المؤامرات والصراعات والتحديات في ظل مشاورات الرياض المحورية

كتب/ أ.د. ميثاق باعبّاد الشعيبي

جاهل من يظن أنه لا توجد مؤامرات تحاك ضد القضية الجنوبية السامية، ولابد أن نقف سداً منيعاً أمام هذه المؤامرات، ولايجب أن ننكر وجودها، وننوه بأن قضية الجنوب تُمثّل جوهر الصراع القائم، وأن جميع الحروب والصراعات القائمة ما هي إلا تفاعلات ناجمة عن السبب الرئيسي المتمثل في الإنقلاب على الوحدة واحتلال واستباحة الجنوب واختلال موازين القوى منذ حرب صيف العام 94م …

اليوم وفي ظل الصراعات النّـاشِـبة بين أقطاب العالم للهيمَـنة على الصعيد العالمي، والحفاظ على تحقيق المكاسب لصالح شعوبها، هكذا منطق العالم اليوم، وها هو اليوم يعيش على حافه حرب كونيه ممكن تندلع بأي وقت، والعالم ينتظر نهاية الأحادية القطبية، والتي تعد القوة العظمى، والعالم يتجه نحو اللا قطبية، تلك المفاهيم متشابكة، وهذه التطوّرات أدّت بالتدريج إلى تبلوُر برحلة القُـطبية الأحادية الأمريكية الذي تزعّـمته، على الرغم من أن كشف حدود دور الزعامة الأمريكية، إلا انه لن تغيّـر في هذه المرحلة على الأقل من طبيعة النظام العالمي، كونها تمتلِـك تفوّقاً عسكرياً واقتصادياً لا يضارع …

والحصيلة؟ إنها واضحة بالنِّـسبة لهذا الاجتهاد: الهيمنة الأمريكية ستستمِـر طالما لم يتمّ التحالف أو على الأقل التّـقارب بين العمالقة الأوروبيين والآسيويين “أوروبا، روسيا، الصين، الهند”، وطالما لم يجذب هذا التحالف إليه باقي دول آسيا، وإفريقيا إليه ليعزل أمريكا …

ومشاركة الانتقالي في مشاورات الرياض والضوء عن حلول مبتكرة للتحديات المحورية، يضع القضية الجنوبية على طاولة القوى الدولية، فأطروحاته وخلال المشاورات أثارت تفاعلًا جنوبيًّا على صعيد واسع، لا سيّما كونها أعطت القضية الجنوبية زخمًا إضافيًّا، ليس فقط على الصعيد الخليجي باعتبار أن مجلس التعاون هو راعي المشاورات، لكن أيضًا بالنظر إلى حجم الحضور الدولي، ومدى الاهتمام بأهميتها …

الرسالة التي ادلى بها ممثلو الانتقالي منذ اليوم الأول للمشاورات، مداخلات مهمة للغاية تناولت حضور قضية الجنوب، والتأكيد على أهمية التمثيل الندي للجنوب في مسارات التشاور، وفقا لمقتضيات اتفاق الرياض، وتماشيا مع معطيات الواقع التي تفرضها السيطرة والحضور الفعال ..

إلى جانب الجهود المتفانية التي تبذلها قيادات المملكة والامارات الشقيقة لمواجهة التحديات والمخاطر المعادية وتنفيذ اتفاق الرياض وإحلال السلام ودعم الاقتصاد والخدمات ومشاريع التنمية، في الوقت الذي تعمل فيه الشرعية الإخوانية على تهميش القضية الجنوبية على هذا النحو، فهي تدفع نحو تسريع وتيرة إمكانية عقد اتفاق مع مليشيا أنصار فارس، يلبي مصالح الطرفين، مع تجاهل القضية الجنوبية بشكل كامل، باعتبار أن معاداة الجنوب تمثل قاسمًا مشتركًا للجانبين ..

لكن شعب الجنوب صاحب قضية سامية مصيرية وسيموت من أجلها، وقد حقّق المجلس الانتقالي بقيادة الرئيس القائد عيدروس الزبيدي انتصارًا سياسيًّا بالغ الأهمية منذ اليوم الأول من حضوره في مشاورات الرياض، حيث يتسم بالمهارة والقدرة على الفهم الصحيح للأمور السياسية، والتي تحمل أهمية دبلوماسية لصالح القضية الجنوبية، تستهدف حفظ حقوق الجنوب بما يراعي تطلعات شعبه ..

لقد أسهم الرئيس الزبيدي إسهاما هائلا في عمله السياسي الدؤوب، جهداً وتفانيا استثنائياً رائعاً في المفاوضات، والتواصل الجيد مع العالم لتعزيز العلاقات الدولية، والبراعة فى طرح الأهداف الإستراتيجية المرجوة والتي يتم الاعتماد عليها، تتمثل في مخاطبة القوى الدولية، لإيضاح الحقائق الجلية، لتحقيق مكاسب سياسية والمضي قدما لكسر الرهان، وإفشال المؤامرات، وإظهار ما يتعرض له الجنوب من حرب شعواء من قِبل ماتسمى الشرعية اليمنية، والتي تحاول مصادرة حق الجنوبيين في التحرك نحو استعادة دولتهم، وحق شعب الجنوب في تقرير مصيره واستعادة دولته المستقلة باعتباره حق كفلته وأقرته القوانين والتشريعات الدولية ..

وأثبت الزبيدي جلياً بقدرته ودهائه وحكمته في تعزيز العلاقات الخارجية وتحقيق مكاسب سياسية في كافة المحافل الدولية، ففي مناقشته مع المبعوث الأمريكي مستجدات الأوضاع السياسية، ومواجهة التحديات، والمخاطر المعادية، وتنفيذ اتفاق الرياض، ومحاولات الشرعية المتواصلة لتهميش قضية الجنوب، والتعاون في تشكيل حراك دولي لإطلاع على حجم تفشي الإرهاب الذي استشرى في الجنوب بشكل غير مسبوق، وتقديم الدعم لمكافحة الإرهاب، وإيقاف نزيف الدم الذي يطال أبناء الجنوب، نتيجة العمليات الإرهابية اليمنية الغادرة التي تستهدفه بشكل شبه يومي، والتأكيد على دور القوات المسلحة الجنوبية والتجربة الرائدة في حفظ الأمن والاستقرار ومكافحة التنظيمات الشيطانية الإرهابية التي تتبنى أفكاراً شاذة خارجة عن التفكير السائد في المجتمع، ولا سيما جهود النخبة في محافظة شبوة كما أشار الدكتور الخبجي، التي سطّرت نموذجاً متميزاً وحققت نجاحات مرموقة، كم تم مناقشة إحلال السلام ودعم الاقتصاد والخدمات ومشاريع التنمية وتمسك المجلس الانتقالي بحق إشراك الجنوب في أي عملية تفاوضية سياسية تراعي تطلعات الشعب الجنوبي العازم على استعادة دولته ..

ليرسخ من الجنوب طرفًا قويًّا فاعلًا على الأرض، في حين كان التنظيم الإخواني الإرهابي وبعض حلفائه يتوهمون أن حملات التحريض حققت نجاحًا كبيرًا في إشعال الغضب في نفوس الجميع باستغلال موجة الغلاء العالمية وارتفاع أسعار السلع الضرورية، وأوحى إليهم شيطانهم بأن الفرصة المناسبة لإطلاق شرارة الفوضى والعمل على استغلال حركة الجماهير الجنوبية، ونتمنى من أبناء الجنوب عدم نسيان ماقام به الرئيس الزبيدي من أجل تحقيق إرادة الشعب الجنوبي، دفاعاً عن السيادة الوطنية ودفاعاً عن الشعب الجنوبي، وقد حمل على عاتقه مسؤولية وطنية كبيرة كما ينبغي وبضمير، ولن يسمح بتمرير أي مشاريع سياسية تتجاوز حقيقة وواقع تطلعات شعب الجنوب وقضيته الوطنية ..

مع ضرورة مراعاة راعي المشاورات، أن من الأولويات التي تستلزم عودة حكومة الفساد إلى العاصمة عدن والاضطلاع بمهامها في تخفيف وطأة معاناة المواطنين وملامسة همومهم وتلبية احتياجاتهم، وتحسين الوضع الاقتصادي والخدمي كأولوية قصوى تستوجب العمل عليها في ظل الأوضاع الإنسانية المأساوية ..

مع أنها تحمل اسم حكومة يمنيه “عنوان مضلل”، وكل ما أنجزته المزيد من النهب، واستباحة الثروات جنوباً، وإهدار السيادة اليمنية شمالاً ومصادرة قرارها الوطني، وتعطيل الخدمات والعجز المهين أمام مليشيا فارس، وعرقلة إتفاق الرياض، وممارسة التعذيب والتجويع الممنهج للمواطنين والمستوطنيين …

والجهود الجارية لإيقاف الحرب وبدء عملية سياسية شاملة، وتطبيق الهدنة وبعد الموافقة تكون فرصة لإظهار مدى جدية الأطراف المناوئة، ولا تزال تفتقر إلى الواقعية والجدية إذ تتعمد بعض الأطراف تجاهل القضايا المحورية التي يستوجب أن تكون في صدارة اهتمامها، وفي طليعتها قضية شعب الجنوب وممثله المفوّض المتمثل في المجلس الانتقالي الجنوبي ..

ستكون فرصة للحوار بين الأشقاء حول قضينا السامية والعمل العربي ومكافحة الإرهابي اليمني الكهنوتي، وسبل مواجهة الأزمات والتحديات التي تواجه الجنوب، لكن من يراهن على الحل السلمي للنزاع الدائر شمالاً وجنوباً فهو بالحقيقة واهم، وعملية السلام ستظل قاصرة ما لم تنطلق من أساس الصراع، وتضع القضايا المحورية، وفي مقدمتها قضية شعب الجنوب في صدارة اهتمامها، وتتعامل مع القوى الفاعلة ذات الحضور الفعلي على الأرض، والتي يرتضيها الشعب ويدعمها لتمثيله وتحقيق تطلعاته ..

ولا حل للقضية غير البندقية، والقوة الثابتة والفعالة على الأرض، ونعرف جيداً وضع البلاد تماماً، ونعرف قضايا النزاع، والقوى السياسية والطائفية والقبلية، فكل الاتفاقيات والحوارات والمرجعيات الثلاث مع المحتل اليمني أصبحت من الماضي والحديث عنها مجرد هراء والهتافات من صالات الفنادق بالمهجر لاممكن أن تطبقها، وحتى تراجع مجلس الأمن الدولي نفسه عن ذلك القرار، بعد فشل الحرب في هزيمة مليشيا انصار فارس، وأصبح يتعامل مع تلك المليشيا الإرهابية كطرف شرعي يفوق الشرعية نفسها، ففرص نجاح أي حل يكمن في مدى مناسبته للواقع، وأي حلول لا تستوعب الواقع الحالي ستدفن هي الأخرى بجانب المرجعيات الثلاث، والحل الانسب، الذي يمكن لدول التحالف العربي فعله بعد فشلها الذريع بفرحة النصر على أنصار فارس، إعادة هيكلة ماتسمى الشرعية على نحو سليم، بحكم ذاتي وبناء دولة ذات سيادة بالجنوب مع ضم إليها المناطق المحررة باليمنية ولو مؤقتة، حتى تستطيع أن تخلق توازن عسكري مذهبي ..

وقد أكد المجلس الانتقالي الجنوبي وبرغم دعمه الكامل لكافة الجهود الهادفة إلى وقف الحرب، ومعالجة الأزمات المتناسلة في الجنوب واليمنية، مع تمسك المجلس بتنفيذ جميع بنود الاتفاق دون انتقائية، على الوجه الذي يهيئ الأرضية الملائمة للعملية السياسية الشاملة، وبما يفضي إلى استيعاب طاولة المفاوضات لكافة القضايا والأطراف الفاعلة على الأرض، ولن يسمح بتمرير أي مشاريع سياسية تتجاوز حقيقة وواقع تطلعات شعب الجنوب وقضيته المصيرية الوطنية ..

إلا أن القوى اليمنية العابثة تستنفذ جهودها، لإفشال جهود تنفيذ الاتفاق وإغراق الجنوب في مستنقع الصراعات والأزمات، تستخدم أيضا سياسة العقاب الجماعي الممنهج ضد شعب الجنوب بهدف ثنيه عن مطالبه وتطلعاته المشروعة باستعادة وبناء دولته الجنوبية المستقلة، ونأمل أن تشهد المرحلة القادمة تجاوباً مع تطلعات شعب الجنوب، ومزيداً من التعاون والتنسيق المشترك لما فيه خدمة المصالح المشتركة، ويحقق الاستقرار والسلام والأمن في الجنوب واليمن والمنطقة والعالم …

سدد الله خطى الثابتون على الأرض، ولست ممن يميل إلى الهدير والتنظير أو الإصرار على المطالبة بالتصريحات بقدر تشديد التنويه ..

حفظ الله الجنوب وشعبة المكافح الصابر، وأبقاه عزيزاً شامخاً، ورمزاً للكرامة ومنبعاً للعز والافتخار ..

*كاتب جنوبي بارز ومفكر سياسي أكاديمي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى