الأزمة الاقتصادية تسرق فرحة اليمنيين بحلول شهر رمضان

عدن24| إرم نيوز


قرب شارع تجاري مضيء احتفالاً بحلول شهر رمضان في مدينة كريتر، قلب العاصمة عدن، تقف ”أم سمر“ بجانب (قِدر الضغط) الذي تعرضه للبيع أملاً في أن يمكّنها ثمنه من مواجهة بعض متطلبات الشهر، في ظل تصاعد الأزمة الإنسانية باليمن.

ووسط انهماكها في رفض عرض زبون بشراء القِدر مقابل 15 ألف ريال يمني ومواصلة تفاوضها مع آخرين، رفضت أم سمر الحديث إلى ”إرم نيوز“ مكتفية بالقول: ”الحاجة يا ابني“، في إشارة إلى العوز المادي الذي أجبرها على التخلي عن غرضها المنزلي.

وسلبت الأزمة الإنسانية في اليمن فرحة استقبال شهر رمضان من الكثير من الأسر، بسبب متطلباته الغذائية التي تختلف بقية شهور العام، في ظل ارتفاع أسعار السلع الغذائية وتردي الأوضاع المعيشية واستمرار الانهيار الاقتصادي الذي جعل ”3 من كل 4 يمنيين بحاجة إلى مساعدات إنسانية“، وفقاً لوكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث، قبل أسبوعين.

ويقول المواطن اليمني صلاح عبد الله، لـ“إرم نيوز“، إن ”ارتفاع أسعار المواد الغذائية يتكرر كل عام مع اقتراب شهر رمضان، تزامنًا مع استمرار تدهور الأوضاع المعيشية، حيث أصبح المواطن غير قادر على مجاراة هذا التدهور، خاصة أن الغالبية موظفون في وزارتي الداخلية والدفاع بمرتبات ضئيلة، وغير منتظمة“.

وأضاف: ”الرواتب لا تمكّنهم من مواجهة متطلبات الحياة الكريمة، إذ يمكنهم بهذه المرتبات شراء صفيحة زيت طبخ وشوال سكر فقط، وبالتالي يعجز الكثير منهم عن توفير بقية المتطلبات الاعتيادية لمن يعول.. فما بالك بمتطلبات شهر رمضان“، على حد قوله.

الدور الحكومي

ويرى عامل في معمل لمستلزمات الطاقة الشمسية يُدعى محمود المعمري، أن ”رمضان المقبل سيكون بلا طعم، نتيجة تعدد الأزمات التي يواجهها الناس، بداية من أزمات الخدمات كالكهرباء والمياه، مرورًا بالأزمات المعيشية والغلاء، ووصولاً إلى أزمة عدم توفر غاز الطبخ الجديدة، التي بدأت بالظهور مؤخرًا وفاقمت من معاناة الأهالي“.

وقال المعمري، لـ“إرم نيوز“، إن ”المواطن لم يعد بإمكانه مواجهة هذا الكم الهائل من الأزمات، وتوفير حلول وبدائل لها، فهناك الكثير من الأسر المتعففة التي تكاد تموت من الجوع داخل منازلها، في حين اضطر البعض إلى التسول في الشوارع لإطعام أولاده، أو البحث عما يسدّ رمقه في قوالب القمامة.

وأضاف متسائلًا ”أين دور السلطات المحلية والحكومة من كل ما يحدث؟ لا رقابة على الأسعار ولا ضبط للتلاعب بالعملة المحلية، كما أن مرتبات موظفي الدولة تصل مرة كل ثلاثة أشهر.. هؤلاء لا يكترثون لحالة الناس المعيشية وسيبقون كذلك ما دام بقاؤهم خارج البلاد“.

فيما اتهمت ”فلسطين“، وهي امرأة مسنّة، التجار بـ“ممارسة التلاعب والاحتيال على المواطنين، في ظل غياب الرقابة الحكومية وانعدام دور الجهات المعنية“.

وقالت لـ“إرم نيوز“، إن ”أسعار المواد الغذائية مرتفعة بشكل جنوني حاليًا“، بشكل يتنافى مع حالة سعر صرف العملة المحلية التي تكاد تكون شبه مستقرة خلال الفترة الأخيرة.

وأواخر العام الماضي شهدت العملية المحلية انهيارًا قياسيًا مقابل العملات الأجنبية، ووصل سعر الدولار الواحد إلى أكثر من 1700 ريال يمني، وارتفعت معه أسعار المواد الغذائية بشكل كبير، لكن الريال اليمني شهد تحسنًا خلال الشهرين الأخيرين، وأصبح سعر الدولار يتراوح من 1250 إلى 1150 ريالا مقابل الدولار، إلا أن أسعار السلع لا تزال مرتفعة ولم تتأثر بذلك التحسن، ”وهذا ما يجعلنا نقول إن ارتفاع الأسعار مرتبط بجشع التجار“.

ويرى تاجر البهارات، أحمد الهميس، أن ”حالة إقبال الناس على شراء متطلبات شهر رمضان هذا العام، أضعف بكثير من الأعوام السابقة، وباتت الكثير من الأسر من ذوي الدخل المتوسط، تستقبل الشهر الفضيل بشراء حاجياتها الأسبوعية أو اليومية، على غير ما اعتادت عليه في حياتها، إذ لم تعد القوة الشرائية لدى الكثيرين كما كانت عليه في السابق، نتيجة للأوضاع المعيشية المأساوية واتساع رقعة الفقر“.

وقال الهميس، لـ“إرم نيوز“، إن أكبر مشكلة اقتصادية تواجه عامة الناس، هي عدم استقرار سعر صرف العملة المحلية، وتذبذبها صعودًا ونزولًا، إذ تتسبب حالة الاضطراب هذه بارتفاع الأسعار.

وتابع :“أحد الأصناف كنا نشتريها قبل بضعة أيام بقيمة 18 ألف ريال، ويوم أمس فقط ارتفع سعر هذا الصنف بشكل مفاجئ إلى الضعف، وأصبحت قيمته 36 ألف ريال، وهذا مثال واحد فقط“.

أزمة عالمية

ويعتقد تاجر المواد الغذائية، عبدالسلام بانبيلة، أن ”ارتفاع الأسعار حاليًا مرتبط بارتفاع سعر العملة وبما يحدث من أزمة عالمية ساهمت في ارتفاع أسعار النفط وارتفاع تكلفة النقل والشحن عالميًا، إضافة إلى الأزمات المتكررة في توفّر المشتقات النفطية محليا وغير ذلك من الأسباب، وتزامنها بشكل مؤسف مع احتياجات الناس الرمضانية، وهو ما جعل الكثير من الناس غير قادرين على الشراء هذا الموسم“.

وقال لـ“إرم نيوز“، إن ”على المواطنين أن يعرفوا أن أي مصاريف يصرفها موردو هذه المواد الغذائية، كالجبايات في الطرقات أو في ارتفاع المحروقات أو رسوم جمركية أو ضرائب أو غيرها، فإن هذه المصاريف ستضاف إلى قيمة المنتج ذاته، ناهيك عن مصاريف أخرى كفارق سعر صرف العملة، لأن أغلب الجهات تبيع بالعملة الأجنبية، وبالتالي يصبح سعر السلعة مرتفعًا“.

ودعا بانبيلة الجهات المعنية إلى أن تفرض على المستوردين وعلى الشركات أن يبيعوا لهم بالريال اليمني، ”وطبعًا المستوردون يقولون إن التعامل بالريال اليمني يعرضهم لخسائر كبيرة نتيجة تذبذبه وعدم استقراره، وهذا صحيح، لكن نحن نقول لهم إذا هبطت العملة المحلية ارفعوا السعر لكن بنفس العملة، نشتري بذات العملة ونبيع بذاتها“.

وحول اختلاف الأسعار من تاجر إلى آخر، قال إن ”أسبابها تتمثل في شراء تجار الجملة لأصناف معيّنة بعملة أجنبية كالدولار والريال السعودي، عند سعر معين، فمثلًا يشتري أحدهم بضائع في وقت كان فيه سعر الريال السعودي الواحد بثلاثمئة ريال يمني، والآخر يشتريها في وقت آخر يكون فيه سعر السعودي مئتين وخمسة وثمانين ريالا يمنيا وهكذا، وعند بيع هذه المواد الغذائية سيحسب كل تاجر قيمة السلعة بحسب سعر صرف الريال السعودي في الوقت الذي اشترى فيه بضاعته، وهذا ما يؤدي لحدوث فوارق بالأسعار.

أنياب الحرب

وفي المقابل، يؤكد وكيل أول وزارة التجارة والصناعة اليمنية، علي عاطف الشرفي، أن ”لجان الرقابة على الأسعار تقوم بعمليات النزول الميداني بشكل مستمر ومتواصل، وأن وتيرة العمل الرقابي المفروض من قبل الوزارة، سترتفع بشكل أكبر خلال أيام الشهر الكريم“.

وأشار لـ“إرم نيوز“ إلى ”استمرار الاجتماعات المتواصلة لسكرتارية الأمن الغذائي المنعقدة بشكل شبه متواصل وبإشراف ومتابعة الوزير محمد الأسول ونائبه سالم سلمان الوالي، مع الجهات الحكومية ذات العلاقة بهذا الشأن“، على حد قوله.

وقال إن هناك ”إجراءات متخذة منذ أمد والحديث الآن عن استراتيجية الوزارة لتدخلات إضافية قد تشمل التحفيز والعمل مع الشركاء، إلى جانب دراسة اتجاهات السوق وحالة الأزمة العالمية، إضافة إلى مساعدة القطاع الخاص (المحرك الأول للسلعة) وفق تصور مشترك لوضع أساس التسعير وتقديم تسهيلات“.

ويرى الشرفي أن هناك أسبابا اقتصادية تفسّر ارتفاع الأسعار، ”وأغلبها لا تخرج عن المنظومة الاقتصادية للدولة وحالة الكساد والركود والتضخم، مع عدم تجاهل أنياب الحرب التي مزقت البنية الاقتصادية للبلد وجرّت خلفها الأوضاع إلى الهاوية“، وفقاً لتعبيره.

وبشأن عدم انخفاض الأسعار مؤخرًا بالتزامن مع حالة التحسن الطفيفة التي طرأت على الريال اليمني، يقول وكيل وزارة التجارة والصناعة: ”نعم، حدث استقرار نسبي في سوق الصرف، لكن تبقى عوامل خارجية وتطورات دولية أثرت في أسعار السلع، مع عدم نسيان أو تجاهل حالة الحساسية والحذر الذي يضغط على سلوك بعض البيوت التجارية (نتفق مع بعضها ونرفض كثيرها)“.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى