امرأة مُسِنَّة تَفقِد اثنين من أبنائها بانفجار لغم حوثي وتُكابِد حياة التشريد

أعوام مضت؛ وآلام المواطنين في محافظة الحديدة اليمنية، والساحل الغربي آخذة في التزايد، خصوصًا تلك الناجمة عن الألغام التي زرعتها مليشيات الحوثي بكثافة في كل مكان؛ ذلك أنها لا تزال تُعدُّ خطرًا يهدِّد الحياة ويضاعف المآسي؛ فالأروح تتساقط تباعًا، والسبب هو ألغام المليشيات الحوثية. (سالمة أحمد كنيد): من سكان منطقة (الجبيلة)، التابعة لمديرية (التُّحيتا)؛ في محافظة الحديدة، مُسِنّة؛ في العقد السابع من عمرها، صارت فجأة ثكلى، بعد فقدانها فلِذتَي كبدها، وجزءًا من عقلها إثر انفجار لغم من مخلفات مليشيات الحوثي، لم تستطع تقبُّل هذا المصاب الجلل أو تحمُّله؛ إذ كان صدمة كبيرة لها وفاجعة مهولة! مُنذُ زهاء عامينِ؛ افترقت (سالمة) الأُم عن ولديها (عبدالله نبيل دويل)؛ وهو متزوج، ولديه خمسة أطفال و(علي نبيل دويل)؛ وهو أعزب، وذلك بعد أن نزَحا إلى الحَيْمة، فيما بقَت والدتهما (سالمة)، ومَن بقيَ مِن أسرتها في منزلهم الواقع في الجبيلة، ومضت الأيام، وبعد مدة من الزمن، شعر الأخوان: (عبدالله وعلي) ، بلواعج الاشتياق ونيران الحنين لوالديهما، فقرّرا العودة إلى الجبلية لزيارتهما، يُمَنّيان أنفسهما بالوصل إلى ملاذٍ آمنٍ يقيهما جحيم الاشتياق والفراق لأهلهما. استقلَّ الأخوان دراجة نارية ومضيا في طريق عودتهما، حتى اقتربا كثيرًا من بلدة الجبلية والأهل معًا، وصلا إلى طريقٍ ترابية تؤدي إلى منزلهما، وفي تلك الطريق الترابية كان يظن (عبد الله وعلي) أنهما باتا قريبينِ من الوصول إلى منزلهما بعد وصولهما إليها، ولكن وسائل الموت الحوثي وأدواته الرابضة تحت التراب كانت أقرب إليهما؛ إذ انفجر بهما لغم من مخلفات مليشيات الحوثي، أودى بحياتهما على الفور؛ تمزَّقت أجسادهما وصعدت أرواحهما إلى السماء، دونما عودة أو وداع، ولم يبقَ لهما أثر سوى بقع حمراء اللون وأعضاء منفصلة عن بعضها، وأشلاء متناثرة في منتصف الطريق. لم تندمل الجراح، ولم تخف الآلام، وظلت والدتهما (سالمة) تعاني العذاب؛ بسبب تلك المأساة المروعة، التي أودت بحياة ولديها. وبعد ذلك العذاب جاء عذاب آخر، حينما نزحت من الجبلية إلى قرية الحجروفة بمعية أفراد أسرتها؛ وعددهم (25) فردًا، وهي أسرة تعيش على هامش الحياة، فرّوا من بطش مليشيات الحوثي الدموية التي لا تعرف الرأفة. وتكابد (سالمة) وأسرتها ضنك العيش و قسوة الحياة ومرارة الفقر والاحتياج؛ فالأسرة تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة البدائية العادية، أسرة دون مأوى ولا سكن، آلت بهم الظروف القاهرة؛ إلى أن يفترشوا التراب ويعشوا في عُشَش صغيرة ضيقة؛ صنعت من القَشِّ وعزف النخيل. لم تقف حصة (سالمة) وأسرتها من العذاب والتنكيل عند هذا الحد، بل إن المعاناة تفاقمت أكثر؛ فبعد أيام قليلة مما حصل لها، شنّت مليشيات الحوثي قصفًا عنيفًا بصورة هستيرية على قرية الحجروفة مستخدمةً أنوع الأسلحة لتُضطَر الأسرة للنزوح مجددًا إلى منطقة الحيمة، ضمن عشرات الأسر النازحة على إثر تصعيد مليشيات الحوثي، لتستقر في العراء بمنطقة الحيمة الساحلية، وهي منطقة شديدة الحرارة والرطوبة صيفًا، بصحبة بناتها وأحفادها وبناتها، في عُشّة مكونة من سعف النخيل، وبعض أعواد الأشجار، وقِطع صغيرة ممزَّقة من القماش تتسع لثمانية أفراد – فقط -، وعددهم (25) فردًا، وقد سبب القصف الحوثي – كذلك – نفوق بقرتين وبعض المواشي؛ التي كانت تعتمدها مصدرًا وحيدًا لطلب الرزق لها ولأسرتها. وتعبِّر (سالمة) بألم عن المآسي المتتالية التي كابدتها مع أسرتها قائلة: الألغام قتلت ولدَيّ، وقتلت أبقاري، لقد شرّدتنا مليشيات الحوثي وعبثت بنا، الله يعبث بهم في الدنيا والآخرة. وتحدَّث أحد المقربين من أسرة (سالمة) قائلًا: هؤلاء يسكنون في الجبلية، وهذه المسنة فقدت ابنيها؛ إثر انفجار لغم من مخلفات مليشيات الحوثي، وبعد ذلك نزحوا من الجبلية إلى قرية الحجروفة. ويضيف: حدث قصف حوثي عنيف على قرية الحجروفة منذ ثلاثة أيام؛ ماتت دوابهم ومواشيهم، ولاذوا بالفرار إلى الحيمة، ولجأتْ إلى بيت أحد الجيران هي وابنتاها وأحفادها في البداية، ثم عادوا إلى العراء دون بيت ولا مأوى، بيوتهم خِيَمٌ من الخزف، والسبب مليشيات الحوثي، ولم تعد هذه الأسرة تملك أي شيء!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى