رعد الحالمي أسطورة الجنوب الشعرية !!

عدن 24 / د. عبده يحيى الدباني:

الإهداء إلى روح جدة الشاعر زهور بنت احمد شائف رحمها الله تعالى التي غادرت دنيانا يوم امس الأربعاء
وإلى سائر امهاتنا الراحلات رحمهن الله.

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، أما بعد.
في هذه المقاربة الأدبية نقف أمام شاعر من حالمين، بزغ في سماء الشعر ضوءا صغيرًا كالهلال ثم نما واستوى فصار بدرًا منيرًا يتميز عن سائر نجوم الشعر بنفسه الشعري الطويل ، وغزارة معانيه، والقائه الكارزمي المدهش وتبنيه قضية وطنه
من اول حرف نطق به شعرا حيث كان لسان شعبه المحتل يعبر عن معاناتهم ويدافع عن هويتهم ويعلن الثورة العارمة ضد الغزاة لوطنهم.
إنه الشاعر المعجزة الأسطورة رعد الحالمي ، الذي سنتتبع شعره مذ كان طفلًا إلى أن أصبح اليوم شابًا مهاجرًا في المملكة العربية السعودية كرمته الجالية في مدينة تبوك قبل أيام من كتابة هذا التعريف .
اجل لقد هاجر رعد ترك حبيته الجنوب في حفظ الرحمن وفي ظل تمسك الشعب بمواصلة مسيرة التحرير حتى استعادة دولته المستقلة مثلما ترك عروسه التي اقترن بها قبل أشهر قليلة فقط، كل هذا نظرًا لقسوة العيش وظروف أسرته الشاعرة المناضلة، وكان من المفترض أن يجد هذا الفتى الشاب عملًا في مؤسسات المجلس الانتقالي الجنوبي لاسيما الثقافي منها أو في أي مؤسسة حكومية بعد أن أضحى الانتقالي شريكا في الحكومة .
إنه رعد الحالمي ، رعد سامي صالح محمد الدباني، الذي يبدأ قصائده منشدا بقوله : قال الجنوبي , متجاوزًا لقب الدباني ، ولقب الحالمي ، أو الردفاني ، أو غيرها من ألالقاب ، فينسب نفسه إلى الجنوب ، هذه الهوية الجامعة .
حقيقة لا أدري ماذا أقول عن رعد فهو بمثابة ابني ، فهو ابن قريتي وعشيرتي، وابني في الأدب والشعر ورسالة الحرف الخالدة.
لقد بدأت اتواصل معه منذ بدأ ينشد تلك القصائد الثورية المشعلة المشتعلة ، ولكن بحكم كونه طفلًا لم يتجاوب معي حتى أسأله عن سر هذا الإبداع ، ولكن في الآونة الأخيرة عندما صار شابًا كان بيننا تواصل واتصال ، وكان يقدرني مثقفًا وكاتبًا ، مثلما أقدره شاعرًا متميزًا .
رعد الحالمي : ، من قرية القرب جبل حالمين ، جده هو الأستاذ صالح محمد سالم الدباني ، أستاذنا في المدرسة الابتدائية وصاحب محل تجاري في مدينة الحبيلين ،وهو يقول الشعر أحيانًا خاصة في الأعراس، يقول بعض الزوامل ، وأما أبو الشاعر فهو سامي صالح محمد وهو شاعر فاق أباه مثلما أن رعدا شاعرا فاق أباه،
ولد الشاعر في الحبيلين بعد أن انتقلت الأسرة إليها من القرية وكان ذلك عام1998م ، وحين انطلق الحراك السلمي الجنوبي عام 2007م، كان عمر الشاعر في حدود تسع سنوات لقد لمع البرق ومن بعده سمع صوت الرعد ، كأنما كان على موعد والقدر ليكون شاعر هذه الثورة التحررية الجنوبية السلمية وهو طفل ؛ لأن هذه الثورة كانت بأمس الحاجة إلى الكلمة فقد خذلها شعراء كبار لم يستطيعوا منذ البدء أن يستوعبوها لا فنيا ولا موضوعيا ؛لأنها كانت جديدة في وسيلتها حراكًا سلميًا، وكان لابد لها من شعراء جدد يواكبونها ومنهم رعد الحالمي ، مع تقديرنا لكل شاعر وفنان وكاتب جنوبي واكب هذه الثورة من اي جيل كان .
ولد ونشأ وترعرع وشب في مدينة الحبيلين ردفان ،وكان عمره هو عمر الثورة الجنوبية نفسها في تخلقها وانطلاقها واستمرارها ، وتجربة شعره جاءت مواكبة لتجربة الثورة التحررية الجنوبية السلمية ، أو ما نسميه الحراك الجنوبي السلمي.
في الحقيقة أن طفلًا عمره ثماني سنوات كان من الصعب عليه أن يقول هذه القصائد الثورية العصماء ، وأن يدرك أبعاد وتفاصيل قضية شعب الجنوب ، ولكن في البدء كان أبوه يمده بهذه القصائد وأبوه نفسه يعد شاعرا شابا ، بالإضافة إلى شعراء آخرين مثل جده سعد موسى حسين رحمه الله ، ومثل الشاعر المعروف مطيع المردعي ، ولكن تجسدت موهبة هذا الطفل في حفظ تلك القصائد بسرعة مذهلة وان طالت ، وفي حبه للشعر وفي طريقة إلقائه، وفي هذه الكاريزما الشعرية الساحرة.
فقد كان يلقي الشعر بطريقة ادهش بها الجماهير وأشعل عواطفها وحماسها ، وكانت بدايته كشاعر تمثلت في حفظه تلك الأشعار وتمرسه عليها حتى تفجر على لسانه ينبوع الشعر ، لأنه لا يصنع الشعر إلا الشعر ، ولا يصنع الشعراء العظماء إلا التمرس بأشعار من قبلهم .
وأنا دائمًا أذكر لطلابي تلك القصة من العصر العباسي عندما جاء أحد الشعراء المبتدئين إلى أحد المعلمين النقاد أصحاب الرؤية النقدية الثاقبة ، فقال له الفتى أنه يريد أن يقول شعرًا ، فنصحه بأن يذهب ويحفظ عشرة آلاف بيت ويعود إليه ، فذهب هذا الفتي وعمل بهذه الوصية وحفظ كمًا كبيرًا من الشعر ،وعاد إلى معلمه الناقد وقال له ها أنا قد حفظت ما أمرتني به فماهو المطلوب مني حتى أغدو شاعرًا ، فقال له المعلم : أذهب الآن وأنس ما حفظت .
فلاحظ هذه الوصية الأدبية الذهبية المهمة ،طبعًا هو لن ينسى كل شيء وإنما سينسى هياكل القصائد وقوالبها الجاهزة حتى لا يقع في التقليد المحض ، ولكنه قد حصل على ذخيرة لغوية وثقافية وفكرية وفنية هائلة تمده بالشعر الخاص به، وتكون له معينًا لا ينضب ، وهكذا غدا ذلك الفتي شاعرًا بعد أن تشبع بالأشعار القديمة والمعاصرة له ، وتمرس على أنظمة بنائها وأوزانها ، وصورها ،فضلًا عن الملكة الموجودة لديه ، وهكذا أيضًا أصبح رعد شاعرًا .
لقد اكتشف أبوه حبه للشعر من خلال أنه كان يحب الشعر ، ومن خلال متابعته لبرنامج شاعر المليون بشغف ، وكان يحفظ ما يسمعه من أشعار ، فضلًا عن حفظه للأناشيد المدرسية بسهولة، وذات يوم أعطاه أبوه قصيدة إلى جانب أعمامه الصغار فامتحنهم فوجد رعدًا أسرعهم حفظًا لها وشغفًا بها ، فحفظها عن ظهر قلب وأنشدها ، وهكذا بدأ يمده بالأشعار إلى جانب شعراء آخرين.
هذا الشاعر الثوري الذي نما مع القضية الجنوبية ومع الحراك السلمي ، فرأيناه في منصة ردفان وعمره ما يقارب ثماني سنوات يلقي قصائد بكل كاريزما إنشاد الشعر ، وأشعل حماس الجماهير وهو طفل صغير ، وأحيانًا كان ينشد الأشعار وهو على أكتافهم في منصة ردفان.
لاشك أن رعدًا ينتمي إلى أسرة شاعرة فأبوه شاعر ، وجده كما ذكرت يقول بعض الزوامل الشعرية ، ولكن أيضًا أخوال الأب كانوا شعراء من بلاد العمري، وهي منطقة عرفت بشعرها وشعرائها ، فجاءه الشعر من جهة أخواله ، واخوال أبيه ومن جهة ابائه . ومع مرور السنين ودوام الحفظ والرواية والإنشاد تفتقت ملكة الشعر عند رعد وأصبحت له قصائد مستقلة، فكان في بداية الأمر متأثرًا بالشعراء الذين قبله ومنهم أبيه ،وجده وخال أبيه ، وشعراء أخرين مثل مطيع المردعي وغيرها .
وهكذا وجدنا الشاعر الأسطورة مشاركًا في كل المليونيات تقريبًا ، وفي كل المحافل الجنوبية والمناسبات في ردفان ويافع والضالع وعدن ولحج والمهرة وحضرموت وأبين ، وكان شعره يذاع مع الصورة من قناة عدن لايف، وهكذا صار شعلة الشعر وشعلة الثورة الجنوبية .
نعجب من هذا الإلقاء الذي كان يتمتع به رعد وما يزال ، كاريزما ، وصوت مُهيب ، وتلقائية وتدفق شعري دون تلعثم أو تلكأ ، فضلًا عن تمثله لما يلقي من شعر فيبدو تأثره واضحًا جليًا في نظرات عينيه وتعابير وجهه التي تعلوها الحماسة والجدية والقوة وفي حركة بديه ، مع أنه كان يلقيها في جمهور كبير غالبا ، فلم يرتج عليه ويصمت في مثل هذه المواقف المهيبة ، فقد كان يتدفق على لسانه تدفقا غير متقطع.
أما موضوعات الشعر الذي كان ينشده سواء كان من شعره الذي كان يبدعه أو من شعر أبيه وآخرين ، فكانت هي موضوعات الثورة الجنوبية التحررية ، ولهذا لم نجد في شعره شعرا عاطفيا أو شعر غزل أو شعر اجتماعي ، فقد انصرف إلى الشعر الثوري بحكم ظروف المرحلة ، فقضية شعب الجنوب شغلتنا جميعًا نقادًا وكتابًا وأكاديمين وشعراء ، فهي قضية ملحة نافست كل الاهتمامات الأخرى .
وقد تمثل رعد في شعره قوة الإرادة لدى الإنسان الجنوبي ، كشف شعرًا عن تلك الإرادة الفولاذية التي نحس بها جميعًا ولم تتحول إلى كلمات ، فحولها رعد إلى كلمات واضحة المعالم ، قوة عزم وقوة إرادة وقناعة بالقضية مع يقين بانتصارها ، وترجمة لصلابة ردفان وأهله ، وصلابة الجنوب كله ، هذه الأمور كانت تحس وهي موجودة فعلا ، ولكن جاء هذا الشاعر ليجسمها ويرسمها بكلماته وقد قال الجاحظ أن هناك أمورا يدركها العقل ولا تدركها اللغة وقال أدونيس أن الشعر يستطيع التعبير عن أي معاني أو عواطف أو مواقف لا تستطيع اللغة الاعتيادية أن تعبر عنها .
ومن الموضوعات كثيرة الدوران في هذا الأشعار الثورية: التحريض على الثورة، أو الدعوة إلى الثورة بقوة وإقناع وحماس وحجج وصور شعرية .
ومن تلك الموضوعات التعبير عن فشل الوحدة فشلًا ذريعًا ، فقد تردد هذا المعنى في شعره ، وعملية احتلال الجنوب أو غزوه ،والعبث بممتلكاته ومنجزاته ودولته ، وكذا الإيمان بالنصر المؤزر، وإظهار روح التحدي والصمود والصلابة .
ولما جاءت على لسان هذا الطفل كانت أكثر إقناعًا وتأثيرًا مما لو جاءت على لسان شعراء كبار في السن ، فلو كانت على لسان الكبار لما كان لها هذا الوقع والتأثير السحري والطرافة والدهشة .
ومن المعاني أيضًا استنفار جميع مناطق الجنوب والتغني بأمجادها وتاريخها وباسها فقد رسم بالكلمات لوحة جنوبية موحدة ، فضلًا عن رثاء الشهداء ، والإشادة بقيادات الجنوب التاريخية المواكبة للقضية .
ومن هنا لا نستطيع تجاوز هذا الشاعر وشعره عندما نؤرخ لمسيرة الشعر الجنوبي في مواكبة الثورة التحررية السلمية الجنوبية.
ومن موضوعات هذا الشعر أيضًا -كخطوط عريضة وليس تفصيلًا -أن هذا الشعر كان يحاكم الغزو والاحتلال محاكمة شعرية ،ويضعه في قفص الاتهام ، ويدمغه بتلك الحقائق، ويُجسد عدالة القضية ويُصورها ، ويحث الناس على مؤازرتها ، وأيضًا في نفس الوقت تجسدت فيه معاني مطالبة القوى العربية والدولية بالوقوف إلى جانب هذه القضية قضية شعب الجنوب ، وكان يبرز في شعره التضحيات الجسام التي يقدمها الجنوبيون ، ويصور مأساتهم وكيف يعيشون في ظل هذه الأوضاع الاحتلالية ، كما أن شعره كان يعاصر الأحداث ، فما من حدث أو مناسبة أو مليونية إلا وجدناه يقول فيها شعرًا ، وممكن للقارئ أن يدخل على صفحة اليوتيوب ويسجل اسم الشاعر ، وسيرى تلك القصائد منذ كان طفلاً إلى الآن حيث كان يواكب فيها الأحداث والمحطات التي مرت بها القضية الجنوبية .
ومن هذه المعاني الهجوم على بعض شخصيات الاحتلال ، ومنها رأس الاحتلال والرد على خطاباته شعرًا والسخرية منها ،هذه أبرز الموضوعات التي دارت في شعره ، فشعره بحاجة إلى دراسة وهو كثير سواء الشعر في أيامه الأولى الذي نسب إليه لأنه حفظه وأنشده وصار منه وإليه ، أو ذلك الشعر الذي سطره بيده وكان من بنات ملكته الشعرية وصوارم لسانه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى