باعوم… أين أنت؟

  • بقلم: عبدالخالق الحود

تتعدد مواقف الرجال، وتتبدل قناعات الكثيرين تبعاً لحال الوضع ومآلات ما يؤمنون به، وقد تضعف همم الصناديد حين تتجمع المكائد وتطاول رقاب الأحبة إمعاناً

في النكران وإغماط الجميل مع استمرار أذية الأعداء. ومن الطبيعي فتور حماسة قادة عظام ساعة تطول وتمتدّ فترة الحصاد، مصحوبة بجدب يحيط بنا وتصحّر يزحف بظلاله القاتمة على تاريخ شاب شاخ ليصنع لأهله مجداً ضائعاً ووطناً سليباً وكرامة مهدرة.

أين أنت؟

ما سأقوله بحق الرجل قلته مراراً، تحديداً حين كان المناضل باعوم مقرّناً بالأصفاد في جبّ سجن صنعاء السياسي، وقدمه اليمنى تنزف دماً، ساعة إذ حضر جنوبي بدرجة وزير وطلب من باعوم قول جملة واحدة فقط، لا تتعدى خمس كلمات، نظير خروجه من السجن و15مليون ريال، قال الوزير إنها خلف مقعد سيارته الفارهة “كاش”: “أنا أؤيد ثورة الشباب في اليمن، وهي امتداد لانتفاضة الحراك الجنوبي… بس”.

كان رد باعوم حاضراً وحاسماً وسريعاً ومتوقّعاً، هو ذات الموقف لا يتغيّر ولا يتبدّل: “لا”.

حملوه بعدها، بإصابته، إلى الفندق، ووضعوه تحت إقامة جبرية، علّه يغير رأيه مقابل تغيير طفيف في العبارة. أتعلمون لمَ يصرّ هؤلاء على انتزاع كلمات من فم ستيني يرزح تحت الأغلال بهذه الأثمان؟

عظيم كان الرجل، وسيظل مدرسة نضال

لأنه باعوم

باعوم الذي نذر، بشهادة الجميع وأولهم صالح وقومه، كل حياته، ووقته، حبه، وعياله، وأهله… للوطن، وهو من أسكن الجنوب، كل الجنوب، بين جوانحه، وهام فيه بصدق. أواب عازف عن سماع كلمات الشكر ورسائل الثناء وعبارات المديح.

باعوم يا أبناء الجنوب هو ذلك الشيخ الذي غاب عن ناظريه كل شيء، ومضى يبحث عن حق شعب أضاعه غيره، وهو أعظم غرض تُناط به حياة إنسان.

باعوم أيها الرفاق كان وما زال موقفاً عاماً لا يتجزأ، ولا تروي ظمأ نفسه أنصاف الحلول، باعوم رجل يؤمن بقضية لا إيمان مصادفة، بل إيمان فطنة ومسؤولية وتضحية.

باعوم يا أبناء الحراك هو ذاته رجل بأمة، وقف وحده بجسده الموهن كسد منيع حين تعالت صيحات سراق النضال المتربصين بقضية شعب الجنوب.

باعوم يا بلد الشهداء حين انشقت الأرض عن موتورين قالوا بحقه الإفك وتقيأت صدورهم بكل أحقادها، كان هو الأب الحاني، فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟؟

وإذا كان للهند غاندي، وللأفارقة مانديلا، فلنا نحن أبناء الجنوب باعومنا، وإلا فتباً، ألف تب لأمة لا تجيد إلا فن تشليح قادتها واقتفاء زلات زعمائها، بحجج تثبت الأيام بطلانها، وإن أبيتم إلا الكمال فاعلموا أن محمد بن عبد الله آخر الأنبياء.

رجل بكلمة

عظيم كان الرجل، وسيظل مدرسة نضال تعلمنا أن الفضائل يمكن أن تجتمع في رجل واحد، تتزاحم جميعها في تفوق عادل يتدثر بالحكمة ولا يستعلي على الخير أصالة.

الدائم عن خلاص أمته بطاقته الجبارة الشامخة، تراه يضحك كطفل وديع تستقر تحت جوانحه كل أماني العالم وأحلامه.

ليعلم من يستنقصون من نضالك شيخنا الكبير أنهم حين يغرسون كلماتهم الغادرة بحقه وتاريخه ونضاله تلك اللحظة ذاتها ستلد الجنوب، وينفجر من خبئها المهول حمال حق مثله.

لله درك أيها الصنديد… أي الرجال أنت؟!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى