هل يقود صراع الأجنحة داخل الإخوان إلى فصل التنظيم الدولي عن الجماعة في مصر

عدن24|متابعات

يبدو أن مفاجآت جماعة الإخوان لن تتوقف عند الخلافات الجارية بين ما يعرف بجبهتي لندن وإسطنبول، فقد طالب عبدالله الحداد ابن عصام الحداد مساعد الرئيس الإخواني الراحل محمد مرسي للشؤون الخارجية الجمعة بالإفراج عن والده مقابل التعهد باعتزال السياسة، والتوقف عن ممارسة أي أنشطة، باعتبار أن السياق المحلي والإقليمي لن يسمح لعناصر وقادة الإخوان بممارسة السياسة على النحو السابق.

جاءت هذه النصيحة في وقت وصل فيه مسلسل الصراع بين جبهتي الإخوان المتنافستين على قيادة التنظيم إلى فك الارتباط والتمهيد للانفصال بين كيانين، أحدهما يمثل التنظيم الدولي ويقوده إبراهيم منير من لندن، والآخر يمثل مجموعة قيادات تنظيم مصر ويقوده محمود حسين من إسطنبول.

لجأ محمود حسين إلى خطوة لا تعني كما هو ظاهر إزاحته لمنير بقدر ما تعني استقلاله بقيادة المكون المصري داخل الجماعة الذي توجد غالبية قياداته في تركيا، تاركًا قيادة التنظيم الدولي للجماعة إلى منير وما يعرف بقيادات لندن وباقي قادة التنظيم الموزعين بين دول العالم.

وبثت مواقع الجماعة مساء الخميس فيديو لحسين تضمن جملة من القرارات تقضي بعزل إبراهيم منير من منصبه كقائم بأعمال المرشد واختيار لجنة تقوم بمهامه، وأن مجلس الشورى العام وهو أعلى هيئة في الجماعة اجتمع وقرر عزله وإبطال مفعول قراراته الأخيرة التي جمدت نشاط محمود حسين وجبهته.

ويعزز العزل والعزل المضاد بين قادة التنظيم الدولي وقادة المكون المصري الذين عزلهم منير سيناريوهات الانفصال واستقلال كل جبهة بنفسها وقيادتها، فلدى كليهما أوراق قوة ولا يستطيع أحدهما إزاحة الآخر.

ويستند محمود حسين على ما يتحكم فيه من ملفات مالية وإدارية خاصة بتنظيم الإخوان بمصر ودعم عدد من القيادات المستفيدة ماليًا من وراء التحالف معه، مقابل اعتماد منير على صلاته القوية بجهات أجنبية وداعمين إقليميين للجماعة وقادة التنظيم الدولي للإخوان.

وسبق قرار حسين الذي تضمن أيضًا تشكيل لجنة مؤقتة تتولى مهام منصب القائم بعمل المرشد إجراء داخل جبهته يشي برغبة أعضاء تلك الجبهة في الفصل بين قيادة التنظيم الدولي وقيادة تنظيم مصر.

وأصدرت القيادات المتحالفة مع محمود حسين في تركيا عقب قرار منير بعزله بيانًا بإعفاء منير من مهامه كقائم بأعمال المرشد عبر الصفحات الإعلامية التي تسيطر عليها مجموعته في إسطنبول، وأن مجلس شورى الإخوان قد اجتمع ووافق على إعفاء القائم بأعمال المرشد من منصبه مع الاكتفاء بقيامه بالمهام الخارجية ولا دخل له بالقطر المصري.

وأرجع الخبير في شؤون الحركات الإسلامية طارق أبوالسعد الصراع على تنظيم متهالك قادته وقطاع من عناصره في السجون وبعضهم هاربون إلى رضا بعض الجهات الخارجية عنه، فضلًا عن شهوة التحكم والسلطة وتحريك مئات الآلاف من الأفراد وفق ما يراه القائد، واصفًا حب السلطة بـ”المرض المتفشي بين قيادات الإخوان منذ حسن البنا، وهو ما لن يتوقف ما دامت الجماعة موجودة”.

وكشف أبوالسعد لـ”العرب” أن الصراع على القيادة وقرار عزل إبراهيم منير من فترة سابقة بعد تجميده لعضوية محمود حسين وحلفائه وإحالتهم إلى التحقيق لتتوالى بعدها ردات فعل جبهة إسطنبول وصولًا إلى بيان لقائدها أشار فيه إلى وجود مخالفات مالية وإدارية واستبداد من قبل منير ضد حسين.

وتغذي خطط الانفصال الكامل بين التنظيم الدولي وتنظيم مصر الأبعاد التاريخية للصراع والتنافس بين الجبهتين منذ تشكل تيار منتصف السبعينات من القرن الماضي يهتم بالعمل النقابي والنشاطات خارج الجماعة لتحسين صورتها ودعم نفوذها وكان من بين صفوفه إبراهيم منير، مقابل جناح ركز نشاطه داخلها بهدف الإمساك بمفاصلها الأساسية.

وتكونت نواته من بقايا التنظيم الخاص أو الجهاز السري المسلح في عهد البنا ومن كانوا شبابًا في تنظيم الستينات الذي قاده سيد قطب، وكان محمود حسين أحد رجاله بجانب محمود عزت ومصطفى مشهور ومحمد بديع وخيرت الشاطر.

وحاول منير تعويض بُعده عن المكون المصري حيث يقيم في لندن وحتى لا تخسر جبهته الجناح المصري الذي يمثل ثقلا كبيرا داخل التنظيم الدولي لجأ إلى عدد من حلفائه الذين تبنوا مظالم المتذمرين من أداء محمود حسين وجبهة إسطنبول، وبث دعاية تروج له كامتداد لقيادات الحرس القديم.

وعكست هذا الأمر تصريحات أطلقها مؤخرا يوسف ندا المسؤول عن استثمارات الجماعة في العالم بشأن توصية القيادات التاريخية للجماعة المتواجدة بسجون مصر بأن يخلف منير محمود عزت في حال جرى اعتقال الأخير، زاعمًا أنه (منير) حظي بثقة مرشدي الجماعة بداية من حامد أبوالنصر وحتى محمد بديع.

ويدرك محمود حسين أنه ليس بمقدوره تحقيق الانتصار الكامل وإزاحة منير والهيمنة على التنظيم الدولي بجانب تحكمه في مفاصل تنظيم مصر فاكتفى بالاستقلال بقيادة الأخير، مستغلًا التخبط الذي يعاني منه التنظيم الدولي للإخوان بعد الخسائر المتوالية في دول مختلفة، بينها السودان وتونس والمغرب.

وتبدو القرارات الإجرائية بين الجبهتين لا قيمة لها ولا تعكس أكثر من تقوقع كل بمكونه شبه المنهار وأثبتا فشلًا كل في ساحته، فالتطورات في تونس والمنطقة العربية عمومًا علامة على فشل قيادة التنظيم الدولي، فيما زوال حكومة الإخوان في مصر في صيف 2013 ثم الفشل في التحدي والعودة علامة على فشل حسين وتياره.

وأعقب قرارات محمود حسين بشأن عزل إبراهيم منير من منصبه وتشكيل لجنة تؤدي مهامه، توارد أنباء عن توجيه السلطات التركية أوامر لقيادات الإخوان بضرورة ترحيل شخصيات بعينها، محذرة من تسليم المطلوبين من الإنتربول من الإخوان المدانين بأعمال عنف وإرهاب.

وبدت قرارات محمود حسين في ضوء تطورات تركيا حيال مصر هروبًا إلى الأمام وترحيلًا للأزمة التي يعاني منها والقيادات المقيمة في تركيا بعد اضطرار المئات من أعضاء الجماعة وقادتها المحسوبين على المكون المصري إلى مغادرتها مع أسرهم إلى دول مختلفة في شرق آسيا.

ويفسر البعض من المراقبين قرارات إبراهيم منير السابقة بأنها تتماهى مع المستجدات الإقليمية والتقارب الناشئ بين قوى دعمت الإخوان في السابق ودول طاردة للجماعة، مستهدفة وقف الانهيار السريع للتنظيم ومحاولة بقائه في مشهد الأحداث ووضع حد لحالة الانقسام داخله، خاصة أن قرارات حسين تعكس رغبة في تجاوز أزمات قادة وأعضاء الإخوان وغالبيتهم من المصريين في تركيا.

ويكاد محمود حسين الذي يسيطر على مالية الإخوان ووسائل الإعلام يفقد نفوذه داخل التنظيم في تركيا عقب التحولات الظاهرة في مواقف أنقرة، علاوة على تذمر وغضب غالبية شباب الإخوان في تركيا وانحياز عدد كبير منهم للمسار الذي يتبناه إبراهيم منير نتيجة جمود جبهة حسين وعدم مرونتها وافتقارها إلى الشفافية الداخلية والمساءلة.

ويُعد ما صدر عن جبهة حسين إجراء رمزيا للإيحاء بقوة النفوذ والقدرة على مواصلة المنافسة لتجاوز الأزمة العميقة التي يواجهها تنظيم الإخوان المصري داخل تركيا.

ولا يعني ذلك أن إبراهيم منير يحتل موقع القوة، فالتنظيم في عمومه شاملًا مكونه الدولي وجناحه المصري، يعاني من مشاكل هيكلية، ومنير الذي أصبح المرشد بالإنابة منذ اعتقال محمود عزت في أغسطس من العام الماضي ويتمتع بسلطة رمزية وفرصه أوفر في حسم الصراع، يحتاج في نهاية المطاف إلى لملمة شتات التنظيم وإقناع الشباب والصفوف الدنيا باتباع أوامره كوسيلة لاستعادة التماسك.

ويبدو هذا الطريق بعيد المنال في ظل فقدان الثقة والفشل العام والثمن الفادح الذي دفعه غالبية أفراد الجماعة بسبب ما يطلبه منير منهم مجددًا، وهو طاعة أوامر القيادة.

وإذا صمد إبراهيم منير بعد قرارات محمود حسين بشأن عزله عن قيادة الجماعة وحتى لو تمكن من حسم الصراع مستفيدًا من طبيعة التنظيم الهرمية الصارمة ودعم بعض الجهات الخارجية، فجماعة الإخوان بشكلها القديم تآكلت الكثير من آليات سيطرتها، وفقدت القدر الأكبر من تماسكها، بعد أن كانت تفخر دائمًا بأنها الحركة الإسلامية الأكثر تماسكًا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى