيره، في إجهاض مشروع الوحدة وارتكسوا إلى أقبية وأنفاق كهفة الدامس وسدنة الماضي، وظهروا كتعبير صارخ عن حالة شتات وانهزام.

كيف لعب النفط في حضرموت دور البطولة؟

ذكرت تقارير صحيفة سابقة كيف لعب النفط في حضرموت دور البطولة في صفقة الوحدة التي جرى التوقيع على اتفاقيتها بين عدن وصنعاء في 30 نوفمبر 1989، وأعلن عن قيامها في 22 مايو 1990، ذلك أنه في مطلع عام 1988 اندلعت اشتباكات مسلحة بين الشمال والجنوب بسبب اكتشاف النفط والاحتياطات الكبيرة التي أعلنت الشركات عن اكتشافها على الحدود بين محافظتي شبوة الجنوبية ومأرب اليمنية.

في مايو 1988 أبرمت اتفاقية بين عدن وصنعاء، نزعت فتيل الحرب ونصت على السماح بتنقل المواطنين بين الشطرين والاستثمار المشترك للثروات النفطية والمعدنية وغير ذلك، كانت هذه الثروة والمؤشرات والتقديرات التي أحاطت بها صنعاء أكثر من عدن هي الموجه والمحفز الأكبر لاندفاع صنعاء باتجاه عدن.

في عام 1993 قام النفط بدور معاكس تمامًا لما كان عليه دوره في عام 1989، فقد أصبح لدى الجنوب موارد كافية، علاوة على أن الجنوبيين شعروا بخيبة مريرة وخذلان وخيانة من بعد انتقالهم إلى صنعاء وانتهاج قوى الطرد المركزي في صنعاء لسياسة “الوحدة بالإلغاء”، ابتداء من الإقدام على سلسلة من الاغتيالات التي استهدفت القيادات الجنوبية وصولا إلى استباحة الجنوب وغزوه وتحويله إلى غنيمة بعد حرب صيف 1994م.

وأشارت تلك التقارير إلى أن المملكة العربية السعودية كانت ولا زالت تتفاعل مع هذا الملف وتلامس إيقاعاته المسموعة والخفية بأعلى درجات الحساسية، لا سيما وتلك المناطق الغنية بالموارد النفطية تقع معظمها على الحدود مع المملكة العربية السعودية.

فمنذُ ثلاثة عقود ماضية من الدمار الشامل الذي تعرضت له مناطق الجنوب بفعل الوحدة وعبث المحتلين جعل من حضرموت المنطقة الواعدة بالثروات النفطية والمعدنية المدينة التي تنام على براميل من النفط والبارود، فقد شكل “النفط” في حضرموت انعطافا أكبر وعلامة فارقة ما زالت تلقي بظلالها على كافة أرجاء المشهد حتى اليوم.

ولئن كانت الثورة في الجنوب ومنذُ انطلاقتها في 21 مايو 1994 بقرار فك الارتباط الذي وصف بالتاريخي وأعلنه الرئيس علي سالم البيض وهو القرار الذي أكدت الكلمات بأنه مرتكز بدرجة رئيسية على مشروعية سياسية وقانونية تعطي الجنوب الحق أمام المجتمع الإقليمي والدولي بفك الارتباط عن مشروع الشراكة المغدور فيه من قبل الشريك الشمالي، والذي تحول إلى أسوأ احتلال في تاريخ الجنوب.

الوحدة أو الموت

صحيح أن المناداة بفك الارتباط تنطوي على محاذير وأخطار ولكن ليس ثمة خيار آخر يرتسم في أفق النظر غير أفق الحرب حتى الموت بضرب من رجع الصدى البائس لشعار «الوحدة أو الموت» لعل الممكن الأبرز لخطورة هذه المناداة يتمثل في أنه جاء ليعبر عن الإخفاق في بناء دولة وطنية حديثة طيلت العقود الثلاثة الماضية، وزاد من إغراء المطالبة بفك الارتباط من سلطة صنعاء، ما أحاق بالجنوب من تدهور وانفلات أمني وسياسي وأخلاقي وفساد متغوغل وإرهاب وفوضى موجهه بشكل منظم .

فقد نالت حضرموت النصيب الأكبر من مناطق الجنوب من موروث الفوضى والاقصاء والتهميش والإلغاء، وتجريف البلاد من المدنية ليحل محلها القبلية والجهوية والثارات وتصفية حسابات بنوع من الاختلاط المهول، والإمعان في نهب الثروة، واستباحة الارض وجعلها ملاذ آمن لتواجد العناصر الإرهابية والتنظيمات المتطرفة وتهريب الأسلحة إلى مليشيا الحوثي الإرهابية.

ما الذي ينبغي فعله الآن؟

يجب أن تخضع مناطق وادي وصحراء حضرموت للتطهير وبأسرع وقت ممكن، وتمكين القوات الجنوبية من إدارتها عسكرياً وأمنياً، بعد أن شهدت تدهورًا وانفلاتًا أمنيًا وفسادًا ونهبًا منظمًا للثروة، وسلاحًا منتشرًا ومليشيات ومافيات لم ترحل بعد، كل هذه الموروثات التي أنتجتها الحرب الشمالية على الجنوب وقواتها التابعة للمنطقة العسكرية الأولى المتواجدة في حضرموت لا بد أن تنتهي ويعود الحق لأهله.

إنّ بقاء قوات المنطقة العسكرية الأولى يشكل تهديداً صارخاً لأمن الجنوب والمنطقة بأسرها، لذا يجب على التحالف العربي والمجتمع الدولي النظر إلى ما يحدث في حضرموت والإسراع في تنفيذ ما تبقى من بنود اتفاق الرياض لاسيما الشق العسكري، فالجنوب من أقصاه إلى أقصاه سيكون مع أبناء حضرموت في هذه المعركة المصيرية، مهما كلف ذلك من ثمن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى