الأنثى المبدعة.. بين طقوس الكتابة وتداعيات الوضع المعيشي

  • عدن24 | متابعات

هي الأنثى.. كوكب عطري يمنح الوجود.. تجليات الرقة والعذوبة، تسهم في صياغة الحياة جنبا الى جنب شقيقها الرجل، بل إنها الحياة، إذ لا حياة بدون حرف ” النون “، لكن الأنثى حين يتلبسها طائر الإبداع ووجع الكتابة تصبح كائنا ضوئيا يفيض على حياتنا بردا وسلاما، وحينها يتضاعف لديها منسوب القلق وتتصاعد ألسنة اللهب اللذيذ، في يوميات امرأة تتقاسم نبضاتها طقوس وأوجاع الكتابة الإبداعية، والشؤون المنزلية، وتداعيات الوضع المعيشي.

وما أجمل ما قالته إحدى الكاتبات ذات مرة:” أرق اللقمة يزاحم حضور الكلمة”

في إشارة منها إلى الصراع على لقمة العيش، حفاظا على البقاء، في زحمة الظروف وفي حرقة الإبداع!

ولأننا لا نؤمن -كثيرا- بالنظرية الخاطئة لتجنيس الأدب ” ذكوري/ أنثوي ” ؛ إلا أننا أحببنا الاقتراب من هذا الكوكب العطري المؤنث ؛ بغية تسليط الضوء على شجون ونجاحات المرأة العربية المبدعة في معارج البوح.

_ كيف توزع ذاتها بين طقوس وأوجاع الكتابة وتداعيات الوضع المعيشي؟

_ وهل ثمة طقوس معينة يهبط فيها وحي الكلمة..؟!

▪حول مجريات هذا الإستطلاع تحدثت مجموعة من الكاتبات في الوطن العربي مؤكدة بكل قوة وجبروت، أن الكتابة هي النبض وهي الحياة التي تفرض حضورها دون أي إرتباط بطقوس معينة أو موعد مسبق.

لن يخبو وهجها تحت خطوط الفقر والانشغالات الحياتية، فلطالما نجحت الأنثى العربية في الحفاظ على الحضور الإبداعي دون التفريط في واجباتها الأسرية وشؤونها الحياتية المختلفة.. جاعلة من لعنة الفقر وضنك المعيشة ميلاد حرف يبزغ من رحم المعاناة.

إلى التفاصيل:

الإبداع في أصعب الظروف

▪توجهنا بالسؤال إلى الشاعرة والأديبة اليمنية/ أحلام الدميني، والتي أوضحت بالقول:

ليس هناك أي مكان أو موعد محدد للكتابة، الإلهام لا وقت له ولا مكان.. هو يمتلك روحنا ووجداننا.. لا يطرق الباب ولا يأخذ موعدا مسبقا..وإن كان لا بد من طقوس، فهي أن أكون خالية إلا مني.

ودائما الإبداع ينجح عندما يكون في أصعب الظروف والحالات،وعلى الشخص المبدع أن يكون متفاهما مع ذاته، يدرك ما له وما عليه من التزامات نحو نفسه والغير.

وهكذا الأنثى المبدعة تعانق فضاء الكتابة بجناح الإيمان بالله، ثم بقوة العزيمة.

أنا أكتب برغم الضجيج المزدحم حولي، والفوضى غير المرتبة سواء أكانت وضعا معيشيا أو نفسيا أو اجتماعيا مضطربا.. وتبقى الكتابة تمتلك ارواحنا ومواجيدنا.

الكتابة حالة بعينها

▪الروائية والكاتبة الصحفية الجزائرية/ ياسمين مسعود، أكدت أن الكتابة حالة بعينها..حالة إبداعية هي للكتابة وحسب.

وحول ما إذا كان لها طقوس معينة لممارسة وجع الكتابة كشفت قائلة:

أميل إلى الكتابة ليلا بشكل خاص.. من النادر أن أكتب نهارا نصا أدبيا أو حتى مقالة فالنهار أراه _ بالنسبة لي _ بضجيجه وخيالاته الصاخبة لا يصلح للكتابة،لذا لا تعجبني الكتابة وسط الضجيج.

بالنسبة للوضع المعيشي فالعمل جزء من الحياة، فأنا أميل للعمل، ليس بالضرورة العمل الصحفي، حتى عندما أكون في البيت أجدني أقوم بشيء أعمله، وحين لا أجد ما أعمله أقوم بممارسة القراءة، تستثمارا للوقت، فالفراغ شيء مهول.

معظم كتاباتي الإبداعية على اللابتوب والآيباد.. أنجزت هذا العام روايتي

Presque moi

أوزع ذاتي بطريقة منظمة

▪من السودان الشقيق تنظم إلينا الشاعرة نجلاء البابطين والتي أوضحت قائلة:

ليس لدي طقوس معينة للكتابة،فالكتابة تفرض نفسها، هي مخاض متى ما أراد الخروج استسلمنا له.

هناك من يكتب بطقوس معينة، لكنني يكتبني النص ولا أكتبه.

لا تمثل الكتابة أي عائق لي أمام الشؤون الأسرية وكذلك الظروف،أوزع ذاتي بطريقة منظمة للكتابة،للبيت خصوصا وأنا سيدة أعمال وجودي غالبا في المنزل.

الكتابة تتحدى المعوقات

▪الشاعرة والفنانة التشكيلية المصرية د. منى عوض لفتت إلى أن الكتابة عمل إبداعي يتحدى المعوقات حيث قالت:

الكتابة عمل إبداعي يفرض نفسه سواء كان قصيدة شعرا أو قصة أو لوحة.

لا أستطيع فعل الكتابة عندما أريد، فالقلم والريشة هما من يوجهان روحي وفكري للعمل الإبداعي.

تواجه المرأة العربية المبدعة، ظروفا كثيرة باعتبارها لها محيطها وواجباتها، وما يشكله ذلك من ثقل روحي ومعنوي، قد يعيق استمرارية الإبداع، لذا يصبح جل وقتها موزعا بين اهتماماتها الكتابية الجميلة وبين تداعيات الوضع المعيشي.

لكن بكل تأكيد يبقى للكتابة حضورها، فعندما تأتي القصيدة بكل عنفوانها من رحم معاناة كامنة، فإنها تفرض وجودها وتكتب نفسها وكذلك أي عمل إبداعي.

وبهذا تأتي الكتابة متفجرة من ركام الخبرات والآلام والآمال متحدية كل المعوقات.

لم أستفد ماديا من كتاباتي

▪الشاعرة اليمنية منى بن عبيدان سكبت بوحها في السطور التالية:

الكتابة هي نبض القلب..هي الواقع والمحبة والفن والذوق والرأي والثقافة بشكل عام.

ليست لي أي طقوس معينة للكتابة،لذا تأخذني الكتابة دون سقف رغم الانشغالات الحياتية والظروف تلمعيشية تظل الكتابة متنفسنا وحياتنا.

لم أستفد ماديا من كتاباتي، بعكس الفنان قد يحصل على مقابل مادي للتسجيل.

طبعا الكثير من الشعراء والقامات الإبداعية يؤرقها كابوس الفقر، في ظل غياب الدعم المؤسسي.

الوقت كالسيف

▪تنقلنا بالسؤال إلى الإعلامية والفنانة الدرامية أفراح محمد جمعة خان..إبنة الفنان الكبير محمد جمعة خان..

والتي أجابت:

المرأة شعلة مضيئة.. تنير كثيرا من الزوايا المظلمة، فهي شعلة إبداع يصل وهجها وبريقها أينما ظذهبت.

بالنسبة للوضع المعيشي فهو من يجبر الإنسان ” المرأة ” على الكتابة..

سواء كان وجعا/ ألما/ فرحا/ حزنا..فشلا/ نجاحا.

كل هذه العوامل هي من تحرك القلم للكتابة..

وبالطبع هناك فرق بين الكاتب المبدع والعادي..العادي ينقل الصورة كما هي، بينما المبدع يجعلك تعيش اللحظة والحدث بزمانه ومكانه والظروف المحيطة به.

ومن هنا أخلق إبداعي، واستوحي كل أفكاري أثناء كتابتي، سواء كتابة السيناريو أو التأليف الدرامي وكتابة التراجيديا والكوميديا، والإعداد البرامجي المتنوع والأدء الإذاعي الذي يحمل إحساسي الداخلي، لكي يخرج بقالب متحرك يترجم ويدغدغ أحاسيس المتلقي،فالكتابة والإبداع الحقيقي هما اللذان يلامسان واقع الناس المعيشي.

أما في مجال توزيع الذات بين الحياة الإبداعية والمعيشة، فأنا مؤمنة بمقولة: ” الوقت كالسيف ” لذا فالاستثمار للوقت في يومي مهم جدا.

هناك أوقات أخصصها للاستمتاع بالاعتناء بوالدتي المعقدة – أطال الله في عمرها- وهناك أوقات أقضيها لتلمس حاجات أولادي ومختلف شؤوني المنزلية.

وهناك أوقات ولحظات بيني وبين الله كل هذا يمدني بالطاقة الإيجابية.

وهناك أوقات أمسك فيها بقلمي في تلك الزاوية لأسبح في ملكوت أفكاري وإلهامي.. ويبقى أمام الكاتبة الاستثمار الأمثل للوقت.

الكثير من الضغوط

▪أما الشاعرة اليمنية سكينة شجاع فكانت إجابتها كالتالي:

تمر المرأة العربية المبدعة- مثلها مثل بقية أفراد المجتمع- بالكثير من الضغوط والمنغصات التي تجعل من إبداعها معايشة لواقع يرزح تحته الجميع.

لكن المبدع/ المبدعة يكون أكثر إحساسا ومزجا للألم، ليخرج من بوتقة الوجع بالتعبير والإفصاح عن معاناته بتعبير جميل..والمبدع إبن بيئته.

أنا كأم أجد الكثير من الضغوط في إتاحة المجال لتفرغي للكتابة والأدب، لكنني أحاول جاهدة للتوفيق بين الجانبين.. حتى وإن واجهتني بعض المعوقات لا أسمح لها أن تستنفد طاقاتي المفعمة بالحب لحياتي الأسرية والأدبية.

ألجأ- أحيانا- لنقل مهام العمل لأحد أبنائي لأجد فسحة للكتابة وممارسة طقوسي الإبداعية.

من رحم المعاناة

▪الكاتبة والناشطة اليمنية حياة إبراهيم شاركتنا قائلة:

الكاتب هو الإحساس، هو الإنسان يجمع بين تراكمات ما يعانيه وبين التجلي في صنع المفردات التي تخاطب الأفئدة، والكتابة تخفف ما نعانيه من شتات الأرواح واغترابها في واقع معيشي فرض علينا.

أمارس طقوسي الإبداعية بروح عابق بسحر الكلمات وإصرار كبير يرفض التوقع حول ذاتنا يرفض اية قيود حول معصم أوقاتنا.

خلاصة القول.. نحن معشر المبدعين كسرب طيور ترفض أن يحاصرها شتات الأيام وثقافة الماديات.. بالكتابة نتفنن في صياغة وخلق شلالات عاطرة وأيقونات مشعة.

لا أتخيل أعيش يوما بدون الكتابة

▪الكتابة اللبنانية زبيدة العبود بدورها شاركتنا بحديث يضج بالتفاؤل والتجلي:

أنا امرأة أصنع يومي بأحلامي وألون حياتي بأمل يتجدد كل يوم.

أبحر في فضاءات الكتابة كمحررة ومدربة في الشؤون الأسرية، بروح يغمرها التفاؤل.

أحب الكتابة وأعشقها، هي مصدر راحتي وسعادتي، أمارسها بكل الطقوس، وكل الظروف..لا أتخيل أن أعيش يوما بدون الكتابة.

وهكذا أحبتنا.. تجولنا في خلجات ومشاعر أنثى يلبسها هاجس الإبداع، وهطل على روحها وحي الكلمة فصدحت بتراتيل بوحها في فضاءات المشهد الثقافي، رافضة للغياب، متحدية لعنة الفقر وتداعيات الوضع المعيشي الراهن، لتسبح في ملكوت البهاء.

أحمد النظامي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى