من مصر إلى المغرب.. الخلافات والانشقاقات تعصف بجماعة الإخوان


اتخذت جبهة إسطنبول بقيادة الإخواني محمود حسين خطوة كبيرة في صراعها ضد جبهة لندن بقيادة القائم بأعمال المرشد إبراهيم منير، بعد أن قامت بتشكيل لجنة لإدارة الجماعة وتسمية رئيس رسمي لتمثيلها دون الإعلان عن أسماء أعضاء اللجنة، وهو ما يزيد من الانقسام داخل هياكل الجماعة التي تشهد أذرعها في مختلف الدول العربية توترات داخلية وانقسامات.

وفي مؤشر على انشغال الجماعة بخلافاتها مر حكم محكمة جنايات أمن الدولة العليا في مصر الأحد، بالسجن المؤبد ضد محمود عزت القائم بأعمال مرشد الجماعة، دون أي ضجيج.

وأعلن تيار حسين في بيان له الجمعة تشكيل لجنة مؤقتة باسم “اللجنة القائمة بأعمال المرشد العام”، وتقوم بمهامه لمدة ستة أشهر، على أن يتم الإعلان عن أعضاء اللجنة في الوقت المناسب، وسيكون القيادي الإخواني مصطفى طلبة ممثلا رسميا لها، أي أنه سيكون المرشد الذي يحل مكان إبراهيم منير.

وجاءت الخطوة بعد إجراءات إدارية اتخذها منير في الفترة الماضية بحق جبهة إسطنبول وأفضت إلى عزل عدد كبير من المحسوبين عليها وإبعادهم عن الشق المالي في الجماعة الذي تمحورت حوله بعض الخلافات بين الجانبين.

ومهدت جبهة حسين لهذه الخطوة بعقد مؤتمر في أحد فنادق مدينة إسطنبول حضره عدد من كوادر الإخوان في تركيا، بمشاركة ما يسمى “إدارة القطر المصري”، كما حضره عدد من أعضاء مجلس الشورى العام في الجماعة والمؤيدين لمحمود حسين.

وشغل مصطفى طلبة منصب نائب رئيس مجلس شورى الإخوان في تركيا المعزول من قبل منير، وله علاقات وثيقة مع أنقرة، ومسؤول عن إدارة مجموعة من أموال الجماعة، ووضعته مصر على قوائم الإرهاب العام الجاري، وقد حصل على الجنسية البريطانية التي منحته هامشا كبيرا من التحرك في أوروبا.

يترتب على اختيار طلبة للقيام بمهام المرشد انشطارُ الجماعة بصورة شبه رسمية إلى شطرين؛ أحدهما يمثل إخوان مصر ويشرف عليه ويديره في الخفاء محمود حسين، والآخر يمثل التنظيم الدولي للجماعة تحت قيادة إبراهيم منير.

وتحاول قيادات وكوادر إخوانية أن تنأى بنفسها عن صراع حسين – منير، ولم تحدد بعد اتجاهها، ما يمكن أن يترتب عليه اتجاه ثالث مستقل، ناهيك عن غموض موقف الشباب الغاضبين من الصراع الراهن الذي يمكن أن يشكل جبهة رابعة.

وساهم غموض موقف القيادات الكبيرة الموجودة داخل بعض السجون المصرية في زيادة حدة الانشطار؛ ففي ظل عدم وجود آليات للتواصل المباشر بين الداخل والخارج فُتح باب الاجتهادات وبدأ كل طرف يتصرف حسب قراءته للتطورات.

وتكشف هذه التطورات عمق الأزمة التي يعيشها تنظيم الإخوان؛ فقد أثبتت حدة الصراع بين جبهتي حسين ومنير أن المسألة تتجاوز تقسيم الأدوار المتعارف عليه داخل الجماعة، وبدت فكرة التقية السياسية مهزوزة هنا، إذ حافظ الاعتماد عليها وتوظيفها سابقا على درجة من التماسك، في حين أن ما يحدث الآن يتخطى التقية.

ويتناسب الفصل بين الجسم الإخواني المحلي والجسم الدولي مع الأزمة التي يشهدها الهيكل العام للجماعة، حيث تتراجع حظوظها في كل من تونس والمغرب وليبيا والسودان وسوريا والأردن، وقبلها مصر ودول خليجية، ما يعني أن الجسم الداخلي صار يمثل عبئا على نظيره الدولي.

وبالإضافة إلى التراجع تشهد أذرع التنظيم في عدد من الدول خلافات وانشقاقات، أبرزها ما تعيشه حاليا حركة النهضة في تونس حيث استقال أكثر من 100 قيادي في الحركة احتجاجا على انفراد رئيسها راشد الغنوشي بالقرار.

وفي ليبيا أسس الرئيس السابق لحزب العدالة والبناء محمد صوان حزبا جديدا باسم “الحزب الديمقراطي”، ويبدو أن انشقاقا صامتا قد تم داخل الحزب بسبب المواقف المتناقضة للقيادات الإخوانية تجاه الانتخابات؛ فبينما دعا صوان إلى ضرورة إجراء الانتخابات في موعدها تمسك خالد المشري رئيس مجلس الدولة بضرورة تأجيلها إلى حين صدور الدستور.

أما في المغرب فقد مني حزب العدالة والتنمية بهزيمة مدوية بعد أن خسر 112 مقعدا، حيث حصل على 13 مقعدا في مجلس النواب بعد أن كان يملك 125 مقعدا.

وكان للخلافات التي عرفها الحزب دور في هذا التراجع. وفي حين يحاول الأمين العام للحزب عبدالإله بنكيران إصلاح أوضاع الحزب الداخلية لا يستبعد مراقبون حدوث انفجار قريب قد يؤدي إلى انقسامه.

وقد يكون الفصل المنهجي مريحا لبعض القيادات كي لا يتحمل التنظيم العالمي تكاليف الخسائر التي مني بها الجسم المحلي، ويحاول كل طرف ضبط الدفة بصورة مستقلة.

وقال الخبير في شؤون الجماعية الإسلامية منير أديب إن “ما يحدث داخل جماعة الإخوان ليس مجرد انشقاق أو انشطار أو اختلاف في وجهات النظر؛ إنه حالة بعيدة عن كل الصراعات التي عاشتها الجماعة على مرّ تاريخها”.
وأضاف لـ “العرب” أن التطورات الأخيرة يمكن التعامل معها على أنها “مقدمة لانهيار تنظيم الإخوان فوق رؤوس الجماعة وقادتها، فقد أصبحت هناك جماعتان لأول مرة في تاريخ الإخوان، ورأسان وليس رأسا واحدا، وقائم بأعمال المرشد في لندن وآخر في إسطنبول، ما يؤكد أن انهيار التنظيم مسألة وقت”.

وذكر أن “عناصر الإخوان باتت مشلولة التفكير وواقعة تحت تأثير المراوحة بين الانحياز إلى جبهة حسين ونظيرتها جبهة منير، وثمة من جمّد عضويته في الجماعة ومن تركها ورحل عنها، والمشهد العام يؤكد أننا أمام بقايا تنظيم يتآكل، وما يحدث يصعب ترميمه بسهولة في المستقبل من قبل قيادات الصفين الثاني والثالث”.

في المقابل طالب خبراء آخرون في شؤون الحركات الإسلامية بالتعامل مع الصراع الدائر بين جبهتي إسطنبول ولندن بقدر من التمهل والتريث وعدم استباق مسلسل الأحداث، فربما تصب النتيجة النهائية في صالح الجماعة الأم لإعادة تموضعها، حيث يتحلل كل طرف من العبء الذي يمثله الآخر عليه، ما يساعد التنظيم على تجاوز المحنة التي يمر بها في الفترة الحالية.

ويشير هؤلاء الخبراء إلى أن تيار الإسلام السياسي لم ينته تماما؛ فالضربات التي تعرض لها لا تعني تلاشيه من المشهد العام، ولا تزال هناك قوى غربية تعتقد في أهمية وجوده بذريعة ضرب المتشددين ولم تقتنع بالحجج والأدلة والبراهين التي قُدمت وأثبتت التناغم بين ما يسمى بـ”المتطرفين” و”المعتدلين”، فالحصيلة تصب في بوتقة واحدة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى