حكاية الطالبة العدنية التي أهدت إكليل الورد لملكة بريطانيا “إليزابيث الثانية” في عدن عام 1954م

عدن 24/ بلال غلام حسين :

عندما دخلت علينا الأستاذة عيشة، ابنة الجمعدار و(الصافي دريس) في قوة بوليس عدن عبدالعزيز عبدالرب، في ديوان بيت أخيها لاعب كرة القدم السابق في نادي الوحدة نبيل عبدالعزيز، تهيأ لنا منذ الوهلة الأولى بأنني أمام امرأة بسيطة بساطة أهل عدن، جئت ألتقيها لمعرفة تفاصيل إهدائها (بوكيه الورد) للملكة إليزابيث الثانية ملكة الإمبراطورية البريطانية التي لا تغيب عنها الشمس، حينها، والتي جاءت إلى عدن في زيارة رسمية في 27 إبريل 1954م, ولكنني تفاجأت بأن لعيشة عبدالعزيز وجه آخر غير الطالبة البسيطة من بنات التواهي التي سمعنا عنها، والتي تقدمت ببراءة واستحياء لتهدي بوكيه الورد للملكة، وأن لها تاريخ نضالي عريق ضمن صفوف جيل الرواد من نساء عدن المثقفات المناضلات، وها هو التاريخ يعود مرة أخرى بلسان عيشة لتتذكر كل الأحداث والمواقف التي مرت بها وكانت شاهدة عيان على تلك الحقبة الذهبية من تاريخ عدن العريق.

قدمت لنا الأستاذة المناضلة العدنية نفسها قائلة:

“أنا عيشة عبدالعزيز عبدالرب, من بنات التواهي، وكان منزلنا يقع بجانب مقهاية الصومال الذي ولدت فيه، ولكن بسبب وظيفة والدي في السلك العسكري كجمعدار في قوة بوليس عدن وتنقله من منطقة إلى أخرى في مناطق عدن انتهى بنا الحال في مدينة المنصورة التي أقيم فيها حالياً”.

حكاية اختيارها لإهداء الملكة

سألتها عن موضوع اختيارها من بين فتيات مدارس البنات في عدن لتقديم (بوكيه الورد) للملكة إليزابيث، فأجابت:

“بالنسبة لي لم يكن بالحسبان، بأنه سوف يتم اختياري لتمثيل بنات عدن أمام ملكة بريطانيا, فما حصل كان قرعة قامت بها وزارة المعارف حينها من بين ثمان مدارس للبنات في عدن لاختيار طالبة واحدة لتقدم الورد للملكة إليزابيث، فوقع الاختيار عليّ لأتشرف بمقابلتها وإهدائها البوكيه, وكنت حينها في الصف الثالث ابتدائي في مدرسة البنات في التواهي”.

6 تربويات أشرفن على تدريبي

وتواصل عيشة قائلة: “وتبنت بعض المدرسات الفاضلات بتجهيزي وتدريبي كيف أتقدم أمام الملكة، ومن هؤلاء المدرسات كانت: نجاة جرجرة, وعيشة حامد الغول, وزبيدة وملكي راجمنار, وشفيقة وحليمة خليل.

وجاء اليوم الذي تشرفت فيه بمقابلة الملكية إليزابيث في 27 إبريل 1954م في الساعة الرابعة عصراً عندما قدم موكبها إلى باحة المدرسة المتوسطة (لطفي جعفر أمان) في كريتر, ووقفت سيارتها في وسط الباحة التي كان يحيط بها جمع كبير من الطلبة والطالبات الذين خرجوا لتحية الملكة, وتقدمت أنا وبيدي بوكيه الورد الذي قدمته لجلالتها قائلة بالعربي: (تفضلي يا مولاتي، هذا لكي) .. وابتسمت لي وهزت رأسها دون أن تقول شيئا، ثم غادر الموكب إلى وجهة أخرى”.

إشاعات مغرضة.. وعرض على استبدالي بأخرى

وتضيف عيشة قائلة: “في تلك الفترة جاء أحد الأشخاص إلى منزلنا ويُدعى المقطري وطلب من والدي بأن يقبل أن يستبدلني بابنته لتقدم هي بوكيه الورد للملكة بدلًا عني مقابل عرض مالي سخي، وطبعاً رفض والدي ذلك العرض”. وأضافت قائلة: “بأنه في الفترة ذاتها خرجت شائعات تقول بأن الحكومة أعطتني مبلغًا ماليًا كهدية من جلالتها, ولم يحصل شيء من هذا القبيل وكانت كلها إشاعات مغرضة”.

رصيد نضالي

كثيرون لا يعرفون عن عيشة عبدالعزيز وأن لها رصيدًا نضاليًا ناصعًا وكان لها نشاطات سياسية كغيرها من مناضلات عدن البارزات اللاتي لهن تاريخ نضالي مشرف أمثال: نجوى مكاوي، وعائدة يافعي، وشفيقة مرشد، ووديعة عزعزي، وخولة شرف، وأنيسة جبلي، وغيرهن من الفتيات العدنيات اللاتي شاركن في العديد من الحركات الاحتجاجية ضد الإنجليز بطريقة عفوية دون حتى معرفة أهاليهن”.

وتقول عيشة عن هذا الرصيد : “لقد شاركت في اليوم الذي سُمي بيوم (الزحف الكبير) على المجلس التشريعي مع مناضلات عدن في حركة احتجاجية نسوية إلى جانب رجالات عدن المناضلين لوقف انضمام عدن قسراً في اتحاد الجنوب العربي, وكان ذلك في 24 إبريل 1962م, وكان معي في تلك التظاهرة بحسب ما أتذكر الأخوات: فوزية غانم ومريم عبدالسلام وغيرهن من النساء العدنيات, وكان عمري حينها خمسة عشر عاماً وأدرس في كلية البنات في خورمكسر, وتحصلت نتيجة عن تلك المشاركة الاحتجاجية على (لفت نظر) من مدرستي ولا زلت احتفظ به في ملفي الشخصي”.

لم يثنِ عيشة “لفت النظر” الذي حصلت عليه من إدارة المدرسة, فقد استمرت بالمشاركة في العديد من التظاهرات النسوية والحركات الاحتجاجية الطلابية ضد الإنجليز ومنها الاحتجاج ضد مديرة كلية البنات في خورمكسر (المسز بيري) لكونها قامت بصفع إحدى الطالبات واسمها (مسك) في الطابور الصباحي أمام الجميع بحجة أنها قامت بسكب الماء على أحد المارة في الشارع من فوق حافلة المدرسة. وقامت جميع الطالبات حينها بالاحتجاج ضد المديرة في ذلك اليوم وكانت عيشة عبدالعزيز من ضمنهم وكان ذلك في العام 1962م.

رصيد تربوي

تحمل عيشة عبدالعزيز شهادة البكلاريوس في أدب إنجليزي وتجيد اللغة الإنجليزية بطلاقة. عملت مدرسة لغة عربية في إعدادية شمسان الواقعة في منطقة العيدروس في كريتر, وكانت عضو مكتب تنفيذي في اتحاد نساء اليمن.

عيشة ضمن طابور لم يحظ بالتكريم

عيشة عبدالعزيز عبدالرب تقع ضمن طابور طويل من المناضلين والمناضلات الذين لم يتحصلوا على حقهم من الاعتراف بهم من قبل الحكومات المتعاقبة لا لشيء أو ذنب اقترفوه سوى أنهم ينتمون لعدن المدينة التي انطلق النضال الفعلي من شوارعها وحواريها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى