أغدا ألقات


كتب/ علي سيقلي
لحظات نسرقها من العمر فلاندري كيف أختزلت من حياتنا بغتة ودون ثمن ، فما بالكم بهدر ساعات تمتص من الوعي ومن الذاكرة حلاوة الأيام التي نقضيها ونحن نمضغه بغير وعي كما تستجر البهيمة للعلف غير عابئين بالوقت والجهد والمال وذهاب العقل إلى ما يغيبنا عن عالم الحياة السوية وعمل ما يفيد وينفع .
أوراق خضراء سامة قتلت فينا البراءة وعلًمتنا حب الإتكال عليه وعلى الشيطان وأن نقدم جهداً في أداء عمل ولإتقان مهنة والتفاعل لحل مشاكلنا التي تتفاقم يوماً بعد يوم وتوارثناها جيلاً بعد جيل .
وهماً درجنا عليه فتجاوز حدود المعقول إلى خفايا وأسرار المجهول بضياع الأهل والولد والنفس وأشياء ثمينة في الحياة أهمها حاسة الإدراك وبأننا ما خلقنا إلا لنهدر طاقة ونضيع جهدا كان لابد أن نستغله في خير وإعمار الذات وإصلاح ما أفسده الدهر في نفوسنا وعقولنا وضمائرنا وعطل لدينا حاسة التفريق بين ما يضر وما ينفع. شجرة ما خلقت إلا لتنبت على حساب غيرها فحق لنا أن نسميها بالخبيثة فللسان من خلال نشوتها إنطلاقة غيبة ونميمة وعبث شيطاني في وقت يكثر فيه اللغو وتتزاحم فيه الأفكار الجهنمية والأحلام الطائرة فلا يدرك العقل تنفيذها على كثرتها مبالغة في الحديث الغير مشروع لتنتهي بزوال سكرةاللحظة وإنتشاء المريض.
نبتة جيء بها من زمن بعيد حيث وجدوها في مراعي الحبشة بعد أن جربوها على بهيمة فنجح مسعاهم )) و جابو العيد )) ويقال أن أهل اليمن على كثرة أسفارهم بحثاً عن الرزق في مناكبها نقلوها معهم مغنماً وإكتشاف إستثماري لا يعوض بعد عناء ليستقر بها المقام والحال بين جبال المتعوسة ووديانها حتى أصبحنا عالة عليها نقتات منها وتقتات عليها معظم الأسر اليمنية يوم إستبدلنا طيبات الأرض الغنية من الثمر والرزق والخير الوفير بالمرض الخبيث فأنزل الله علينا سخطه واستحقينا اللعنة إلى يومنا هذا بتاريخه وليلته وساعته بتوقيت اليمن التعيس من زمن مبطي .
سيطرت تلك العشبة على عقولنا فما عدنا نهتم إلا بنشوة سويعات فتجد اليمني منًا يغذي رأسه أكثر مما يغذي بقية جسده وينفق على الجمجمة بين قات وتعميرة دخان وشمة (( مضغة )) أكثر مما ينفقه على معدته إلا فيما ندر ورحم ربي .
لاحقتنا اللعنة إلى شتى أصقاع الأرض وتغنينا بها مفخرة لنا بين الأمم حين صدرنا هذا المفهوم (( إطلب القات ولو في الصين )) ناهيك عن أنهم يتاجرون به في لندن وضواحيها بصورة رسمية ومرخصة حتى وصل أمريكا وكندا وأستراليا وآخرها أن سمعت أنهم يتعاطونه في عقر دار سويسرا الآمنة فيا للعجب !!!! .
قات تدار له المجالس الخاصة والعامة ويجتمع الأهل والأصحاب في الفرح والعزاء وفي الأعياد والمناسبات الدينية والوطنية وفي كل يوم يمر عليهم من العمر ليشتموا ولو رائحة ذلك العشب الأخضر المسموم بالسرطان ، كما أنهم لا يفوتونه إلا للشديد القوي فينفقون عليه من الرزق الحلال الكثير علاوة على ما يجنيه البعض من الحرام الذي يتقاضونه بالرشوة ونهب المال العام وكأن القات ضرورة لا يمكن الإستغناء عنها لتمضية الوقت وتمرير المصالح على حساب الضمير والواجب واللهو بين الصلوات .
‎فهل للقات حاجة لغير ما ذكر !!!!
‎ إفتونا يا عباد الله ؟؟
‎ينفق اليمني ما يعادل عشرون دولار إمريكي يومياً على جلسة قات شخصية وقد يراوح بزيادة هذا المبلغ بكثير عند الميسورين دخلاً وحرامية البلد وهواميره وقططه السمان في حين أن معدل دخل الفرد المتوسط فينا لا يتجاوز الدولارين يومياً كداً ونقداً من عرق الجبين
‎يحتار المرء غير مصدق من أين يصرف اليمني كل هذا على الكيف والمزاج والخرمة في حين أن دخله اليومي لا يصل بأي حال من الأحوال إلى أقل من صفر ما ينفقه على مزاجه وهوس تلك الجمجمة المجنونة. حيرة حيرت العالم قبل الجاهل لتترك سؤالاً غبياً يصعب حلحلته ولو إستعنت بكل سكان الصين وحذفت نصف سكان الهند.
‎ثم أين نحن من العقل والحكمة لنعالج أنفسنا من داء نبتة سرطانية كلها ضرر ووباء يقطف منًا كل يوم زهرة أعمارنا وينزع منًا فرحة كل بيت بقريب وعزيز وبمرض يصعب شفائه ولا يرحم ، بل أنه لايداويه سوى إنتظار الأجل والموت في أي ساعة .
‎فهل نتعض يا بلد الإيمان والحكمة ؟؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى