التاريخ الجنوبي وأصحاب نظرية “بركة الدم”

كتب_ د عيدروس نصر.
بعد الحلقة الأولى من سلسلة لقاءات “الذاكرة السياسية” مع المهندس حيدر العطاس، رئيس هيئة رئاسة مجلس الشعب الأعلى في جمهورية اليمن الديمقراطية، الذي يقدمه مذيع ذو اصل لبناني اسمه طاهر بركة عبر قناة “العربية” السعودية، تدافع التافهون للتهليل والتطبيل وإقامة مهرجانات المديح والثناء على المهندس العطاس إعجابا بما أوقع نفسه فيه من مطبات وهو يتحدث عن تجربة ربع قرن هو كل تاريخ جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.
طاهر بركة يعتمد في برنامجه على أسلوب موظفي البوليس السري أو ضباط البحث الجنائي الذين لا يفتحون التحقيق إلا لتوريط المتهم للاعتراف بالتهم المنسوبة إليه من خلال استدراجه إلى الزوايا الملتبسة في القضية موضوع التحقيق ، وفي هذه الحالة لا يقع في الفخ إلا الحمقى والمغفلون أما الأذكياء ومن لديهم قضايا سامية يدافعون عنها فإنهم يحولون جلسة التحقيق هذه إلى منصة لإيصال قضيتهم إلى مسامع من لم يسمع عنها بعد.
لن نتوقف عند حديث الأخ والصديق “أبو معتز” فما نزال عند الحلقة الأولى رغم إنني لم أكن أتمنى على رجل بمكانته وثقافته وتاريخه المعروف أن يضع نفسه في بعض المواقف المحرجة له قبل غيره من رفاقه القادة الذين تعرض لأسمائهم في هذا اللقاء، لكن هذا الموضوع ستكون لنا معه وقفة لاحقة بعد نهاية آخر حلقات البرنامج التي يبدو أنها قد تطول.
أعود مرة أخرى إلى احتفالات المتهافتين وابتهاجات التافهين ببعض ما قاله الأخ العطاس، فقد راحو يصفون التاريخ الجنوبي على إنه كان عبارة عن “بركة دم”، وراح البعض يمتدح الأخ العطاس وهو الذي كان يتهمه حتى الأمس القريب بالعمالة والانفصالية والارتزاق، وذهب البعض وهو من الذين درسوا في مدارس جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، وتعاطى الغذاء المجاني في اقسامها الداخلية لسنوات طويلة وقبض البوكت موني بنهاية كل شهر ونفقات السفريات بداية كل عطلة فصلية أو سنوية، وسافر للدراسة الأكاديمية في الخارج على حساب هذه الجمهورية التي يلعنها، وتعالج مجانا في مستشفياتها، راح هذا البعض ليشكو الجوع، الذي صنعه من خياله ويتألم على انعدام البصل الذي لم يعلم به احد سواه، ويتغنى بتشويه التاريخ الجنوبي باصطناعه أحداثا لا وجود لها إلا في مخيلته، ويضخم أحداثاً وصراعات شهدتها كل البلدان التي مرت بظروف الجمهورية الوليدة ليتخذ من كل هذا الهراء وسيلة للتحريض على تاريخ يعلم من عاشه ما فيه من نجاحات وإنجازات وما رافقه من أخطاء وشطحات هي من صنع بشر عاديين لم يدعوا قط أنهم ملائكة أو رسل.
أصحاب نظرية “بركة الدم” يحاكمون التاريخ الجنوبي من خلال أحداثِ هي مؤسفةٌ بحق، لكن اطولها لم يدم عشرين يوماً، لكنهم لم يحدثون عن انهار العسل والسلبيات التي نعيشها اليوم منذ قرابة سبع سنوات، ناهيك عن البحيرات المشابهة في صعدة والحجرية والمناطق الوسطى وغيرها، فهم لا يريدون إزعاج أبطال هذه الأفلام المسلية أو إيقاضهم من استرخائهم المزمن.
ليس بالإمكان ولا من الضروري مجاراة هؤلاء التافهين في تفاهاتهم، لأن ذلك هو ما يبحثون عنه، لكنني أعود وأحذر الذين يبتهجون بمدائح المداحين وتطبيلات المطبلين، فأمثال هؤلاء هم مجرد ضاربي دفوف يحيون الحفلات لكل من يطلب منهم وإذا ما فعلوها اليوم لخدمتكم فسيفعلونها غداً لخدمة من يسيء إليكم، بل إنهم بامتداحكم وتسجيل الاعجابات بكم إنما يوهمون لعالم بأنهم، ليسوا وحدهم تافهين، بل لديهم شركاء في التفاهة من خلال تسويقكم على انكم انتم الشركاء.
تاريخ الجنوب بمراحله المشرقة وإنجازاته العظيمة وتحدياته الكبرى وهفوات قادته وشطحاتهم غير المدروسة لا يمكن أن يكتبه صبية كل ثقافتهم تقتصر على التباكي على المتساقطين وتمجيد الطغاة والتنقل بين الموائد السياسية الغنية بما يصيب المعدة بالتخمة والعقل بالعطب والضمير بالموت البطيء، وإنما يمكن تقييمه عبر المؤسسات الأكاديمية الحيادية والمهنية المتخصصة التي تتبع المنهاجية العلمية في التعاطي مع الأحداث ولا تبحث عن استرضاء الطغاة ومكافآتهم وإعجابات المعجبين ولايكاتهم.
ومرحى للتافهين تفاهاتهم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى