الوعل الحضرمي والطوارق الزرق.. حكاية لم تُحكَ

كتب/ هاني مسهور
برغم العزلة والمرض والإعاقة، تأتي وافرة المحفزات من شظايا الشتات الحضرمي.

إذ جاء خبر حصول الروائي ذي الأصول الحضرمية، بن قرنح، بجائزة نوبل للآداب هذا العام ليثير الأشجان ويحرك الذاكرة المجمدة ويصب في الروح بواعث فرح وأمل.

في سياق المحفزات نفد كتاب “الرجال الزرق” -وهو اسم شهرة للطوارق لدى الرحالة الأوروبيين- من أرفف معرض الرياض الدولي للكتاب، فيأتي متزامنا خبر نوبل محفزاً، فيما يعتاش فيه الحضارمة حول أثرهم وآثارهم، التي منها ما امتد في شمال أفريقيا، وبذرت في سوسة التونسية، التي جعل منها الحضرميون علامة خالدة باهية بهاء الشمال الأفريقي، وهو يتمدد على بحر الروم والحضارمة القادمين من بحر العرب.

من غير المعلوم متى وصلت أولى الهجرات الحضرمية إلى تلك البلاد البعيدة عن بلادهم، فيقال إنهم ذهبوا مع الفينيقيين، وآخرون يرجحون أن الهجرات الحضرمية جاءت بعد ذلك.

ومهما تضاربت الآراء تظل حقيقية أن هناك هجرات حضرمية توالت قبل الميلاد وبعد الميلاد، غير أن الأثر الحضرمي تشكّل مع خروجهم ضمن الجيش العربي بقيادة المظفر عمرو بن العاص، فاتح البلاد المصرية، وفي معيته كتائب حضرمية من القبائل الهلالية.

توغلت الجيوش وتوغل الحضارم في قلوب الأفارقة، فدخلوها وحلوا بها، فكانوا مع الأقوام بأعراقهم وقبائلهم من أواسط أفريقيا حتى شمالها، حيث كانوا يعبرون إلى الضفة الأخرى من القارة الأوروبية، فكانوا مع المهاجرين من الجزيرة العربية يتمددون في إمبراطوريتهم الأموية، يصنعون من بلاد الأندلس الفردوس العربي الأكثر بهاءً.. تلك أمة حضرمية مهاجرة نعلم نسلها وعرقها، بل حتى بيوتها ومضارب خيامها في البلاد الحضرمية، وهي لا تزال تتفاخر بأن أسلافها منهم الطوارق والأمازيغ، بل إنهم حتى اللحظة يشيرون إلى بلدان الشمال الأفريقي على أنها امتداد لجيناتهم وألفاظهم وأشعارهم وألحانهم وألوانهم.

في الصفات والخصال المشتركة تتقاطع كثيراً طقوس اصطياد الوعول والتباهي بالطرق التقليدية.. الحضارمة شعارهم الوعل، والوعل لا ينحني، رافع الرأس دوماً.. ينزف دماء ويكابر ويمضي ويشق طريقه للجبال.. كذلك تقول رواية “نزيف الحجر” للكاتب الليبي إبراهيم الكوني.

البشرة الزرقاء المكسو بها معشر الطوارق وكثير من الأمازيغ وجلّ أقوام أهل الشمال الأفريقي هي ذاتها المكسو بها الحضارمة فيما هم ينتمون ناحية أدنى الأرض من شبه جنوب جزيرة العرب.. على ذلك الساحل وُجد أقدم مخطوط للمسند العربي، ومنه يشار إلى أن بلاد الشحر هي أصل ومنشأ لغة العرب ومهدهم الأول، ومهما تباعدت الأسفار تظل الجينات والصفات المنقولة والمحكية تتلاءم وتتلاصق كلما اهتز وجدان شعراء القوافي في أنحاء الصحارى الأفريقية بألحانهم وحنينهم لموطنهم العربي القديم.

الهوية الحضرمية دونما غيرها لم يتم بعد تفكيك شفراتها ومعرفة أسرارها، غير أن لها اتصالات مع الحضارات والشعوب والأمم، فلا حيدر أباد الهندية يغيب عنها الاشتياق إلى الحضرمي، ولا تنام سوسة وفي وسادتها دفء الحضارمة، المشمولين بالهوية المتحركة والمنشغلين بتدفقها، يراعون البزوغ مع كل طلوع وغروب شمس، فهذه واحدة من أعرق الأبجديات الحضرمية، التي تركها القوم الأوائل، وهم يغادرون على ظهور الجمال وادي “دوعن” للحاق بالقوافل المتجهة ناحية الأقصى من اليابسة، حيث خيام الطوارق على ضفة المحيط الفاصل عن بلاد العم سام.. وإليه من الحضارمة سلام!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى